حلول سعودية في قمة التحديات    فتياتنا من ذهب    تضخم البروستات.. من أهم أسباب كثرة التبول    بريد القراء    الرائد يتغلب على الوحدة في الوقت القاتل ويبتعد عن شبح الهبوط    مستقبل الحقبة الخضراء    حراك شامل    الدراسة في زمن الحرب    76 مليون نازح في نهاية 2023    فصّل ملابسك وأنت في بيتك    WhatsApp يحصل على مظهر مشرق    تركي بن طلال يرعى حفل تخريج 11 ألف طالب وطالبة من جامعة الملك خالد    رئيس موريتانيا يزور المسجد النبوي    ولي العهد يلتقي الأمين العام للأمم المتحدة وملك الأردن والرئيس السوري    هتان السيف.. تكتب التاريخ في الفنون القتالية    الإطاحة بوافد مصري بتأشيرة زيارة لترويجه حملة حج وهمية وادعاء توفير سكن    مدير عام مكتب سمو أمير منطقة عسير ينال الدكتوراة    الشريك الأدبي وتعزيز الهوية    التعليم في المملكة.. اختصار الزمن    صالح بن غصون.. العِلم والتواضع        ابنة الأحساء.. حولت الرفض إلى فرص عالمية    الاستشارة النفسية عن بعد لا تناسب جميع الحالات    فوائد صحية للفلفل الأسود    لماذا يجب تجريم خطاب كراهية النساء ؟    أثقل الناس    ايش هذه «اللكاعه» ؟!    خطر الوجود الغربي    العام والخاص.. ذَنْبَك على جنبك    تحولات التعليم.. ما الذي يتطلب الأمر فعله ؟    حق الدول في استخدام الفضاء الخارجي    كلنا مستهدفون    الهلال ينتصر ودربه «سالم» أمام النصر    المسابقات تعدل توقيت انطلاق عدد من مباريات دوري روشن    الاتحاد يتعثر من جديد بتعادل أمام الخليج    بتوجيه ولي العهد.. مراعاة أوقات الصلوات في جدولة المباريات    البنيان يشارك طلاب ثانوية الفيصل يومًا دراسيًا    البدر يضيء قاعة المركز الحضاري ببريدة    رئاسة السعودية للقمة العربية 32.. قرارات حاسمة لحل قضايا الأمة ودعم السلام    أمير القصيم يرفع «عقاله» للخريجين ويسلم «بشت» التخرج لذوي طالب متوفى    النفط يرتفع والذهب يلمع    وقاية.. تقصّي الأمراض الخطرة وإعداد خطط الطوارئ    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    بمشاركة السعودية.. «الحياد الصفري للمنتجين»: ملتزمون بالتحول العادل في الطاقة    "الخطيب": السياحة عموداً رئيسيّاً في رؤية 2030    أمطار على أجزاء من 6 مناطق    أمير تبوك يطلع على نسب إنجاز مبنى مجلس المنطقة    افتتاح منتدى «كايسيد» للحوار العالمي في لشبونة    برعاية ولي العهد.. انطلاق الملتقى العربي لمكافحة الفساد والتحريات المالية    صفُّ الواهمين    «الصحة» تدعو حجاج الداخل لاستكمال جرعات التطعيمات    رعاية ضيوف الرحمن    سقيا الحاج    أمين العسيري يحتفل بزفاف نجله عبد المجيد    تعزيز التعاون العدلي مع فرنسا وأستراليا    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    معرض"سيريدو العقاري"أحدث المشاريع السكنية للمواطنين    رحالة فرنسي يقطع ثمانية آلاف كلم مشياً على الأقدام لأداء مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسامة الباز لپ"الوسط": مهتمون تماماً بمصير الكيخيا واختفاؤه مساس بالأمن المصري القومي
نشر في الحياة يوم 08 - 05 - 1995

وصف الدكتور أسامة الباز مدير مكتب الرئيس المصري للشؤون السياسية والوكيل الأول لوزارة الخارجية المصرية دعوة رئيس وزراء اسرائيل الى إقامة دولة فلسطينية في غزة بأنها "مهزلة"، واتهم شخصيات غربية وأميركية بپ"الدأب على النصب على النظام في ليبيا، واقناعه بإمكان التخلص من الجزاءات المفروضة عليه، مقابل مبالغ مالية" كما اتهمها بأنها وراء الحملة الاعلامية الاميركية على مصر.
