الذين أعطوا تأويلاً لاختيار موقع إسرائيل الجغرافي في منتصف امتداد العالم العربي شرقاً وغرباً بأن ذلك تم لإعاقة قيام دولة عربية كبرى تستعيد الوجود العباسي الأطول عمراً.. ألهمهم هذا التأويل أن العالم العربي الذي بدأ يخرج من تأطير الاستعمار، وإن لم يحدث ذلك بشكل كامل، فعلى الأقل كانت هناك أفكار تدعو إلى ثورية عربية وحدوية، وعند مجاراة هذا التأويل، لابد أن يكون من اختار المكان قد أحس ما بين عامي 1950 و2008 بأنه تخبط في تخيلات لا أساس لها، فالعالم العربي عبر هذا الزمن حارب بعضه أكثر مما حارب إسرائيل، ووفر من أخطاء الحكم وتردي الحياة الاجتماعية، ما أعطى لإسرائيل صفة أفضلية ديموقراطية غير موجودة في المنطقة، ومن تصفح بشكل سريع تاريخ الملك عبدالعزيز سيجد أنه الوحيد الذي أسس وجود دولة من موقع الصفر، عند الأخذ باعتبارات القبلية الناشطة آنذاك، والأمية المتجاوزة ل90%، وندرة وجود الإمكانات، لكنه لم يتجاور بعداوة أحد، وخلق وطناً نظيف الخصومات، وفي الوقت ذاته حليف الأقوياء، دون أن يكون لهم يداً ضد أحد، وعندما استشرت الصراعات العربية ما بعد عام 1950 سنجد أن الملك فيصل واجه خصومات مفتعلة من جميع مواقع حدود بلاده، ولا تفهم لماذا ذاك الاستهداف إذا كان أن المصلحة العربية مسؤولية مشتركة، حيث كان ما يمارس هو أن الخصومات مسؤولية مشتركة.. إسرائيل تستفيد من مظاهر الضعف العربي - لا أكثر - سواء في نوعية ممارسة الحكم، أو تدني مستويات معيشة المجتمعات بعد أن سقط تألق الثورية العربية الشرسة الأهداف والنوايا، وتَولُّد تنوعات الخصومات وتَقَزُّم مواقعها لكنها فتحت الفرص لقوى غير عربية كي تكون ذات تأثير في صنع القرار. ولعل إيران أفضل نموذج لهذه القوى، وتألق لبنان كأصغر بلد يحوي أكثر عدد من الحكومات، وانقسام القضية الفلسطينية إلى خطين متخاصمين بشراسة مخجلة.. نحن الآن في عام 2009 نطل على واقع جديد.. واقع بدأ به الملك عبدالله فرض أهمية أن تكون أي قمة عربية ذات قرار فاعل مؤثر، أو لا تكون، مثلما حدث في قمة بيروت، وأن تكون العلاقات العربية الدولية دافع تطوير للأهمية العربية، مثلما تجادل مع السياسة الأمريكية في عصر بوش، نحن الآن أمام بوادر واقع جديد على الساحة العربية إذا تحقق نجاحه فسوف يسفه ويحجم هذا الواقع جميع قوى الانشقاقات عندما يتم التطلع إلى القمة العربية القادمة بأن تحوي إطاراً يعمل على توفير التعاون الاقتصادي وتوحيد الموقف السياسي ليس لتحقيق منجزات مصالحات وتعاون محدودة، ولكن لإلغاء صفحة مخجلة من تاريخ الخصومات المتعددة المواقع جغرافياً، والدخول في واقع عربي جديد، إذا تأكد فوحده الذي سيضع إسرائيل أمام خيارها الصعب.. السلام أو العزلة، ليس أوسطياً وإنما عالمياً. ألم يقل الملك عبدالله بأن مشروع السلام العربي لن يبقى طويلاً على مائدة الانتظار..؟ ألسنا ننتظر توافقاً عربياً قريباً مهما كان محدوداً فإنه سوف يؤهل لأن تكون قمة الجميع القادمة في أي شهر أتت منطلق حضور عربي عالمي جديد..؟ قد يكون انكسارنا النفسي من تجارب الماضي الطويل باعثاً على التشكك، لكن معايشتنا للسلوكية السعودية في تاريخنا تجعلنا نتفاءل.. ألم يكن الملك فيصل هو الرجل الذي فاجأ عبدالناصر بجزالة مساندته بعد هزيمة عام 1967..؟