يقول الأديب والشاعر الساخر محمد الماغوط (ت 2006م) : «لكي تكون شاعرًا عظيمًا يجب أن تكون صادقًا، ولكي تكون صادقًا يجب أن تكون حُرًا، ولكي تكون حُرًا يجب أن تعيش، ولكي تعيش يجب أن تخرس». في هذه العبارات يرسم لنا الماغوط بلغته الساخرة والسوداوية الدائرة المغلقة التي يجد كثير من الشعراء الباحثين عن العظمة أنفسهم محاصرين بداخلها، فالشاعر يطمح للانطلاق والتعبير عن جميع آرائه وأفكاره بحرية وبطريقة مختلفة عن الآخرين، لكن هذا الطموح يصطدم بجمود البشر وبقسوة الواقع الذي يفرض على المبدع/الشاعر السير في طريق مألوفة تؤدي به في نهاية الأمر إلى نقطة معروفة هي نفسها النقطة التي بدأ منها، ونتوقع دائمًا أن ينتهي عندها الشاعر الذي لا يملك الحرية للتعبير عما بداخله بصدق ووضوح. اضطرار الشاعر للصمت أو لتلوين مشاعره بدافع الخوف من ضيق أفق الآخرين وقمعهم للأفكار والآراء المختلفة معهم يحدث في كل المجتمعات التي ينخفض فيها سقف الحرية، لذلك ألفنا خفض كثير من المبدعين لرؤوسهم حِفاظًا عليها، واللجوء للتقية والنفاق وإخفاء الأفكار التي يعتقدون صحتها حتى ولو لم تحمل تلك الأفكار إساءة لأي طرف، ولم يكن لها أدنى مساس بثوابت الدين. ويرى الأستاذ علي خليل الطل في رسالته عن (التَّقية في الشعر الأموي) أن «الشعراء يلجأون إلى التقية وسيلة يسترون بها ضعفهم، أو أساليبهم في الدعوة السياسية مخافة التنكيل بهم وانقطاع آمالهم وآمال الناس فيهم»، ويرى أيضا أن التقية بهذا المفهوم «لا تقتصر على فرقة معينة ولا على شاعر معين، وإن كانت التقية نظرية أفردت الشيعة بصفة بارزة وطبعت روحهم بطابع خاص». ويتفق معه في هذه النقطة الدكتور يوسف زيدان الذي ذكر في لمحة سريعة عن «التقية» أن: « التقية من الأفكار الرئيسية التي أُلصقت بالشيعة، وتعني: أن يتَّقي الشيعي الأذى، إذا كان يعيش في وسط غير شيعي، فيُخفي مذهبه. والذي أراه –من جانبي-أن هذه التقية نزوع إنساني طبيعي يُحرّك أي إنسان، شيعيًا كان أو غير شيعي». ولكثرة ما تعرض له الشعراء من اضطهاد وقمع نتج عن توهمهم بأن المجتمع قادر على استيعاب وتفهم آرائهم وأفكارهم، أو مستعد للتحاور معهم فيها في أسوأ الاحتمالات، وجدنا من ينصح أي إنسان بالحذر من إفشاء بعض الأمور التي قد يجر عليه إفشاؤها العديد من المشاكل والويلات، يقول ابن الشبل البغدادي: احفظ لسانك لا تبح بثلاثةٍ سرٌ، ومال ما استطعت، ومذهب فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثةٍ بمُكفرٍ، وبحاسدٍ، ومُكذب وعدم اعتياد الناس على سماع أو قراءة ما يختلف مع ما يعتقدونه هو ما يحيط كثير من المبدعين بهاجس الخوف من ردود الأفعال المتشنجة تجاه الآراء والأفكار التي يطرحونها، ويدفعهم لتلوين وتمويه مشاعرهم وأقوالهم لتتلاءم مع السائد.