السعودية والأمريكية    «الأقنعة السوداء»    العيسى والحسني يحتفلان بزواج أدهم    احذر أن ينكسر قلبك    5 مخاطر صحية لمكملات البروتين    تقنية تخترق أفكار الناس وتكشفها بدقة عالية !    إلتقاء سفيرة خادم الحرمين الشريفين بطلبة المنتخب السعودي في آيسف.    فتياتنا من ذهب    حلول سعودية في قمة التحديات    تضخم البروستات.. من أهم أسباب كثرة التبول    بريد القراء    الرائد يتغلب على الوحدة في الوقت القاتل ويبتعد عن شبح الهبوط    رئيس موريتانيا يزور المسجد النبوي    حراك شامل    ابنة الأحساء.. حولت الرفض إلى فرص عالمية    ولي العهد يلتقي الأمين العام للأمم المتحدة وملك الأردن والرئيس السوري    هتان السيف.. تكتب التاريخ في الفنون القتالية    الاستشارة النفسية عن بعد لا تناسب جميع الحالات    الإطاحة بوافد مصري بتأشيرة زيارة لترويجه حملة حج وهمية وادعاء توفير سكن    مدير عام مكتب سمو أمير منطقة عسير ينال الدكتوراة    مستقبل الحقبة الخضراء    تركي بن طلال يرعى حفل تخريج 11 ألف طالب وطالبة من جامعة الملك خالد    الشريك الأدبي وتعزيز الهوية    التعليم في المملكة.. اختصار الزمن    صالح بن غصون.. العِلم والتواضع        الدراسة في زمن الحرب    76 مليون نازح في نهاية 2023    فصّل ملابسك وأنت في بيتك    WhatsApp يحصل على مظهر مشرق    فوائد صحية للفلفل الأسود    ايش هذه «اللكاعه» ؟!    خطر الوجود الغربي    العام والخاص.. ذَنْبَك على جنبك    حق الدول في استخدام الفضاء الخارجي    كلنا مستهدفون    أثقل الناس    تحولات التعليم.. ما الذي يتطلب الأمر فعله ؟    لماذا يجب تجريم خطاب كراهية النساء ؟    الاتحاد يتعثر من جديد بتعادل أمام الخليج    المسابقات تعدل توقيت انطلاق عدد من مباريات دوري روشن    بتوجيه ولي العهد.. مراعاة أوقات الصلوات في جدولة المباريات    البنيان يشارك طلاب ثانوية الفيصل يومًا دراسيًا    رئاسة السعودية للقمة العربية 32.. قرارات حاسمة لحل قضايا الأمة ودعم السلام    أمير القصيم يرفع «عقاله» للخريجين ويسلم «بشت» التخرج لذوي طالب متوفى    النفط يرتفع والذهب يلمع    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    بمشاركة السعودية.. «الحياد الصفري للمنتجين»: ملتزمون بالتحول العادل في الطاقة    أمطار على أجزاء من 6 مناطق    صفُّ الواهمين    أمير تبوك يطلع على نسب إنجاز مبنى مجلس المنطقة    برعاية ولي العهد.. انطلاق الملتقى العربي لمكافحة الفساد والتحريات المالية    سقيا الحاج    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    أمين العسيري يحتفل بزفاف نجله عبد المجيد    معرض"سيريدو العقاري"أحدث المشاريع السكنية للمواطنين    رحالة فرنسي يقطع ثمانية آلاف كلم مشياً على الأقدام لأداء مناسك الحج    رعاية ضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الداود: أطالب بإعمال مبدأ وحدة القضاء .. وأثق في إمكانية رؤية المحكمة الدستورية قريبًا
نشر في المدينة يوم 28 - 10 - 2011

أوضح القاضي في وزارة العدل وعضو اللجنة المصرفية الدكتور ناصر بن زيد الداود أن هيئة الخبراء السعودية، هي التي تقوم بتحضير مشروعات الأنظمة، وهي التي قامت بتحضير مشروع نظام ديوان المظالم، مفصولًا عن نظام القضاء وهذا من الخطأ، وأن فصل القضاء الإداري عن القضاء العدلي يشكل خطورة كبيرة؛ إذ متى مر القضاء المنفصل بفترات قوةٍ جارفةٍ أمام جهة الإدارة، فسيكون وبالًا على الأمة بجمعها وعلى خططها التنموية، وأنه يمكن تحقيق الجمع بين وحدة القضاء وانتهاج القضاء المتخصص، بتوحيد المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة العليا لكل أنواع الأقضية، وإفراد كل نوع من أنواع الأقضية الرئيسة بمحاكم متخصصة، وأكد على أن تقنين الأحكام القضائية لن يُلغي دور القاضي ولن يفرغ وظيفته من اختصاصاتها، وأنه من العدل سرعة وسلامة الفصل بين المتقاضين، وأشار إلى أن عدم الأخذ بالتقنين والإلزام به، هو ما يدعو الشركات الأجنبية المستثمرة في المملكة إلى اشتراط التحاكم إلى قوانين بلادها، وأشار إلى أن الظروف السياسية التي واكبت نهاية المدة المحددة، لفرض العمل بقانون الأحوال الشخصية المزمع تطبيقه في إطار مجلس التعاون الخليجي، كانت سببًا في انشغال الساسة عنه، وأن من بين مزاياه جمع محاكم الخليج على قولٍ واحدٍ في أحكام أحوالهم الشخصية، بحيث لا يرى اختلافًا بين المحاكم الحنبلية والمالكية بعد اليوم، وأن الأوامر السامية الكريمة لا تزال تتوالى بالتأكيد على احترام رجال القضاء وأحكامهم النهائية، وأوضح أن اللجان القضائية لا علاقة لها بوزارة العدل، بل هي لجان لها اختصاص قضائي؛ إداري، أو تجاري، أو جزائي تفرقت في عدد من الدوائر الحكومية، وأن أحد أهداف إنشاء المحاكم الدستورية في دول العالم، هو دعم توجه الدولة إلى تيسير وحماية كافة الحقوق لأفراد المجتمع، مواطنين ومقيمين وزائرين، وأن المملكة لن تكون في غنى عنها، ومن العيب أن تسبقها ثلاث عشرة دولة عربية إلى إنشائها، وأنه واثق من رؤية المحكمة الدستورية السعودية واقعًا مشاهدًا في المستقبل القريب بإذن الله تعالى، «الرسالة» استفاضت الدكتور الداود في العديد من إشكالات القضاء وقضاياه الراهنة في تفاصيل الحوار التالي:
* في البدء هل يمكن التعريف بهيئة الخبراء والدور الذي تقوم به بالنسبة للأنظمة السعودية؟
هيئة الخبراء السعودية بدأت بمسمى (شعبة الخبراء الفنيين) حيث صدرت الموافقة الملكية الكريمة على نظام مجلس الوزراء في الثاني عشر من شهر رجب عام (1373ه)، وتضمنت المادة (التاسعة عشرة) منه أن مجلس الوزراء يتكون من عدة شعب، وكانت الهيئة من ضمنها، وبناء عليه صدر المرسوم الملكي بالموافقة على نظام شعب مجلس الوزراء، وجاء الباب (الثالث) منه خاصًا بشعبة الخبراء، واشتمل على بيان: تشكيلها، ومرجعيتها.
