جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    1.6 ألف ترخيص ترفيهي بالربع الأول    الطاقة النظيفة مجال جديد للتعاون مع أمريكا    السعودية والأمريكية    «الأقنعة السوداء»    العيسى والحسني يحتفلان بزواج أدهم    احذر أن ينكسر قلبك    5 مخاطر صحية لمكملات البروتين    تقنية تخترق أفكار الناس وتكشفها بدقة عالية !    إلتقاء سفيرة خادم الحرمين الشريفين بطلبة المنتخب السعودي في آيسف.    فتياتنا من ذهب    حلول سعودية في قمة التحديات    تضخم البروستات.. من أهم أسباب كثرة التبول    بريد القراء    الرائد يتغلب على الوحدة في الوقت القاتل ويبتعد عن شبح الهبوط    ابنة الأحساء.. حولت الرفض إلى فرص عالمية    الاستشارة النفسية عن بعد لا تناسب جميع الحالات    ولي العهد يلتقي الأمين العام للأمم المتحدة وملك الأردن والرئيس السوري    هتان السيف.. تكتب التاريخ في الفنون القتالية    مستقبل الحقبة الخضراء    الإطاحة بوافد مصري بتأشيرة زيارة لترويجه حملة حج وهمية وادعاء توفير سكن    مدير عام مكتب سمو أمير منطقة عسير ينال الدكتوراة    رئيس موريتانيا يزور المسجد النبوي    الدراسة في زمن الحرب    الشريك الأدبي وتعزيز الهوية    التعليم في المملكة.. اختصار الزمن    صالح بن غصون.. العِلم والتواضع        76 مليون نازح في نهاية 2023    فصّل ملابسك وأنت في بيتك    WhatsApp يحصل على مظهر مشرق    حراك شامل    فوائد صحية للفلفل الأسود    ايش هذه «اللكاعه» ؟!    خطر الوجود الغربي    العام والخاص.. ذَنْبَك على جنبك    حق الدول في استخدام الفضاء الخارجي    كلنا مستهدفون    أثقل الناس    تحولات التعليم.. ما الذي يتطلب الأمر فعله ؟    لماذا يجب تجريم خطاب كراهية النساء ؟    الاتحاد يتعثر من جديد بتعادل أمام الخليج    المسابقات تعدل توقيت انطلاق عدد من مباريات دوري روشن    بتوجيه ولي العهد.. مراعاة أوقات الصلوات في جدولة المباريات    البنيان يشارك طلاب ثانوية الفيصل يومًا دراسيًا    أمير القصيم يرفع «عقاله» للخريجين ويسلم «بشت» التخرج لذوي طالب متوفى    النفط يرتفع والذهب يلمع    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    بمشاركة السعودية.. «الحياد الصفري للمنتجين»: ملتزمون بالتحول العادل في الطاقة    أمطار على أجزاء من 6 مناطق    صفُّ الواهمين    أمير تبوك يطلع على نسب إنجاز مبنى مجلس المنطقة    سقيا الحاج    السفير الإيراني يزور «الرياض»    أمين العسيري يحتفل بزفاف نجله عبد المجيد    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    رحالة فرنسي يقطع ثمانية آلاف كلم مشياً على الأقدام لأداء مناسك الحج    رعاية ضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مئة عام من تاريخ الحركة التشكيلية المصرية . تجريدية خاصة تحتفل بالانسان والحياة ونحت مسكون بالهاجس الفرعوني
نشر في الحياة يوم 16 - 09 - 1996

مع انتهاء هذا القرن تحتفل مصر بمرور مئة عام على دخول الفن التشكيلي الحديث اليها، مع الفنانين الاوروبيين الذين جاؤوا الى ميناء الاسكندرية ومدينة القاهرة. وسرعان ما فتح هؤلاء بيوتهم ومراسمهم لفنانين مصريين شبان اخذوا يرسمون لوحتهم فوق مساحة من القماش مشدودة على حامل خشبي، مستخدمين ألواناً من الزيت. فمصر التي سبقت العالم كله في الفنون البصرية ايام الفراعنة، عرفت انقطاعاً استغرق قروناً بين تراثها التشكيلي القديم وفنونها الحديثة. الا ان هذا التراث نفسه كان عاملاً اساسياً في التطور المذهل الذي شهدته الفنون الحديثة خلال القرن العشرين، حتى باتت من اكثر المجالات الابداعية تميزاً وتقدماً. ولعل الوقت حان للقيام بنوع من المراجعة التأريخية - النقدية، لهذه الحركة المزدهرة بمختلف فروعها، مستعرضين صيرورتها وملامحها وعلاماتها ورموزها وأبرز وجوهها وفنانيها وأهم اتجاهاتها ومكوناتها... ونواصل في هذه الحلقة تناول التصوير.
