لو أردنا أن نبحث عن الدلالات الواضحة للوصول إلى نتائج نجاحنا في العمل والتعلم وفق مصادرهما الأساسية، لوجدنا أننا لم نحقق من خلال هذه الأشياء المذكورة سوى البسيط منها. بمعنى أننا مسيرون وفق منظومة تحثنا على النجاح في الحياة. هناك قوة لدى الإنسان الباحث عن الطموح وتحقيق أقصى نجاحاته، تدفعه دوماً إلى لب الصراع والمنافسة. فهذه القوة المتمكنة في ذاته تقوده نحو المستحيل، أي كأن العقل متعطل لديه، فهو يجري في جميع أوقاته بلا تخطيط مسبق أو وضع نية للعمل. لكنْ ثمة أمور تدفعه بلا تردد أن يقفز نحو القمم، أو ينوي فجأة اتخاذ قرار مصيري نحو مهمة صعبة في حياته. هنا نتساءل ما الدوافع التي حثته قبل تحقيق المنجزات؟ هل هي قوة خفية داخل النفس؟ أو ذات أخرى غير التي تشاركنا تفاصيل حياتنا؟! للبحث عن الذات متاعب وفق المنظور الفلسفي. لكن هذه الإشكالية نبرهنها تحت بند العزلة الفردية، أي سوف نكشف المحيط المتعلق بوجود الإنسان، فلو كنتَ تعيش بمفردك في مكانٍ واحد وتأملت ذاتك ستجد لا أحد سواك، لكن لو شاركك شخص آخر سوف تشعر بتغيير في تصرفاتك، وكأن حدثَ أمر غيّر مسار حياتك وجعلك تفكر بالوجود الحاضر، حيث كنتَ مع ذاتك تُحدثك عن أشياء لم تخطر ببالك وكأنها عالمةٌ بالأسرار، ولكن مع وجود شخص آخر صرت تفكر بوجوده أي أصبح متداخلاً معك في الحياة، وأقرب مثال لهذا الأمر انتقالك من الحياة الفردية إلى الحياة الزوجية، وثم يلي هذه الأحداث وجود كائن جديد أحدث تغييراً شاملاً في الأسرة، وأضحى جل تفكير الزوجين بهذا المخلوق الجديد الذي كان لا يخطر ببالهما بصورته الحقيقية الحاضرة، وما كان قبل ذلك سوى خيالات وتوقعات. وفق هذه الحكاية نستنتج أنك تكون أكثر صفاءً في وجودك، متبوعاً بأفكار وتصورات لا وجود لها بالأساس، حتى وأنت تقرأ كتابك سوف يعزز الكتاب أفكاراً جديدة كي تكون واقعية، ولكن المفاجأة دوماً أنك تفعل عكس تصوراتك السالفة. لنخرج بمفهوم أننا مسيرون وفق آلية الطبيعة. في كوامنك الخير والشر في صراعٍ دائم، ولكن دائماً الطبيعة تفضي عليك قوانينها؛ كي تبلورك في مجرى حياتك؛ الاستمرار والدوام للحفاظ على الكينونة البشرية. فهذه الدوافع المسكونة في ذواتنا لا نسعى للبحث عنها، وإنما هي من تكتشفنا من خلال الخيال والتأمل. فيا أيها الإنسان لديك عدة ذوات منها الروحانية التي تجعلك في فضاء السكون، وعقلانية تجعلك تُميز بين الوهم والحقيقة، ومنها الأخلاقية أو قل المثالية المتصالحة مع نفسها والتي تعطي بلا مقابل وبلا رياء، وأخيراً أحدثك عن الذات الانعزالية التي تخلو مع نفسها منشغلة بالبحث عن الأسرار.