وفي الثاني عشر من شهر صفر عام (1394ه) صدر قرار مجلس الوزراء رقم (168) متضمنًا تشكيل شعبة الخبراء، وكيفية قيامها بعملها، وتنظيم أوضاعها المالية، واختصاصاتها.
وفي الثالث من شهر ربيع الأول عام (1414ه) صدر نظام مجلس الوزراء (الحالي) بموجب الأمر الملكي الكريم رقم (أ/13)، وفيه عُدّل اسم: شعبة الخبراء الفنيين إلى: هيئة الخبراء.
وكان أول رئيس لهيئة الخبراء هو معالي الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين حيث عمل بها في الفترة من 23/10/1394ه حتى 13/10/1395ه.
الهيكل والمهام
وتتكون هيئة الخبراء من الرئيس، ونائبه، ومساعد الرئيس، والهيئة العامة للخبراء، والمستشارين، وعدد من اللجان المتخصصة تشكل بحسب الحاجة، وكذلك عدد من الإدارات والأقسام؛ من بينها: الإدارة العامة للتحرير، والإدارة العامة للشؤون الإدارية والمالية، والمكتبة، ومركز الوثائق، ومركز الحاسب الآلي.
أما الهيئة العامة للخبراء فتتكون من: الرئيس، ونائبه، ومساعد الرئيس، والخبراء، والمستشارين في الهيئة، ومهمة الهيئة العامة هي دراسة ما يعده أعضاء الهيئة من مذكرات ومحاضر تتعلق بمشروعات الأنظمة واللوائح ووضع قواعد عامة، وكذلك ما يرى الرئيس عرضه على الهيئة، ووضع ذلك في الصيغة النهائية، كما يشارك أعضاء الهيئة ورئيسها في عدد من اللجان الداخلية والخارجية لدراسة موضوعات معينة والاشتراك في اللجان شبه القضائية وحضور المؤتمرات والندوات.
أما مهمات هيئة الخبراء واختصاصاتها المنصوص عليها فهي كالتالي: أولًا: بحث المعاملات التي يحيلها إليها رئيس مجلس الوزراء ونائباه ومجلس الوزراء ولجانه المتفرعة ودراستها، وثانيًا: تحضير مشروعات الأنظمة، وإعداد الدراسات اللازمة لها، بالاشتراك مع الجهة التي رفعت تلك المشاريع، وثالثًا: مراجعة الأنظمة السارية واقتراح تعديلها، ورابعًا: دراسة الاتفاقيات والمعاملات؛ التي تتضمن وضع قواعد عامة، أو التي تتطلب إصدار مراسيم ملكية، أو التي تهم أكثر من جهة حكومية، وخامسًا: وضع الصيغ المناسبة لبعض الأوامر السامية والمراسيم الملكية، وقرارات مجلس الوزراء، وسادسًا: مشاركة الأجهزة الحكومية في دراسة الموضوعات؛ التي تحال إلى الهيئة من المقام السامي، أو من مجلس الوزراء، أو المجالس العليا.
هجوم التغيير
انتقدت فصل هيئة الخبراء للقضاء الإداري عن القضاء العدلي فما الأسباب؟
في التعريف السابق بالهيئة الموقرة ظهر: أن الهيئة هي التي تقوم بتحضير مشروعات الأنظمة، مما يعني أنها هي التي قامت بتحضير مشروع نظام ديوان المظالم مفصولًا عن نظام القضاء، ومعالي الشيخ صالح الحصين هو أول رئيس للهيئة، وقد ترك العمل في الهيئة بعد سنة واحدة فقط من بداية عمله رئيسًا لها، ولو بقي فيها لما حصل هذا الفصل الذي وصفه معاليه ب»الشذوذ» في محاضرته التي ألقاها في المؤتمر الذي عقده المجلس الأعلى للقضاء بتاريخ 11/2/1431ه بعنوان: التأهيل القضائي.. رؤية مستقبلية، حيث قال معاليه: (فوجئت المملكة العربية السعودية بهجوم التغيير الجذري على الحياة فيها، ليس فقط فيما يتعلق بمظاهر الحياة المادية كالسلع وطرق التعامل معها، بل شمل التغيير سلسلة طويلة من العقود والمعاملات المالية: العقود الإدارية، العقود التجارية، العقود البحرية، الأوراق التجارية، الشركات، الأسهم السندات، عقود العمل، عقود المقاولات، وتبعًا لذلك تعددت الجهات القضائية بقدر ما يتطلب تنوع هذه العقود والمعاملات، ولا شك في شذوذ هذا الوضع؛ فالمعروف أن الدولة الحديثة تراعي دائمًا مبدأ وحدة القضاء، وهذا المبدأ جاء من فلسفة العدل، إذ الأصل لتحقيق العدل المثالي أن يفصل في الخصومات قاض واحد، ولكن لما لم يكن هذا الأمر ممكنًا عمليًا فقد كاف الهدف دائمًا وحدة جهة القضاء في البلد).