في طريق التعبيرية المصرية بشعابها المختلفة، نجد طابوراً طويلاً من المصورين الذين حاولوا إبداع لوحة تتميز بسمات مصرية، سواء على مستوى الشكل او الموضوع المصور.
فهناك فرع يمثله منذ اواخر الستينات زهران سلامة، وعز الدين نجيب. في لوحات زهران سلامة 1939 الفن رسالة ذات مضمون اجتماعي، يريدها ان تصل الى مشاهديه. لذلك فهو يستمد مادته ومواضيعه من الاحياء الشعبية، ومن مشاهد الحياة اليومية للصيادين والعمال. ومن الطبيعي والحالة هذه ان يهتم في لوحته بتماسك الشكل والبناء الفني وصلابته.
واختار عز الدين نجيب 1940 اتجاه التعبيرية الاشتراكية. وارتبطت لوحته بالشعب، بالعمل الجماعي، بالانجاز الاجتماعي، بلا إبهار شكلي او حتى محاولة للابهار. فهو يعبر عن مشاعر الانسان في لحظات القلق، والطبيعة احياناً في لحظات الخصب والعطاء. وولعه بالبيئة المصرية خصوصاً تلك المناطق غير المطروقة في اعمال الفنانين مثل الوادي الجديد وسيناء، دفعه الى الانتقال من "الطبيعة الصامتة" الى "طبيعة منتظرة". ليس الصمت أصماً، أو ميتاً، في لوحاته... فالبيوت وحواريها وأراضيها تترقب من يأتي ليحركها، وربما غيّر هذا الآتي كل شيء.
تأكيد الشخصية الوطنية
والطبيعة المصرية، نجدها ايضاً، بتنويعات ومقاربات متعددة، لدى سيد البيباني، وسراج عبدالرحمن، وعادل ثابت، وسامح البناني، وعبد الفتاح بدري. تخصص سيد البيباني 1942 في تصوير الاحياء الشعبية في القاهرة القديمة، مكثراً من استعمال المشربيات والمآذن، معتمداً في لوحته الحركة التي تعطي الحياة في محلات العطارة والتوابل. اما سراج عبد الرحمن 1943 فيتجه الى الريف المصري ويصور مناظره الطبيعية فيه. وهو حريص على تحقيق الاحساس بكثافة الهواء الذي يفصل بين المشاهد والعناصر المصورة بحس شاعري واضح.
ويجمع سامح البناني 1945 بين سيد البيباني وسراج عبد الرحمن. فهو صوّر الاحياء الشعبية القاهرية القديمة، وصور الريف المصري المميز، سائراً على نهج والده حسني البناني احد رواد المناظر الطبيعية في مصر. استخدم الابن الألوان القوية، وعمد الى تجسيم الاشكال بمتابعة الضوء المسلط عليها. وفي مرحلة لاحقة بدأ تغليف هذه المشاهد بخطوط متقاطعة، كأنه يكشف ارضية اللوحة بألوانها الفاتحة، فتبدو الاشكال من خلال شبكة رقيقة تجعلها غير محددة التفاصيل، ولكنها تبعث على البهجة.
وصوّر عبد الفتاح البدري 1949 كسامح البناني الطبيعتين: الشعبية والريفية، لكن من منظور عين الطائر، بألوان بسيطة تتناسب تماماً مع مواضيعه، معبراً بالفعل عن الطبيعة المصرية التي يصورها. كما اضاف البدري الحركة الى الطبيعة، فصور لاعبي "التحطيب" رقصة العصا التقليدية، ورقص الخيول... ومع عادل ثابت 1943 نعود الى الطبيعة الصامتة، المختلفة التي يختار الفنان مفرداتها من عالم الفنون الشعبية، ويعبر عنها بصياغات زخرفية يرسمها ببساطة مع تسطيح الاشكال، فتأتي لوحاته طريفة ومتميزة.
