في حياتنا اليومية تتماهى الخطوط بين المتشابهات حتى لتكاد تضيع ، وتصبح الفواصل علامات إنذار حمراء تقف في وجه الارادة وتلوي ذراع حرية الاختيار ، وقليل جدا من تعلم كيف يفرق بين المتشابهات ويفض الاشتباك دون ان يدخل دائرة اتهام او صراع نفسي او اخلاقي يحتاج فيه بشكل أو بآخر للتبرير او للدفاع عن نفسه وتوضيح موقفه وسوْق الحجج التي تبرئ ساحته امام العيون المتلصصة والاتهامات المرسلة .. مثلا كيف نحدد الخط الفاصل بين الجحود والحق الشخصي ؟ وهل هو من قبيل الجحود ام ممارسة الحق الشخصي أن يقرر الشاب الزواج ممن يرغب بغض النظر عن موافقة والده او رفضه لهذا الزواج ؟ ومثل ذلك بقية القرارات الخاصة كالسفر ونوع العمل وتغير الموقع وتغيير السكن .. وعلى جانب آخر هل يتعارض الطموح مع البطر حين يريد أحدهم ان يكسر روتين حياته المضمونة الآمنة المطمئنة ويغير وجهته نحو عالم غامض مليء بالتوقعات ولا ثبات فيه الا رغبته الخاصة أن يجرب وامنيته ان ينجح ؟ وهل يمكن ان نوفق بين الشخصية المستقلة وسلوكيات الخجل والادب والصوت المنخفض فنحمد لشخص ما انه يفعل ما يريد دون أن يتعدى على أحد يعارضه ودون ان تسوء علاقاته بالآخرين ويصفونه بالانانية .. وكيف نفض الاشتباك بين الحرص والبخل في عيون اشخاص يعتبرون أن إغلاق محفظتك دونهم في لحظة ما هو بخل مذموم حتى لو كنت تغلقها على فراغ بعد ان اعطيتهم كل ما كنت تملك فيها ؟ والقائمة طويلة حيث تتشابك الخطوط وتضيع الملامح .. فهناك الفرق بين الكرم والاسراف ، الحلم والضعف ، القسوة والحزم ، التأني والبطء ، الصبر والبلادة .. وغيرها كثير .. ولقد فاجأت نفسي حين اكتشفت في جلسة واحدة في يوم اجازة ان كل الخلافات والمشاكل بين الناس على مختلف طبقاتهم ونوعيات العلاقات بينهم تنبع اساسا من هذا الحد الفاصل بين ما يريد كل منهما، وبين الطريقة التي يعرف بها سلوكه او سلوك الآخر تجاهه.. فبعيدا عن ثوابت الخطأ والصواب والحلال والحرام ، تتحكم المتشابهات في تصريف امور حياتنا تحكما يحتاج فعلا الى اهتمام خاص من علماء التربية لفصل النزاع ووضع النقاط على الحروف لتتحدد الامور وتهدأ النفوس .. مثلا في علاقات افراد الاسرة الواحدة نجد أن ما يراه الابن قسوة يعتبره الأب حزما ، وما تجده الزوجة بخلا يعتبره الزوج حرصا وما تسميه الابنة حرية شخصية تعتبره الام انانية .. ولا ارى امكانية للحد من تصاعد الخلافات بين افراد المجتمع الواحد الا في تعلم معنى احترام حريات الآخرين وعقلياتهم ودوافعهم واحترام وجهات نظرهم مهما تعارضت مع وجهات نظرنا لأنهم - افتراضيا - سوف يبادلوننا نفس الشيء وبالتالي تقل الخلافات كثيرا وتنحصر في جوهر الامور لا في مظهره .. طبعا هذا كلام نظري لا ينهي خلافاً ولا يغير واقعاً .. لكنه مجرد ملمح ودعوة للتفكير .. لعل وعسى !