وحدة القضاء
دعوت إلى تحقيق وحدة القضاء، فما المقصود بوحدة القضاء بالنظر لما هو مطبق الآن في نظام الدولة؟ وما مزايا التوحيد؟ وما أشهر الدول التي تأخذ به في العالم؟
إن فصل القضاء الإداري عن القضاء العدلي لا يستقيم مع المبدأ العالمي الأصيل (وحدة القضاء)، ولا مع النظرة المستقبلية الوجلة لما يمكن أن يكون عليه نوع من أنواع القضاء أريد له أن يكون بمنأى عن أصله؛ إذ متى مر القضاء المنفصل بفترات قوةٍ جارفةٍ أمام جهة الإدارة، فسيكون وبالًا على الأمة أبجمعها، وعلى خططها التنموية؛ ما دام هذا القضاء المنفصل متحررًا من كل الضوابط التي عليها القضاء العادي كما يفاخر بذلك بعض منسوبيه، بل قد يكون هذا التحرر المفاخر به سببًا لتغلغل الفساد بين منسوبيه؛ استنادًا إلى ما لديهم من سلطات تقديرية غير محددة.
ومتى مر هذا القضاء المعزول عن أصله بفترات ضعفٍ أمام جهة الإدارة، فسيكون وبالًا على أصحاب الحقوق؛ بممالأته جهة الإدارة وتطلبه لرغباتها، ولو لم ترغب منه ذلك، أو تشعر به منه، ولكن الضعف والخور متى سيطرا على أي قيادة فإنها تتطلب القوة المفتقدة بالالتصاق بالمستفيد الأقوى من خدماتها.
لذلك كان المخرج من كل هذا هو إعمال مبدأ وحدة القضاء، حينذاك لن يكون لجهة الإدارة شأن به إلا عبر المؤسسة القضائية العامة، ودون الوصول إليه حينئذ خرط القتاد، ولا يَرِدُ على هذا أن المؤسسة القضائية برمتها قد تمر بمراحل ضعف كسائر مؤسسات الدولة؛ لأن وصول الضعف إلى المؤسسة القضائية العامة في أي دولة منذر بضعف الدولة واختلال نظامها واقتراب سقوطها، بخلاف الضعف الجزئي لأحد أفرعها، ولذلك لم يأخذ بمبدأ الفصل الشاذ هذا من دول أوروبا وأمريكا إلا فرنسا بسبب تفشي الفساد المالي والإداري فيها، فظهرت الدعوة لفصل القضاء الإداري أواخر القرن التاسع عشر، ولم يتيسر اكتمال الفصل لدعاته إلا منتصف القرن العشرين، وانتقل هذا المبدأ من فرنسا إلى جمهورية مصر العربية؛ لتشابه الظروف السياسية في الدولتين، ثم انتقلت نظريته مع المصريين الذين استعانت بهم بعض الدول العربية للعمل فيها مستشارين وخبراء وأكاديميين، غير أن دولًا مثل قطر، والجزائر، والعراق ظهرت لها عيوب هذا الفصل، فأطاحوا بهذا المبدأ الشاذ، والتزموا ما عليه كثير من الأمم في العالم الحديث السالم من ظروف فرنسا العارضة.
المؤسسة القضائية
كيف يمكن تحقيق الجمع بين وحدة القضاء وانتهاج القضاء المتخصص؟
يمكن ذلك بتوحيد المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة العليا لكل أنواع الأقضية، وإفراد كل نوع من أنواع الأقضية الرئيسة بمحاكم متخصصة، فيكون القضاء الإداري مستقلًا بمحاكمه الابتدائية والاستئنافية وبدوائره الإدارية في المحكمة العليا، وكذلك القضاء الجزائي والعمالي والتجاري وغيرها مما تحتاجه الأمة، وهذا هو مدلول المادة التاسعة من نظام القضاء، وهذا نصها (ويجوز للمجلس الأعلى للقضاء إحداث محاكم متخصصة أخرى بعد موافقة الملك).
ولو تأملنا ما نحن فيه من تشتيت لظهر لنا أننا وقعنا في خلل غير مغتفر لدى ذوي الحِجا؛ إذ كيف يوصف المجلس الأعلى للقضاء بأنه الأعلى؟، وهناك مجلس للقضاء الإداري لا سلطان عليه لهذا المجلس الموصوف بالأعلى، بل الواقع يقول إن لمجلس القضاء الإداري نفوذ ظاهر في ما يسمى ب: المجلس الأعلى للقضاء بوجود رئيس القضاء الإداري عضو في ما يسمى ب: المجلس الأعلى، في الوقت الذي لا وجود لمن يمثل المجلس الأعلى للقضاء في مجلس القضاء الإداري، ولا علاقة له به، ولا بأعماله، ولا بسياساته الداخلية على الإطلاق، وعلى هذا فالأحق أن يوصف بأنه الأعلى هو المجلس الذي له سلطة ممتدة إلى المجلس الآخر، لا العكس، فهل أدرك القوم أننا نكتفي بكيل الأوصاف المجردة عن الحقائق؟، فأرضونا بوصف مجلسنا بالأعلى، وهو في الحقيقة أدنى من أخيه الأصغر وأقل درجة !.
