كان أكثر من استخدم مفهوم الرأس المال الاجتماعي في بحوثه ودراساته عالم الاجتماع الفرنسي الشهير بيير بورديو، حيث يرى أن الرأس المال الاجتماعي هو أكثر المفاهيم تعقيداً وتداخلاً مع غيره من مفاهيم الرأس المال الثقافي والرأس المال الاقتصادي، وهو يشير إلى أنه قيمة، وفعالية العلاقات الاجتماعية، ودور التعاون والثقة في تحقيق الأهداف الاجتماعية. ويمثل رأس المال الاجتماعي فكرة مجردة لا ظاهرة ملموسة، حيث يرتكز هذا المفهوم في المقام الأول على قيمة العلاقات الاجتماعية وأهميتها، ويشمل مجموعة من أنظمة القيم الاجتماعية والثقافية والالتزامات والشبكات الاجتماعية والأصدقاء والمؤسسات التي تعزز من قيم التضامن والتعاون والروابط والتماسك الاجتماعي لتحقيق المنفعة المتبادلة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. كما تتنوع أشكال ومظاهر رأس المال الاجتماعي سواء كان ثقافياً، أو بشرياً، أو مالياً، وهي لا تعمل بشكل مستقل، وإنما تعتمد على بعضها، كما تمثل الثقة والتعاون واحترام الآخرين والمساواة والتسامح والعدل والقيم الاجتماعية والفضيلة جوهر رأس المال الاجتماعي، وأرضيته الصلبة في تكوين علاقات إيجابية وتبادل الخبرات وتطوير رأس المال الفكري، وكفاءة إدارة العمل الجماعي، وبالتالي القدرة على حل المشكلات، وتحقيق الصالح العام. وهناك مصادر لتكوين وبناء رأس المال الاجتماعي حسب معطيات علم الاجتماع التربوي تمثل مؤسسات التنشئة الاجتماعية ومنها الأسرة، التي تعد المكون الرئيس لرأس المال الاجتماعي باعتبارها الخلية الاجتماعية الأصغر في المجتمع وأهم مؤسسة تربوية يتلقى فيها الفرد قيم الأخلاق ومبادئ السلوك السوّي، لأن الأسرة تكون أكثر حرصاً على توجيه أبنائها، وحثهم على الأخذ بقيم الفضيلة واكتسابهم المعايير التربوية السليمة، كما تمثل المؤسسات التعليمية مصدراً من مصادر بناء رأس المال الاجتماعي التي تقوم باكتساب الطلاب والطالبات العادات السليمة، وتحافظ على التفاعل الاجتماعي، وبالتالي تحقيق التنشئة الدينية والنفسية والاجتماعية والسلوكية وفق معايير المجتمع السائدة وقيمه الأصيلة. وكذا العمل على توفير بيئة اجتماعية أكثر توازناً واتزاناً من البيئة الخارجية، باعتبار المدرسة مجتمع محدد محكوم بأنظمة وقوانين من الضبط والربط. وبالتالي يعمل رأس المال الاجتماعي على توطيد العلاقة بين المدرسة والمجتمع المحلي ويساعد على فاعلية الاتصالات المهنية أو الشخصية مع الإدارة التعليمية لحل المشكلات المدرسية، ومن مصادر تنمية رأس المال الاجتماعي جماعة الأصدقاء أو الأقران، وهي من مؤسسات التنشئة الاجتماعية المؤثرة في تشكيل وبلورة الشخصية وبناء مكوناتها الرئيسة، وإشباع حاجات الفرد للمكانة والانتماء والدور. والصديق يؤدي دوراً كبيراً في تغيير القيم والتأثير في معظم الاتجاهات السلوكية والتربوية والاجتماعية للفرد. ويمكن استثمار «رأس المال الاجتماعي» في دفع الاتجاهات الإيجابية للبناء الاجتماعي، على سبيل المثال في الأعمال التطوعية، ومعروف أن العمل التطوعي يعد بمثابة تدريب الشباب على تحمل المسؤولية وتأهيلهم كموارد بشرية وطاقة إنتاجية واعدة، وانعكاساً لتطور الخدمات الاجتماعية في المجتمع المتحضر. حيث يمكن تقوية وتعزيز قيم رأس المال الاجتماعي الثقة المتبادلة والتعاون والمشاركة الاجتماعية والانتماء الوطني، وتوظيفها في عمليات التنمية المختلفة المتعلقة بجهود المتطوعين داخل الجمعيات الأهلية أو مؤسسات المجتمع الرسمية مما يعزز ذلك في بناء ثقافة العمل التطوعي وتنمية اتجاهاته الحضارية والأخلاقية في المجتمع المعاصر؛ خاصة وأن رؤية مملكتنا الطموحة 2030 الشاملة أظهرت اهتماماً بالغاً بمفهوم العمل التطوعي، وذلك إيماناً بأهميته وآثاره الإيجابية على المجتمع أفراداً ومؤسسات، ووضعت الرؤية الاستشرافية هدفاً يتمثل في زيادة أعداد المشاركين في الأعمال التطوعية الذين يقدرون قرابة 11 ألف شخص فقط في الوقت الراهن، إلى نحو مليون متطوع بحلول عام 2030م.