ولعل سيد سعد الدين 1944، احد ابرز التعبيريين الذين ساروا في اتجاه تأييد الشخصية المصرية للوحة، هو خليفة بيكار وسيد عبد الرسول معاً. صور سعد الدين مفردات من الحياة المصرية المتميزة مثل مواكب المتصوفين، ولاعبي التحطيب، كما صور الحيوانات الأليفة مازجاً تقاليد الرسم الفرعوني الذي يُظهر الحيوانات ساكنة في تكوينات متماسكة ليس فيها بُعد ثالث، بتقاليد الرسم التكعيبي الحديث. وتبدو هذه الاستفادة وذاك المزج الثنائي بين سمات التصوير المصري القديم ومعطيات التصوير الاوروبي الحديث، عنصراً ملازماً للوحاته. بل ويستفيد من فنون العمارة والنحت ببعض خواصها، هاضماً كل هذا في شخصيته المستقلة.
ولا بد هنا من التوقف عند فنانين تعبيريين هما ناجي باسيليوس 1949 ورضا عبد السلام. اهتم الأول بمناظر المدن والبيوت، ثم انطلق الى الجسد الانساني في لوحات تعبيرية على درجة عالية من التقنية والتعبير معاً. في البداية، تميز باسيليوس بلوحاته المرسومة بدرجات الأسود والرماديات والحبر الصيني. وفي اعماله الزيتية القائمة على التقشف اللوني، يبرز التجسيم والعمق ويتجاوز الاحساس بالاتزان وبكتلة العناصر اهتمامه بتلوينها.
اما رضا عبد السلام فيعتمد على الخط اساساً في تشكيل لوحته. من الخط تبدأ والى الخط تعود لوحته، حتى حين يختار الألوان الزيتية، فيطوع العجائن السميكة لتقود حدودها حركة التشكيل الخطي. وشخوصه معظمها مجرد، تعبر عن مشاعر عامة، لكنه استطاع ان يظل بين زملائه على حدة.
وقبل ان نغادر السبعينات، نسجل الظاهرة الجميلة التي لمعت فيها ثلاث فنانات أتين جميعاً من خارج الاكاديمية، على رغم دراساتهن الحرة - في معاهد فنية، او في مراسم بعض الفنانين - فتميزت اعمالهن بالصدق والعفوية والبهجة والتوهج الاهتمام بالضوء. نعني وسام فهمي ونازلي مدور وإزميرالدا حداد.
سحرت الطبيعة وسام فهمي، واهتمت بمنازل الناس فرحلت وراءها الى اليونان واسبانيا والمغرب... مازجة التأثيرية بفطريتها وحسها اللوني القوي. اما نازلي مدكور فاهتمت بالطبيعة الريفية والصحراوية، لكنها حققت مسافة نقدية واستخدمت اساليب حديثة. لذا جاءت لوحتها مطعمة بالخيال، في اطار من الاناقة الارستقراطية. وعبّرت إزميرالدا حداد عن اماكنها وكائناتها المفضلة: البحر والخيوط بأسلوب اقرب الى رسوم الاطفال. وبالروح نفسها جربت استخدام خامات غريبة، وخلق علاقات جمالية وشكلية جديدة بروح مغامرة.
تجريدية مصرية؟
وكان لا بد من انتظار الثمانينات كي تتسع رقعة السوريالية مع بروز ثلاثة مصورين جددوا حيوية هذا الاتجاه: يسري حسن ومحسن حمزة والسيد القماش.
يسري حسن 1950 استفاد من دراسته على يدي اكاديمي كبير هو حسن سليمان، في ضبط تكوين اللوحة وتوازنها، لكنه انطلق يعبر عن عالم الاحلام ورؤى اللاوعي. بينما عبر محسن حمزة 1950 عن سورياليته بالغموض، وتحوير العناصر حتى تبدو آتية من كواكب اخرى، فتتناثر متوهجة بالضوء. اما السيد القماش 1951 فأضاف المزيد من الدهشة السوريالية، عبر عناصر اخرى كالمسامير والمفصلات والترابيس وأحياناً الطيور. يصور لوحاته من مسقط رأس او منظور أعلى، كأنه يطل على اشكاله من فوق، ويرسم معظمها بخطوط سوداء، وقليل من الألوان المائية. فينتج عن كل ذلك نسق غير مألوف وغير متوقع.