لابد من دمج المجلسين في بعضهما، وكذا المحكمتين العلياوين، وليكن رئيساهما من شاؤوا؛ فلن نكون بأعلم من أهل الرأي والحل والعقد، المهم: أن تتوحد المؤسسة القضائية تحت مظلة واحدة.
تقنين الأحكام
ناديت بتقنين الأحكام القضائية غير أنك أكدت على ضرورة أن يكون هناك إلزام بالتقنين فما مفهوم «الإلزام بالتقنين»؟ وما مزايا الإلزام بالتقنين بالنسبة لمعالجة إشكالات واقع القضاء السعودي؟ وما عيوب التقنين بلا إلزام؟
التقنين والإلزام خاض فيهما كثير من علمائنا وقضاتنا وفقهائنا على ثلاثة مذاهب، فمنهم من لم يرهما معًا، فلا تقنين ولا إلزام؛ سدًا لذريعة الحكم بغير ما أنزل الله بزعمهم، ومنهم من يرى التقنين فقط لتقريب الحكم للقاضي، دون أن يلزم القاضي بالحكم بالمادة المقننة؛ حتى لا يكون الإلزام سببًا في سد باب الاجتهاد، وهؤلاء أرحم ممن سبقهم، غير أن الذي يمكن أن يقال لهؤلاء هو ما فائدة التقنين مع وجود آلاف الكتب الفقهية في جميع المذاهب، ومع تواكب بحث المسائل القضائية عبر الأطاريح العلمية لنيل الشهادات العليا الفقهية في الجامعات العربية والإسلامية والعالمية، فهل الأمة بحاجة لملء أرفف المكتبات بأطنان الأوراق؛ للاطلاع المجرد فقط؟ وهل الحياة اليوم بجميع أطيافها وشواغلها ونوازلها تتيح للقاضي والمفتي والفقيه التبحر في أحكام كل مسألة على حدة؟ وهل الناس بحاجة -أكثر مما هم يعانونه اليوم- إلى تأخير البت في قضاياهم؛ بسبب انشغال القاضي في البحث عن حكم المسألة، وعدم قدرته على الوصول إليها في بحار الصفحات، وتلال الكتب، وفضاءات المعلومات؟ وهل اتصف أهل المال ورجال الأعمال بالشجاعة، وتركوا صفة الجبن الملازمة لهم؛ حتى يُقدموا على الاستثمار في بلادٍ قانونها غير معلوم تحديدًا، بل هو في رؤوس قضاتها، وفي كتبٍ لا تكاد تتفق على عشر ما تحويه من أحكام؟
لن يُريح القاضي في بحثه عن المسألة غير التقنين، ولن يُسهِّل على الناس الوصول إلى حقوقهم غير الإلزام بتلك التقنينات، ولن يُسهم في تطور الحياة التجارية في أي بلاد إلا تقنين تشريعاتهم والإلزام بها. إن الاقتصاد الذي هو عصب كل أمة لا يهمه بأي شريعة يحكم القاضي، بقدر ما يهمه أن يحكم القاضي بقانونٍ معلومٍ له ولمستشاريه قبل الإقدام على المخاطرة بالاستثمار في البلاد التي يستهدفها باستثماراته، وهذا ما جعل الأموال السعودية المهاجرة إلى البلاد المنتظمة في قوانينها ودساتيرها تقارب الثلاثة تريليونات ريال أي ثلاثة ملايين مليون ريال سعودي (3.000.000.000.000) حسب إحصائية حديثة.
فما هو الذنب الذي وقعت فيه بلادنا وأهلها؟ حتى تهاجر عنها تلك الأموال الطائلة التي نبتت في أرضها، وأزهرت على ظهرها، قبل أن تغادرها لتُلقي بثمارها في غير حوضها؛ مأسوفًا عليها وعلى من هي له أشد الأسف.
إن عدم التقنين والإلزام به هو ما يدعو الشركات الأجنبية المستثمرة في بلادنا إلى اشتراط التحاكم إلى قوانين بلادها، أو إلى غُرف التجارة في باريس، وبيروت، والبحرين، فماذا بقي لنا من السيادة بعد إلجائنا للتقاضي خارج أوطاننا؟، في خلافاتٍ على استثماراتٍ محل تنفيذها في الداخل الحزين على كرامته وسيادته وماضيه التليد.
القاضي والتقنين
يحتج المعارضون لتقنين الأحكام بأن التقنين سيلغي دور القاضي ويفرغ وظيفته من اختصاصاتها، بالإضافة إلى كونه مقدمة للأخذ بنهج تطبيق القوانين الوضعية فهل هناك ارتباط بين التقنين وهذين الاعتراضين؟
التقنين لن يُلغي دور القاضي ولن يفرغ وظيفته من اختصاصاتها، ولا يقول هذا إلا من لديه الوقت الكافي للبحث والاجتهاد في المسائل العارضة، أما من لا يجد الوقت للحكم في أي قضية إلا بعد أشهر من المعالجات وأسابيع من المشاورات، فيكفي الناس من أدواره أن يستوفي المرافعة، ويغنيهم من اختصاصاته أن يستدل على المادة التي يجب عليه الحكم بمضمونها في قضاياهم، ومن أراد أن يُمارس دورًا غير ذلك فدونه مراكز البحث العلمي والتأليف، ومن أراد اختصاصًا أمثل من الإسراع في إنجاز قضايا الناس على نحوٍ سليم فلن يجد عبادة خير له من تحري العدل، ومن العدل سرعة وسلامة الفصل بين المتقاضين.
ولا ننسى أن كل قانون لا يمكنه الإحاطة بجميع القضايا ولا بمستجداتها ونوازلها، ولذلك لم يخل قانون من قواعد عامة وُكِلَ تفسيرها وتطبيقها وتقديرها إلى القاضي، فباب الاجتهاد محفوظ للقاضي بنصوص عامة في جميع القوانين والأنظمة، بل إن بعض القوانين قد أتاحت للقاضي مخالفتها؛ متى رأى سببًا وجيهًا لذلك بشرط أن يُسبب لمخالفته نص القانون تسبيبًا سليمًا واضحًا؛ حتى لا يكون لمحكمة الاستئناف قولٌ آخر غير ما يراه القاضي في مخالفته.
