(أيها الوطن السريع الطلقات.. والكاتم الأنفاس.. سدد بإحكام.. خذني على محمل الجد.. ولو مرة في العمر.. بطلقة بائنة)، (الطغاة كما الأرقام القياسية، لا بد أن يأتي يوم وتتحطم). كانت هذه بعض الرسائل الشعرية للشاعر السوري الراحل محمد الماغوط إلى آلة القتل التي يقودها "الأسد" في بلاده حاليا ومنها المكان الذي رأى فيه الشاعر الضوء والبشر لأول مرة "حماة" التي شهدت ولادته عام 1934، ولأن الماغوط المتوفى في 2006، لم يعد بإمكانه مشاهدة ما يحصل على أرض الواقع، فإنه في معظم أعماله الأدبية، سواء الشعرية منها أو المسرحية والروائية، تنبأ بأن هذا الوطن الجميل سيكون مكانا للطلقات النارية السريعة الكاتمة للأنفاس، وفي الوقت نفسه مسرحا لتسطير البطولات في البحث عن الحرية والكرامة الإنسانية، وبالتأكيد أن الأحداث الحالية في سورية، جعلت هذه الطلقات الشعرية تعود بسرعة إلى الذاكرة اليومية، من خلال أشهر موقع تواصل اجتماعي حاليا وهو "تويتر"، فمنذ أيام بدأ حساب في "توتير" تحت اسم "أدب" في تخصيص تجمع "هاشتاق" تحت اسم "أدب الماغوط" لرصد بعضا مما قاله "الماغوط" في الطغاة والطغيان والاستبداد، إضافة إلى رؤيته لمفهوم الوطن، وسيرة الألم والخوف والحرية في شعره، فمن أبرز ما يمكن أن يقوله البشر الواقفون وحدهم دون معين سوى الله تحت لهيب نيران القذائف في وطن الشاعر، ما أورده أحدهم على لسان الماغوط حيث يقول "وفي الليل.. عندما تظلم الأمواج كالقبور، سأقف على موجة عالية.. كما يقف القائد على شرفته وأصرخ: إنني وحيد يا إلهي"، ولم تكن الصورة المرعبة التي تتناقلها وسائل الإعلام يوميا عن المجازر الجماعية التي يرتكبها النظام السوري بعيدة عن حس الشاعر فيقول "كل يوم أكتشف في وطني مجدا جديدا وعارا جديدا". وبالتأكيد أن هذه الصور ستبعث الحزن في أي نفس بشرية (أيها الحزن.. يا سيفي الطويل المجعد، الرصيف الحامل طفله الأشقر يسأل عن وردة أو أسير عن سفينة وغيمة من الوطن). هذه النغمة الحزينة المليئة بالانكسار لن تدوم، فقد تكون حافزا لمقاومة الظلم والجبروت، يقول الماغوط في رسالة لأي باحث عن حريته (لا تنحن لأحد مهما كان الأمر ضروريا، فقد لا تواتيك الفرصة لتنهض مرة أخرى). ويتفق النقاد وعلماء النفس والاجتماع أن المبدع الحقيقي هو من يستطيع رسم معالم المستقبل حسب الأداة التي يملكها، ولأن الماغوط لا يملك إلا الشعر، فكأنه شاهد حي على ما يحدث الآن في قوله(نتكىء على المدافع ونضع ذقوننا اللامعة فوق الغيوم.. ابتسم أيها الرجل الميت، بلادك الجميلة ترحل ومجدك الكاذب ينطفئ)، ولأن الشاعر الحقيقي أي شاعر ليس سياسيا يلعب على المصالح بل همه الإنسان لوحده، فإن الماغوط يوجه رسالة إنسانية لمن يساند آلة القتل من سياسيين وطائفيين بقوله(إن الموت ليس هو الخسارة الكبرى، الخسارة الأكبر هي ما يموت فينا ونحن أحياء). وكما معروف من سيرة الشاعر، فإنه عانى كثيرا من الفقر وغياهب السجون ومطاردات الاستخبارات السورية، ولهذا فقد رصد بعض "المغردين" بعضا مما قاله الماغوط في هذا ومنها "وحدهم الفقراء يستيقظون مبكرين قبل الجميع، حتى لا يسبقهم إلى العذاب أحد". و(نحن الجائعون أمام حقولنا.. المرتبكين أمام أطفالنا.. المطأطئين أمام أعلامنا.. الوافدين أمام سفاراتنا). وبالنتيجة فإن الهم الأكبر للشاعر الراحل هي الحرية والكرامة الإنسانية (لكي تكون شاعرا عظيما يجب أن تكون صادقا، ولكي تكون صادقا يجب أن تكون حرا، ولكي تكون حرا يجب أن تعيش، ولكي تعيش يجب أن تخرس) و(لو كانت الحرية ثلجا لنمت في العراء). ويبدو أن الشاعر اكتوى بشعارات "القومية" التي يرفعها نظام بلده دون فعل على أرض الواقع، مما حدا به أن يصرح (ما من جريمة كاملة في هذا العصر سوى أن يولد الإنسان عربيا)، وفي مكان آخر (لا يوجد عند العرب شيء متماسك منذ بدء الخليقة حتى الآن سوى القهر).