وأكد الباز في حديث لپ"الوسط" اهتمام مصر بكشف مصير المعارض الليبي منصور الكيخيا، لأن اختفاءه من مصر "مساس بالأمن القومي المصري". ووصف سياسة الاحتواء المزدوج الاميركية تجاه ايران والعراق، بأنها غير واضحة. ودعا الى ان تكون السوق المقترح إقامتها في الشرق الأوسط نتاج جيل الشباب في المنطقة وليس جيل شمعون بيريز، أو مثله من العرب من أسرى تراكمات الماضي.
وأكد أن موقف بلاده لن يتزحزح بشأن المعاهدة النووية. واستبعد قيام السوق الشرق الأوسطية اذا لم تنضم اسرائيل الى المعاهدة. وقال: "اسرائيل تتحدث عن التطبيع و كأنه إلتزام عربي".
وطالب الباز ان "يُجزى الفلسطينيون جزاءً حسنا" لأسباب كثيرة من بينها "عدم المطالبة بالعودة الى قرار التقسيم". وعن العلاقات مع الولايات المتحدة قال: "لا نفكر في رابطة تجمعنا مثل الرابطة التي تجمع أميركا واسرائيل"، وأضاف: "لن نطير على بساط علاء الدين الى الاطلنطي ولن تكون أميركا دولة عربية".
وفيما يلي نص الحديث:
هل عدم رضا الولايات المتحدة عن السياسة الخارجية التي انتهجتها مصر تجاه ليبيا، سبب للحملات الاعلامية الاميركية المستمرة ضدها؟
- هناك بعض الشخصيات الغربية، ومنها شخصيات أميركية، دأبت على النصب على النظام في ليبيا، لإقناعه بأنهم يستطيعون أن يخلصوه من التبعات، والجزاءات المفروضة عليه، وبأن يصلوا الى تسوية، مقابل مبالغ مادية معينة، ومنهم ديبلوماسيون سابقون، ومحامون، وعسكريون متقاعدون، ومسؤولون سابقون. وكل طرف يدعي أنه سيصل إلى حل.
وهذه المجموعة عندما بدأت مصر تدلي بدلوها في هذا الموضوع، قطعت الطريق على هذه الشخصيات النصّابة، فبدأوا أولا يهاجمون مصر، خصوصاً أن الفرخة التي كانت تبيض لهم ذهبا توقفت. ومن جانب آخر، هناك بعض الجماعات المعارضة للنظام الليبي تريد أن تعمل أي شيء، ورغم عدم وجود أنصار لها في ليبيا تحاول أن تبرز فشلها في التغيير وعدم وجود قواعد لها هناك، بأن مصر تحمي النظام في ليبيا. وللأسف أيضا بعض الناس الذين كان يمكن أن يسمون اللوبي الخاص بحادث اختفاء منصور الكيخيا، اعتقدوا أنهم لو شهروا بمصر، فإن مصر ستخشى، وتبتعد عن الموقف، وتخاف، وتختار السلامة.
ونحن لسنا كذلك أبدا. لأن الكيخيا شخصية ليبية محترمة، ونحن نعرفها جيدا، وكان صديقا لمصر، واختفاؤه يعتبر مساسا بالأمن المصري القومي. واهتمامنا بهذا الاختفاء كبير جدا، وإذا استطعنا التوصل الى أي خيط يوصلنا اليه أو لمكان وجوده، فهذا ابسط ما يمكن أن نفعله، خصوصا أننا نهتم بالمحافظة على أمن أي زائر، سواء أكان عربيا، أو غير عربي.
الى جانب ذلك أيضا هناك أفراد في مؤسسات أميركية على مستوى بيروقراطي، يعتقدون أنه يجب عزل ليبيا تماما عن العالم. وهذا غير صحيح، فنحن لا نتلقى الأمر من الخارج. ثم الأهم أن ليبيا دولة عربية شقيقة مجاورة لنا، ولا يمكن أن نعاملها كدولة غريبة أو غير موجودة. قرارات مجلس الامن يجب أن نحترمها، لكن لا يعني ان نخطئ ليبيا او الشعب الليبي، نحن في هذا لن نغير مسلكنا أبدا، والاهداف في هذا الشأن واضحة تماما.