أما كون التقنين بابًا لتطبيق القوانين الوضعية، فليست كل القوانين مخالفة لشريعة الإسلام، ولذلك طبقنا في بلادنا ما ظهر لنا مصلحة من تطبيقها؛ كما في أنظمة المرور والتأمين والتجارة والمصارف والجمارك والعقوبات والإدارة وغيرها، وما ظهر لنا معارضته لأحكام الشريعة فقد نبذه رجالنا ومستشارونا في معاركهم التفاوضية مع دول العالم، فلم يلج إلى بلادنا الكثير من التجارات المحرمة في شريعتنا وإن اتفقت دول العالم على إتاحتها في جميع البلدان، ولم نلتزم بشيءٍ منها لأي منظمة أو جهة دولية، بل ألزمنا الأمم قاطبة باحترام أحكام شريعتنا وخصوصية عاداتنا وأعرافنا، ولن يكون المانعون للتقنين بأشد غيرة على الدين من إخوانهم؛ الذين ربوا على أرضهم، ونهلوا من معين العلم الذي درسوه معهم في مدارسهم، وتربوا على أيدي أناسٍ لا يقلون في الفضل والديانة عمن تربى على أيديهم أولئك المانعون.
فحق المانعين على الجميع شكرهم على غيرتهم، وأن نحفظ لهم حرصهم وصادق ودهم، ونقول لهم لقد وَقَرت الديانة وحب الوطن في قلوب أبنائكم، فلا تخشوا شيئًا مما يخطر في نفوسكم، إننا سنحمل أمانة الله عنكم، وننقاد لشريعة الله معكم ومن بعدكم، وسيأخذ بعضنا بأيدي بعض؛ حتى لا يُؤتى الإسلام من قبل أيٍ منا.
ولن نكون -في بيان أحكام النوازل- إلا مثلكم؛ فقد ظهر لكم جواز أمورٍ كانت من العظائم عند من قبلكم، وكذلك هم بالنسبة لمن سبقهم، وهكذا يستبين لكل جيلٍ ما لم يظهر لمن قبله، وكم ترك الأول للآخر!
نقص ظاهر
لماذا تأخر فرض العمل بقانون الأحوال الشخصية بالنسبة للقضاء على الرغم من إقرار الاسترشاد به لمدة أربع سنوات في إطار دول مجلس التعاون الخليجي منذ عام 1417ه؟
ينبغي أن نعلم أن القانون الاسترشادي جهد بشري، يعتريه ما يعتري كل أعمال بني آدم من النقص والقصور، والقانون بصورته الحالية سليم من حيث موافقته لأشهر وأرجح الأقوال في مذاهب أهل السنة، غير أنه لم يستوعب كامل أحكام الأحوال الشخصية، ففيه نقص ظاهر، ولعل تأخر فرض العمل به حتى الآن من أجل إتاحة الفرصة لاستدراك ما فات القائمين عليه، كما أن الظروف السياسية التي واكبت نهاية المدة المحددة لفرض العمل به كانت سببًا في انشغال الساسة عنه؛ ليتفرغوا لترتيب البيت الخليجي من الداخل، وتحصينه من الخارج، وكل آتٍ قريب.
مزايا عديدة
من واقع خبرتك الكبيرة بالعمل القضائي ما مزايا تطبيق قانون الأحوال الشخصية المنتظر إقراره؟ وكم نسبة من يتحفظ على تطبيقه من بين القضاة السعوديين؟
لا يمكن الجزم بوجود من يتحفظ على تطبيق القانون من بين القضاة السعوديين أصلًا، فضلًا عن إمكان الوقوف على نسبتهم من بين مجموع القضاة في السعودية، ولا يجب إغفال ما عليه القضاة في بلادنا من ثقافةٍ واسعةٍ وسعةِ أفقٍ ونظرٍ ثاقبٍ للأمور، تجعلهم يدركون محاسن الشيء ومساوئه، ويوازنون بين سلبيات وإيجابيات ما يُعرض عليهم، ويدينون بالولاء والطاعة لولاة أمرهم الذين لن يُقدموا إلا على ما فيه مصلحة خالصة أو راجحة في كل أمرٍ من أمور رعاياهم.
أما مزايا قانون الأحوال الشخصية فكثيرة منها الآتي:-أولًا: جمع محاكم الخليج على قولٍ واحدٍ في أحكام أحوالهم الشخصية، فلن نرى اختلافًا بين المحاكم الحنبلية والمالكية بعد اليوم، وهما المذهبان السائدان في الخليج العربي، وثانيًا: اطلاع الباحثين في جميع دول الخليج على أحكامٍ أسريةٍ موحدة، للتعامل معها في بحوثهم ودراساتهم الاجتماعية والاقتصادية، وفي التخطيط السليم لكثيرٍ من أبواب التنمية في بلادهم، وثالثًا: سيكون الناس على درايةٍ من أمرهم فيما لهم وعليهم، فيسهل على طالب الحق معرفة حقوقه، ويسهل على القاضي البت في قضاياه، ويسهل على المحامي معرفة ما لموكله وما عليه، ورابعًا: سيعمل تطبيق القانون في جميع دول مجلس التعاون الخليجي على زيادة الترابط بين رعايا دول الخليج، وعلى الاندماج فيما بينهم بشكلٍ أكبر وأقوى ترابطًا من ذي قبل، وخامسًا: سيكون توحيد القانون سببًا في تيسير تنفيذ أحكامه في جميع دول الخليج، وإن كانت الحكم صادرًا من دولة غير الدولة المسؤولة عن التنفيذ، وسادسًا: سيكون للتعاون القضائي مجالٌ أرحب بين دول المجلس في باب الأحوال الشخصية؛ لكون القانون المطبق واحدًا، فلا خلاف ولا اختلاف.