ويقف محمد عبلة 1953 بالقرب من هذا العالم، لكن من دون دخول السوريالية. فهو احد الفنانين الذين يقفزون من فوق الاتجاهات، إلا اذا اعتبرنا ان الاطار العريض الذي يتحرك فيه هو ابداع حكايات رمزية، تشخيصية، على مساحات تجريدية. وهذه ميزة فنه الاساسية: التمرد على الاستقرار النمطي، وخلق كائنات وحوارات متجددة باستمرار في كل لوحة، مع تمكن اكاديمي من فنه في الآن نفسه.
اما صلاح عناني 1955 فنجح في تأكيد شخصيته وأسلوبه، مصوراً بذكاء رؤيته للحياة الشعبية وعلاقاتها ومشاعرها. ويعتمد في ذلك الخطوط السميكة والملاح المؤكدة وفي اطار مجموعة لونية تسيطر عليها درجات البني والازرق، وبحس كاريكاتوري يبرز السمات الاساسية في كل شخصية، مركزاً على ادوات الحياة اليومية كالدراجة او السرير او منضدة الطعام. ولوحة عناني التي يمكن اعتبارها فولكلوراً للتصوير المصري الحديث، نجحت في جذب فئات مختلفة من المشاهدين.
وهناك فنانة اخرى، هي سلمى عبد العزيز، لجأت الى تصوير احياء القاهرة الشعبية. ولكنها تعاملت معها كأماكن تفضي الى استخلاص علاقات تشكيلية جديدة، عبر المعدلات اللونية والمساحات الهندسية. هكذا تتداخل المناطق السكنية، في لوحتها، مع الخرائب والمنحدرات المتربة، لتبدو كتلاً متلاصقة ومتداخلة في مساحات كبيرة من الفراغ، تزيد الاحساس بالتناقض بين زحام الكتل وفراغ السطح.
وفي طريق تجريدية الثمانينات برز محمود عبد العاطي 1950 الذي عرف بتجربته المتميزة في مجال "الفن البصري". استخدم هذا الفنان المشربية التي يتسرب من فتحاتها الضوء و "المفروكة" التي تكسو الابواب والمنابر والحيطان في المساجد، وهي تتجاور في إيقاع متصل بشكلها النجمي اللولبي. وصوّر تشكيلات هندسية عدة ترتفع فوق سطح اللوحة وتلونها انعكاسات الضوء. ويستفيد عبد العاطي من انجازات الفنون الغربية الحديثة في إبداع لوحة تعتمد على موضوع عربي اسلامي. فكما حاول بعضهم ابداع اتجاهات تعبيرية ورمزية وميتافيزيقية مصرية، حاول آخرون - بينهم محمود عبد العاطي - ابداع اتجاه تجريدي مصري قائم بذاته.
وفي تجريدية الثمانينات، برز ايضاً عادل السيوي 1951 الذي اتجه الى التجريد المطلق. فهو دائم التجريب، يتابع اساليب التصوير المعاصر، ويسقط الألوان على لوحاته بعفوية مفعمة بشحنات تعبيرية قوية.
النحت الحديث
ومع صلاح عبد الكريم 1925 - 1988 الذي برز في الخمسينات، ننتقل الى النحت المصري الحديث من خلال احد ابرز رواده: اذا كان مختار بدأ مسيرة الفن الحديث، فإن صلاح عبد الكريم قام بتجديدها.
استخدم صلاح عبد الكريم خامة لم تستخدم في مصر من قبل، وهي الحديد الخردة. بخياله وقدراته المتمكنة، ابدع تماثيل ضخمة من هذه الخامة، جمع فيها عناصر متناثرة ومتنافرة في وحدة محكمة شكلاً ومضموناً. واستطاع بهذه الخامة ان يصور في نحته دقائق وتفاصيل الجسد، جاعلاً هذا الجسد يتحرك بقوة امامنا. وكان جريئاً في استخدامه، الى جانب الحديد، ادوات من الحياة اليومية، شاحناً اعماله بقوة تعبيرية مدهشة، حتى قيل انه جعل الحديد يحس؟
جمال السجيني 1917 - 1977 علامة اخرى من علامات حركة النحت الحديث في مصر. تجد في اعماله هضماً كاملاً للنحت الفرعوني والفنون الاسلامية والشعبية، وصولاً الى مدارس النحت الغربي الحديث. واستفاد من خبراته في التصوير والرسم والطرق على النحاس والخزف، فاذا به فنان شامل انعكس تعدد اهتماماته على اسلوبه في النحت. فهو احياناً كلاسيكي، وأحياناً تعبيري او رمزي او مزخرف. لكنه في كل الحالات يميل الى الحركة، ومنحوتته حافلة بعناصر متعددة في تكوين معماري تتنفس فيه الكتل داخل فراغاتها. والسجيني هو رائد الطرق علي النحاس في مصر، لكنه ظل كلاسيكياً في هذا المجال الحديث، حريصاً على القواعد الاكاديمية، صريحاً في تعبيرات شخوصه وأشكاله.
