تطرقت في مقال سابق لظاهرة غياب الطلاب في مدارسنا، وكنت متوقعاً ردة الفعل، وغضب بعض المعلمين على ما ذكرته. مشكلتنا أننا نطالب بحقوقنا، كزيادة الرواتب، وبدل السكن، وتخفيض النصاب، والتأمين الطبي، إلى غير ذلك من الحقوق، ونريد من وسائل الإعلام أن تناقش وتكتب في هذه القضايا فقط، ولا شك كوني واحداً من المعلمين أتمنى أن تتحقق، لكن في الوقت نفسه، ينسى بعضنا مهامه وواجباته تجاه عمله ومهنته وحقوق الطلاب عليهم، ولا نريد من أحد أن يواجهنا بها، ولا بأخطائنا، ومواطن الضعف والتقصير، وإن تطرّق إليها أحد عبر الصحافة قوبل بالهجوم، وأقاموا عليه الدنيا ولم يقعدوها. لابد أن نعترف -وأتمنى أن تتسع صدورهم هذه المرة- أن مدارسنا بشكل عام، تشهد غياباً ليس من قبل الطلاب فقط، وإنما من بعض المعلمين أيضاً، وإذا أرادت وزارة التربية والتعليم التأكد من ذلك، فما عليها إلا أن تقوم بجولة على عدد من المدارس، أو تعمل إحصائية على مستوى منطقة من المناطق، ولا أقول على مستوى المملكة لمدة أسبوع واحد فقط، وتشاهد بنفسها حجم الغياب. الأمر الذي شجّع على ذلك، وجعلها تتحول إلى ما يشبه الظاهرة، هو عدم وجود أنظمة صارمة، تحاسب وتعاقب المعلم كثير الغياب. أعلم أن المعلم هو في النهاية إنسان مثله مثل أي موظف، قد يمر بظروف تضطره للغياب، ولكن أقصد أن ما (زاد عن حده) بصورة واضحة. صحيح هناك عقوبة على الغياب دون عذر وهي الحسم، وهناك إجراءات يفترض أن تتخذ للحد من غياب المعلمين، ولكن حتى عقوبة الحسم تهاون بها بعضهم. مشكلتنا أننا نطلب من الطلاب الالتزام والانضباط، وعدم الغياب، وهناك بعض المعلمين من هم بحاجة إلى الانضباط والالتزام. ورغم ذلك نصر نحن معشر المعلمين بمساواتنا بمعلمي بعض الدول مثل اليابان، ونحن مع الأسف، لا نجاريهم في الجدية والانضباط. إذا كان المعلم هو الركيزة الأساسية للعملية التعليمية، فإن في عدم انضباطه وتهاونه في أداء عمله ضياعاً للعملية التعليمية. نلتقي في المقال المقبل، وقضية أخرى من قضايا التعليم.