الاستقلالية والحياد
ذكرت أن استقلال القضاء وحيادية القاضي مطلبان هامان لتحقيق العدالة فما تقديرك لواقع استقلال القضاء السعودي وحيادية القضاة؟
القضاء السعودي يتمتع باحترام القيادة وأفراد المجتمع، وله استقلالية لا يخشى انتهاكها من غير أهلها، فلا تزال الأوامر السامية الكريمة تتوالى بالتأكيد على احترام رجال القضاء وأحكامهم النهائية، وتؤكد على تنفيذها متى اكتسبت الصفة القطعية، ولن يؤتى استقلال القضاء إلا من قيادته، فمتى ضعفت القيادة القضائية في أي بلد فإن استقلاله سيختل لا محالة، وكذا لو تعسفت القيادة القضائية في سياستها؛ بحيث يخاف القاضي من سطوتها، أو يخشى من فوات بعض حقوقه؛ كما في تأخير الترقيات المستحقة، أو التعرض له بما يضر به وبأفراد أسرته؛ كما في النقل التأديبي، والمخرج من هذا هو سن الأنظمة المحددة لصلاحيات القيادة، ومراقبتها في تطبيقاتها، وجعل جهة محايدة للنظر في التظلمات من تعسفاتها.
أما الحياد المطلوب من القاضي فهو متوافر -بحمد الله- في القاضي السعودي، يساعده على ذلك ما حظي به من تربيةٍ صالحةٍ في أسرته، وما تلقاه من تعليمٍ دينيٍ مكثفٍ في جميع مراحل دراسته، ورقابةٍ ذاتيةٍ يخشى بها من هتك أستاره في الدنيا والآخرة، ورقابة مجتمعه الذي لن يرحمه لو اقترف ذنبًا أو زلت به قدمه، فسيكون عارًا على أهله ومن له علاقة به، ومن فضل الله تعالى: لم يقع من القضاة في مخالفات تتنافى مع الحياد المطلوب إلا نسبة ضئيلة كان الله لها بالمرصاد، فأراح الله منهم البلاد والعباد، وتلك سنةٌ كونيةٌ قدرية؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح (مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ)، ولاشك أن تحيُّز القاضي من أبشع الظلم وأقبح البغي نسأل الله السلامة.
جمع الشتات
دعوت إلى ضرورة إنشاء المحكمة المالية فما دوافعك في طرح هذه الدعوة؟
الدوافع إلى الدعوة إلى إنشاء المحكمة المالية كثيرة، منها: أولًا: جمع شتات اللجان القضائية المتقاربة في تخصصاتها تحت مظلة محكمة واحدة، بدلًا عن تشرذمها وتفرقها؛ مثل: اللجان المصرفية والتأمينية والجمركية والسوق المالية والأوراق التجارية، وثانيًا: الاستعداد لاستيعاب تخصصات قضائية قادمة، سيكون على الجهة المختصة إحداث جهة معنية للنظر في خلافاتها؛ مثل قضايا التمويل، والرهن العقاري، وثالثًا: السبق إلى العناية بهذا التخصص القضائي الهام بمثل هذه الشمولية الرائدة، ورابعًا: توحيد المرجعية في تلك التخصصات المالية مدعاة لانضباط عملها وتكوين مبادئها، وخامسًا: التهيئة للاندماج الكامل ضمن المؤسسة القضائية العامة على نحوٍ ميسر.
اللجان القضائية
أشرت إلى أن الشتات القضائي في المملكة قد بلغ حتى منتصف هذا العام قريبًا من المائة لجنة قضائية فما طبيعة اللجنة القضائية؟ وما أسباب تشتتها؟ وما علاقتها بوزارة العدل؟
اللجان القضائية لا علاقة لها بوزارة العدل، بل هي لجان لها اختصاص قضائي؛ إداري، أو تجاري، أوجزائي تفرقت في عدد من الدوائر الحكومية؛ حتى صار تكوين اللجنة القضائية أسهل على الدائرة المعنية من استجداء المؤسسة القضائية للعمل بأنظمتها وتعليماتها.
وقد سبق لي أن أوضحت سبب حدوث هذه اللجان في مقالة نشرتها عام 1427ه في صحيفة الاقتصادية، بعنوان «جمع الشمل القضائي» ونص المقصود منها (ومن اللائق: معرفة السبب في حدوثها على غير العادة في تنظيمات الدول الحديثة، ولو تأملنا واقعنا المعاصر الذي أحدث نقلةً حضاريةً جبارةً في بلادنا خلال خمسة عقودٍ فقط: لوجدنا أننا قد استطعنا فيها -بحمد الله- مسايرةَ دولٍ عايشت الحضارة أكثر من مائتي عامٍ، فكانت -بحقٍ- نقلةً نوعيةً وعدديةً؛ وإن كانت قد أحدثت ارتباكًا واضحًا، وأفرزت صراعًا نفسيًا ومعنويًا؛ إلا أنَّ القيادةَ -بفضل الله أولًا، ثم بسعة أفق رموزها- استطاعت أن تسيطر على الوضع الانتقالي، وأن تقود سفينة الدولة والمجتمع إلى شواطئ الأمن والأمان.
لقد واجه مؤسسُ هذه الدولة المباركة -صقرُ الجزيرة الملكُ عبدالعزيز بنُ عبدالرحمن آل سعود يرحمه الله- فِتَنًَا وأزماتٍ وصعابًا؛ ما كان لغيره أن ينجوَ منها، وما كان له أن يسلمَ من آثارها؛ لولا إيمانٌ صادقٌ ونيةٌ صالحةٌ -نحسبه كذلك- مصحوبان بعزيمةٍ نافذةٍ وبصيرةٍ ثاقبةٍ شَهِدَ بها الأعداءُ قبل الأصدقاء، فحفظ الله لجلالته ما حَبَاه إياه من نِعَمٍ وخيرات، وحفظ الله بجلالته من ولاه الله أمرهم وَقَلَّدَ في عنقه أمانتهم، وَصَدَقَ الحَقُّ حيث قال {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}، وحيث قال سبحانه {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}.