وواصل محمد رزق 1937 - وهو غير محمد رزق المصور - فن الطرق على النحاس بتجديد وتمكن، حتى اصبح من ابرز اعلامه المعاصرين في مصر. بخامات اخرى استطاع هذا الفنان ان ينقل اللوحة من الارضية القماشية الى ارضية نحاسية. ونجح في تطويع النحاس للتعبير الفني، مجسداً عليه تدرجات الضوء والظل. ولم يقتصر عمله على اسلوب واحد، بل جرب في النحاس اساليب متعددة تعبيرية وتجريدية وفرعونية واسلامية وتكعيبية وغيرها. وفي كل اعماله كان احتفاؤه الاول بالإنسان وبالحياة.
فنان على حدة
في تاريخ النحت الحديث يقف عبد البديع عبد الحي 1916 على حدة. فهو اولاً فنان تلقائي لم يتلق اي تعليم اكاديمي. وله يعود الفضل في اعادة النحت المصري الى تقاليده الفرعونية التي تعلم منها نحاتو العالم كله. ومن هذه التقاليد مثلاً النحت على الغرانيت، وهو أصعب الاحجار. غير ان عبد الحي لم يقلد الفن الفرعوني، بل اطلق لخياله العنان، ولم يلتفت الى اي مدرسة نحتية.
اما آدم حنين 1929، فهو احد الفنانين القلائل الذين احبوا الحجر وأخلصوا له مثل محمود موسى وعبد البديع عبد الحي. لكن آدم مشبع بالتراث الفرعوني، حتى عندما يصوّر. فهو انفرد باستعمال ألوان الاكاسيد الطبيعية للتصوير على ورق البردي. ووصل آدم بالنحت المصري الحديث الى العالمية، بفضل تخليصه المؤثر للمنحوتات والموسيقى الخارجة منها. له مراحل اولى في التشخيص مع الانسان والطيور، في كلاهما شموخ ورشاقة. وله مراحل تالية في كتل تجريدية، ذات تماسك مهيب وانسجام. وهو استاذ في علاقة الكتلة بالفراغ، يحسبها بدقة متناهية فلا يخطئ الحساب. وله مراحل حديثة في تكوينات برونزية وهي اكثر مراحله ابداعاً وتحليقاً وتجلياً.
في الستينات قام صبري ناشد 1938 بالخطوات الحاسمة الاولى في مسيرته كنحات حديث. وفي كل المراحل الفنية التي مر بها تمتع بحس مرن، يستطيع ان يلتقط متطلبات العمل الفني في ذاته، ويطوع خامة الخشب التي تميز بها، لهذه المتطلبات. يبدو الخشب في يد ناشد كالعجينة. وتتميز منحوتاته باكتمال النسب الفنية في تركيز وثبات وتنوع مستمر في الكتل، ودقة في حساب العلاقة بين الكتلة والفراغ. وتبرز اكثر منحوتاته مساحات التجريد التي اجاد نحتها وابداعها انطلاقاً من تشخيص كائناته المختارة.
بينما تميز فاروق ابراهيم 1937 بمهارة في نحت التماثيل الشخصية التي تجمع بين واقعية الاسلوب وقوة التعبير عن الاعماق النفسية. وفي الوقت نفسه جرب النحت التجريدي مع محافظته على الجوانب الموضوعية فيه. وكان من أوائل النحاتين المصريين الذين استخدموا خامات غير نحتية في النحت كالفخار والبوليستر.
ولم يتخلص عبد الهادي الوشاحي 1936 من "عقدة" السوريالية التي يرفض ان يُصنّف في خانتها، والتي لا يريد في الوقت نفسه ان يبتعد عنها. فهو يبدع باستمرار شخوصاً غير كاملة التحول ميتامورفوز ويجيد تحطيم نسبها وخلق تحويرات فجائية فيها. الوشاحي جريء في تكويناته، حي في ادائه، لا يطيق صمت النحت ولا سكونه، يستفيد من تراث التكعيبية للخروج عليها علناً.
