هناك إشكالية ثقافية عويصة تصوّر الرجل الذي يبدو على سيماه الالتزام الديني بأنه هو الدين والدين هو، وهذا التصوّر تم استيراده إعلامياً من قِبل غير المسلمين، لنقد الثقافة الإسلامية المعاصرة، باستثمار بعض الأحداث والمواقف كشواهد. «موظفو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» إن قلنا إنهم ضحايا هذه الثقافة فهم ضحايا فعلاً، وإن قلنا إنهم مستفيدون فهم كذلك، وما زاد الأمر سوءاً منحهم سلطة تجاوز بعضهم في استخدامها بإسراف، ما جعلهم مبعث تذمّر للبعض، وصاروا صيداً ثميناً لوسائل الإعلام العالمية الناقدة، والناقمة، والساخرة، والساخطة! كثيرون لديهم تحفظات على أخطاء وتجاوزات موظفي الهيئة، لكن الصورة الذهنية التي أنتجتها الإشكالية الثقافية لرجل الهيئة بأنه وكل ما يصدر عنه يمثل الدين بالضرورة، جعلت الناقد يُقصر، ويقلب نقده ثناء، لأنه يظن أنه ينتصر للدين، ولو اتخذ موقفاً آخر سيتهم في دينه! بدليل أن أخطاء موظفي الهيئة تقسم الرأي العام إلى فسطاطين، بينما أخطاء الأجهزة الحكومية الأخرى توحد الرأي العام لأخذ موقف ضدها! عند هذه النقطة يغيب صوت النقد، وعندما يغيب النقد يُفقد التقييم والتقويم، ويستمر الخطأ والتجاوز! معالجة هذه الإشكالية الثقافية أمر لابد منه، لكنه مشروع كبير يتطلب جهداً ويأخذ وقتاً، وهذا من سمات التغيير الاجتماعي. بيد أن هناك معالجات إدارية وقتية مُجدية. استقلالية جهاز الهيئة رسخت الصورة الذهنية التي تحدثت عنها آنفاً لموظف الهيئة، وألبسته هالة من القداسة، رغم أن واجباته في الإسلام واجب أمة (كنتم خير أمة..) الآية. أُولى المعالجات الإدارية، انضواء هذا الجهاز تحت مظلة وزارة الشؤون الإسلامية -مثلاً- أو إلغاء الجهاز واستبداله بإدارة في كل وزارة، لتحرير مصطلح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من التخصيص إلى التعميم، من قصره على رقابة السلوك الشخصي، إلى توسيعه باتجاه رعاية المصالح العامة. ثانيها، التوظيف يكون للكفاءات ممن يحملون مؤهلات تناسب طبيعة العمل الميداني، الذي يتطلب التخالط والتعاطي مع عقليات ونفسيات وأفهام وأفكار متعددة، ولا يكون التوظيف ل «السيما» التي قد تكون قناعاً يتخذه أي أحد وسيلة للوصول إلى غاية ما.