ولمسايرة الأحداث ومواكبة التطورات، لم يكن هناك مجالٌ للوقوف والتأمل والمراجعة بعد انطلاق السباق الأممي؛ لأنَّ ذلك مدعاةٌ لابتعاد المتسابقين، وضياعِ الفرصة للنهوض بالأمة والفوزِ بما يمكن به القيامُ بشؤون الدولة وحقوقِ الرعية؛ مواطنين ومقيمين، بل إنَّه سيكون سببًا في تَخَلُّفِ الدولةِ عن المشاركة في تضميد جراح المسلمين في جميع أقطار الدنيا.
هذه الهمومُ أدركتها القيادةُ العليا بفطرتها السياسية، وتأخرت المؤسسةُ القضائية عن تَصَوُّرِهَا مدةً اضطرت الدولةُ خلالها أن تترك الفرصةَ متاحةً لهم للتفكير والتأمل وزيادة التصور والتحليل؛ دون أن تُوقِفَ عقاربَ الساعة حتى إنجاز المطلوب، فأحدثت الحكومةُ جهاتٍ «للفَصْلِ والتسوية» تقوم باللازم ريثما يستقر الأمر.
كان ذلك حلًا مؤقتًا عند طروء المعضلة الأولى، والثانية، والثالثة، ثم أصبح الوضعُ لا يَحتمل تضييعَ الوقت حتى في طرح السؤال، فصارت النظمُ تُفرضُ كلما احتاج الناس إليها، ويُذكر فيها لجانُ الفصل في مخالفاتها؛ ما دام قد تَقَرَّرَ كونها مرفوضةً سلفًا من قِبَلِ القيادات القضائية، حتى اجتمع من هذه النتوءات في كيانِ السلطة القضائية العددُ المذكورُ أعلاه وربما أكثرُ منه).
شعور بالفخر
ما مبلغ شعورك بالرضا عن الضوابط القائمة في نظام المحكمة الجزائية؟ وهل تراها كافية لتحقيق عدالة المحاكمات الجزائية؟
أتابع ما ينشر في الصحف من مشاهدات رجال الإعلام لوقائع تلك المحاكمات ومشاهداتهم لصالات المحاكمة، وما تحويه من وسائل حديثة تُسَهِّلُ على المتهمين معرفة ما يُنسب إليهم من تهم، وما يُستند إليه في توجيه تلك التهم؛ بنظرهم إلى طريقة رصد أقوالهم ويشاركون في صياغتها، وما نقلوه من أن بعض المتهمين طلب توكيل محامٍ عنه على نفقة وزارة العدل فلبَّت المحكمة طلبه، وأن منهم من طلب أن يترافع بنفسه فمكَّنته المحكمة الجزائية المتخصصة من طلباته، حتى أن المحكمة استجابت لمن يطلب من المتهمين الاحتفاظ بسرية محاكمته، فتصرف رجال الإعلام عن القاعة، ليعودوا بعد ذلك إلى القاعة وقت محاكمة من لا يمانع من حضورهم محاكمته، وكل ذلك مما يبعث على الشعور بالفخر بتلك المحكمة، وما تطبقه من مبادئ تحقيق العدالة، وما تراعيه من ضوابط للمحاكمات العادلة المتفق عليها دوليًا.
والذي نأمله أن تتحقق تلك المزايا في جميع الجهات القضائية بحسب اختصاصاتها وما تتميز به عن بعضها، والأمل معقود في مشروع الملك عبدالله لتطوير مرفق القضاء، فبه نأمل أن تمتد يد الإصلاحات الإجرائية إلى جميع المهام القضائية، وأن يصل التطوير في المباني ومرافقها وتجهيزاتها إلى جميع المحاكم، وأهم من كل ذلك تطوير قدرات القضاة وأعوانهم بتكثيف البرامج التدريبية المتخصصة.
واسطة العقد
من واقع تجربتك في القضاء ما مدى الحاجة إلى إنشاء محكمة دستورية ضمن نظام القضاء السعودي؟
إن المحكمة الدستورية -بالنسبة للسلطة القضائية- درة تاجها وواسطة عقدها، وهي أعلى هيئة قضائية في جميع دول العالم، وليست درجةً عليا من درجات التقاضي؛ فهي لا تُعنى بنظر القضايا السابق الحكم فيها لدى المحاكم الابتدائية والاستئناف، كما أنها ليست جهةَ تدقيقٍ لما يصدر من المحاكم العليا أو محاكم النقض.
والهدف من إنشاء المحاكم الدستورية في دول العالم يتلخص في الآتي: أولًا: دعم توجه الدولة إلى تيسير وحماية كافة الحقوق لأفراد المجتمع مواطنين، ومقيمين، وزائرين؛ بحيث لا يُنتهك أيٌ منها بما يخالف النظام الأساس للحكم أو ما يسمى «الدستور»، وثانيًا: مساعدة الجهات ذات العلاقة بتلك الحقوق في توضيح أيِّ غموضٍ يكتنف ما لديها من تعليمات وأنظمة؛ وإزالة كل ما يعترض طريق أي دائرة حكومية نحو تحقيق مصالح العامة، و ثالثًا: مما نصت عليه بعض النظم الخاصة بالمحاكم الدستورية: أن للحكومة الاستعانة بالمحكمة في إجازة النظم والقوانين الجديدة قبل اعتمادها ؛ حتى لا تفاجأ الحكومات بإلغاء قوانينها لعدم توافقها مع الدستور العام، فينشأ من تطبيقاتها المعيبة مسؤوليات تعويضية قد ترهق كاهلها؛ خصوصًا مع ضعف تأهيل الجهات التشريعية والتنظيمية فيها، ورابعًا: مما نصت عليه بعض النظم الخاصة بالمحاكم الدستورية أن من مهام المحكمة البت في دعاوى المخالفات والطعون الانتخابية لأعضاء السلطة التشريعية؛ كمجالس الشعب والأمة والبرلمانات.