وقبل ان نغادر الستينات لا بد من ذكر المثّالين عبد الحميد الدواخلي وحسن خليفة. الدواخلي 1940 - 1991 اشتهر بمعالجته التعبيرية لتماثيل الحيوانات الأليفة التي استفاد في نحتها من تقنيات الفنون الاسلامية، خصوصاً في اقواس وثنيات العمارة. كما اجاد حسن خليفة 1940 التعبير عن حركات الجسم الانساني وما في داخله من حالات نفسية وشحنات عاطفية، وذلك في أداء تنفيذي دقيق.
طابع درامي
في السبعينات برزت اسماء جديدة لنحاتين متميزين، منهم عبد المجيد الفقي ومحمد العلاوي وجمال عبد الحليم وعلي حبيش كوّن هؤلاء جماعة "فجر" التي كانت قصيرة العمر، وكذلك غالب خاطر وعبد العزيز صعب وعبد المنعم محمد ومحمد سيد توفيق. حاول الفقي 1945 ان يقيم توازناً مريحاً بين الاسلوب الاكاديمي وملامح المنحوتة الفرعونية. الخطوط الخارجية لتماثيله غير حادة، تسودها الاقواس والانحناءات التي تؤكد الترابط بين اجزاء العمل، حتى حين يتألف من عناصر عدة.
وبينما احتل الانسان عند الفقي موقعاً محورياً، نراه اختفى عند جمال عبد الحليم 1947 في أبنيته المعمارية الصارمة المستلهمة من الطابع الهندسي للمنحوتة الفرعونية. انصرف عبد الحليم بكتله الى مشارف التجريد، مع ميل الى الحركة التي تحققت عبر سقوط الضوء وانكسار الظل على المسطحات "المكعبة" الحادة كما يقول الناقد محمود بقشيش في كتابه "النحت المصري الحديث". ويرى بقشيش ان علي حبيش 1948 يقف موقفاً مناقضاً لبقية زملائه، من حيث الميل الى طابع فطري يتسم بالخشونة. غير انه اتجه بكل هذا الى التعبير عن قضايا اجتماعية وسياسية وقائعية. فهو نادراً ما يعالج مواضيع مجردة في تماثيله الخشبية المعبرة.
ويطالعنا محمد العلاوي 1947 بثنائية رمزية ثابتة: الانسان والحاجز. انسانه ثابت الملامح، بينما تتغير صور الحواجز منتحلة غالباً صوراً ايحائية للقاهر المتسلط. وقد يظهر الحاجز في شكل طائر ينقض على فريسة بشرية. وتتسم عروض العلاوي النحتية بطابع مسرحي درامي بأسلوب بنائي محكم التكوين، وتتميز منحوتاته بملمس صخري مع تغليب الخطوط الرأسية والأفقية.
ويبرز عبد المنعم محمد 1942 كأكثر الفنانين حماسة للنحت الفراغي الذي لا يلتزم بكتلة بل يجيد التعبير عن الحركات العنيفة القافزة او المندفعة، محققاً الاحساس بخفة الكتلة وتحررها. وعبد العزيز صعب 1946 من المتميزين في فن نحت الوجوه بورتريه، ينجح في شحن الوجه بطاقة تعبيرية، متحكماً في الكتلة وما يخلقه فيها من ظلال وتناغم بين مستويات السطح.
محمد سيد توفيق 1941 بدأ بأسلوب متفرد يجسد المأساة في كتلة متماسكة، فتبدو الاجساد حولها كنحت بارز، على رغم استدارتها الكاملة. ثم تميز عندما اتجه الى خامة الخشب في تماثيله وتلاعب بألوان الألياف بوعي وتمكن.
اما غالب خطر فواصل نهج صلاح عبد الكريم في استخدام الحديد الخردة. لكن لم يكتف به بل اضاف اليه خامات متناقضة كالزجاج والنحاس. وعلى الرغم من عمره النحتي القصير، فهو لم يقلد صلاح عبد الكريم، بل اهتم بأشكال هندسية مستخدماً أدوات جديدة مثل الموتور في صلب التكوين النحتي، كما استفاد من اشكال هذه الأدوات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.