وهذه الأمور تعزز القول بأن إحداث المحكمة الدستورية من أهم الأمور التي ينبغي العناية بها من الجهة التنظيمية في بلادنا، فهي من الضرورات لدى جميع الأمم، ولن نكون في غنى عن مثلها، ومن العيب أن يسبقنا إلى إحداثها ثلاث عشرة دولة عربية؛ منها دول متقدمة في الجانب القانوني، ودول أقل توجهًا في هذا الجانب، وهذه المجموعة الرائدة هي جميع الدول العربية في قارة أفريقيا، إضافة إلى دولتي لبنان وفلسطين من بلاد الشام، والعراق والكويت والبحرين من دول الخليج العربي، وبلاد اليمن السعيد، وليس من بين هذه الدول من هو في مثل قدرات المملكة العربية السعودية المادية، ولا كلها في مثل إمكاناتها البشرية والعلمية.
ترف قضائي
ما أسباب التأخير في الأخذ بنظام المحكمة الدستورية في القضاء السعودي إلى الآن بحسب رأيك؟
كانت المحاكم الدستورية أول أمرها من أنواع الترف القضائي، تستعرض بها الدول المتقدمة على من دونها، فلما أدركت الدول أهمية هذا الاختصاص في ضبط مصالح الرعية سارعت تباعًا إلى إعداد الكفاءات اللازمة للاضطلاع بتلك المهمة الخطيرة، ووفرت لهم الإمكانات المطلوبة لتسهيل مهماتهم، وعملت على تطوير قدراتهم؛ ليسايروا بهم الركب الأممي فيما يعزز استقرار دولهم بترسيخ العدالة بشكل متقن.
ونحن اليوم في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله رائد التطوير في جميع مرافق الدولة، ومن ذلك المرفق القضائي، الذي سيشهد -بحول الله- قفزات كبيرة وواثقة في القريب العاجل.
بكس (1)
المحاكم الدستورية تختص بالفصل في دستورية الأنظمة وتفسير نصوص القانونين
ما مدى حماسك لتطبيق نظام المحكمة الدستورية؟ وما اختصاصاتها؟
إن القيادة السياسية لبلادنا طموحة لتحقيق أكبر المكاسب التنظيمية على مستوى العالم، بما يخدم الوطن والمواطن والمقيم في الداخل، وبما يعود بالخير على الأمة الإسلامية وعلى الدين الإسلامي والدعوة إليه في الخارج، وعلى رفع مكانة القضاء الشرعي بين قوانين العالم المتحضر، ومن هذا دأبه وديدنه فلن يتأخر عن اللحاق بركب الحضارات في تحقيق مبادئ العدالة الإلهية، ولذلك فأنا واثق من رؤية المحكمة الدستورية السعودية واقعًا مشاهدًا في المستقبل القريب بإذن الله تعالى.
والمحاكم الدستورية في العالم تختص دون غيرها من جهات التقاضي بالنظر في الأمور التالية: أولًا: الفصل في دستورية القوانين والأنظمة التي يُقدح فيها بمخالفتها الدستور العام للدولة أو النظام الأساس للحكم، ومن حقها الرقابة على جميع الأنظمة والقوانين واللوائح، وجزءٌ من هذا التخصص داخل في اختصاص المحكمة العليا السعودية بنص المادة (11) من نظام القضاء، وثانيًا: تفسير النصوص القانونية عند الاختلاف فيما تعنيه، أو فيما يدخل فيها، أو ما يخرج عنها؛ لما قد يعتري تلك النصوص من غموضٍ أثناء التطبيق من أي مصلحة حكومية؛ بحكم اختصار صياغة تلك النصوص وعموم دلالتها؛ خصوصًا ما يتعرض منها لحقوق وواجبات واختصاصات سلطات الدولة الثلاث (القضائية، التنفيذية، التشريعية)، وثالثًا: الفصل في مسائل تنازع وتدافع الاختصاص بين الجهات القضائية والإدارية ذات الاختصاص القضائي، وكذا الفصل في النزاع بشأن تنفيذ الأحكام والقرارات المتعارضة تعارضًا لا مجال معه للجمع بين مدلولاتها، وهذا الاختصاص مسندٌ -في بلادنا- لِلجنةٍ في المجلس الأعلى للقضاء ؛ بحكم المادة (27) من نظام القضاء.
ومن المناسب أن تشرف المحكمة الدستورية على إعداد أو تدقيق القانون السعودي عند الموافقة عليه من القيادة العليا، ومتى اكتمل عقد المحكمة الدستورية السعودية فيحسن أن يوكل إليها -إضافة إلى ما تقدم- إجازة المبادئ القضائية الموكولة إلى المحكمة العليا بحسب المادة (12) من نظام القضاء؛ لمناسبتها لمهام المحاكم الدستورية؛ بحكم اختصاصها بالفصل في سلامة القوانين والأنظمة؛ ولأن المبادئ القضائية المعتمدة في الفصل في القضايا أقرب ما تكون إلى القوانين، واختزال هذا الاختصاص من المحكمة العليا وكذا سابقه من المجلس الأعلى للقضاء إنما هو من باب الجمع بين المتماثلات، ولتفريغ تلكما الجهتين مما يُعيِيهِمَا احتماله من بين الاختصاصات المناطة بهما، وإن محكمة تجمع في اختصاصها كل هذه المهام الجليلة لخليقة بأن تكون المحكمة الدستورية الأولى في العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.