معنى الاحتواء
ما رأيكم في سياسة الاحتواء المزدوج التي تنتهجها الولايات المتحدة حيال العراق وايران، ألا يسبب ذلك استفزازا لمشاعر الشعوب العربية والاسلامية، وعدم استقرار في المنطقة؟
- أولا: سياسة الاحتواء المزدوج ليست تعريفا دقيقا فهل المعنى ان العالم او الولايات المتحدة لا يتعامل مع هذين البلدين ما دام النظام الحاكم فيها، أو طالما بقيت السياسات على ما هي عليه؟ وما معنى عدم التعامل، هل هو عدم تعامل سياسي؟ وهل لذلك انعكاسات على تنمية القدرة العسكرية؟ أم ماذا؟
كل هذه الأمور، أعتقد شخصيا أنها لم تحدد تحديداً دقيقاً، ولم تشترك فيها مؤسسات كثيرة يمكنها أن تبلور سياسة واضحة، فالولايات المتحدة مثلا في الخمسينات، والستينات والسبعينات، كانت تتبع سياسة واضحة ومعينة في الصراع مع الاتحاد السوفياتي، وفي مواجهته.
والمؤلف الاميركي الاصلي للسيناريو مارتن انديك، الذي أضحى سفيرا للولايات المتحدة في اسرائيل، وكان قبل ذلك مساعدا لمستشار شؤون الامن القومي الأميركي. والفكرة العامة ان تقاطع دول العالم ايران والعراق طالما بقي النظام الحاكم فيهما. غير ان معنى المقاطعة غير مفهوم، خصوصا ان عدداً كبيراً من الشركات الغربية يتعامل معهما.
فما معنى الاحتواء إذن؟ وهل روسيا ملزمة بهذه السياسة؟ وهل الولايات المتحدة تفاهمت مع الدول الأخرى حول سياسات هذه الدولة المراد عقابها؟ هل حدث تفاهم بينها وبين حلف شمال الأطلسي أو دول غرب أوروبا قبل إعلانها؟
وعندما نجد دولة مثل روسيا تبيع مفاعلا نوويا لايران، ما هو الموقف الذي لم يتبلور بلورة كافية على الصعيد الفكري المفهوم، ولم يدخل دوائر كثيرة متصلة بصناعة القرار؟ فالمفروض أن تعرض على مجلس الأمن القومي، ووزارة الخارجية، والمخابرات العسكرية، واركان الجيش، ومؤسسات البحث، ثم بعد ذلك تكون هذه السياسة قابلة للتقويم. ولنفرض أنه حدث تغيير في السياسات ونظام الحكم، فهل تظل الدولتان خاضعتين لهذه السياسة؟ وإذا تغير الحكم ولم تتغير السياسات فماذا يحدث؟ في هذا الصدد أقول - وهذا رأيي - إن هذه السياسة لم ولن تعرف تعريفا دقيقا، ولم يحدث تشاور فيها على الصعيد العالمي، لأنه لا يوجد مفهوم موحد يمكن استعماله.
هل النظام الشرق الأوسطي المقترح حاليا سيؤثر على دور مصر الاقليمي في المنطقة؟
- السوق الشرق الأوسطية فكرة ابتدعها وزير الخارجية الاسرائيلي شمعون بيريز، وهو شخصية اسرائيلية معتدلة، تهتم كثيرا بالمستقبل. وهو شخصية حالمة، إذ يفكر في المستقبل على أساس الرؤيا وليست الرؤية. وأنا شخصيا أعتقد أن بيريز، في طرحه هذا، كان حسن النية. وكان يرى أن السوق ستضمن الأمن من أخطار المستقبل.
وبعض الاسرائيليين الذين لا يشاركونه هذه النظرة، وهذا الاسلوب، في التفكير، وليس لديهم وعي كافٍ، اعتقدوا ان اسرائيل يمكن أن تستبدل بالتفوق العسكري القديم تفوقا اقتصاديا، لأنها أذكى وأعرق اقتصاديا، وعندها القدرة على الحركة الاقتصادية، واليهود عموما لديهم مؤسسات مالية وتجارية وبنوك وتمويل، ويستطيعون أن يديروا حركة المال، والتعامل المصرفي في المنطقة، وبهذا يسيطرون على الموقف في المنطقة.
شخصيا أعتقد أن هذه الفكرة لا يصح أن نأخذها كشيء مقدس، أو حتى نأخذ موقفا منها، وأرى في إطار تفكيرنا في المستقبل أننا يجب أن نفكر بعقل مفتوح، وفي كل شيء، نحن نفكر ونطرح أفكارا ونعطي الأولوية أولا للأفكار النابعة من الجانب العربي.
والمفترض أن الاجيال الجديدة هي التي ترسم الطريق نحو المستقبل إذ أن جيل بيريز مثقل بهموم الماضي وتبعاته، وايضا نظيره في المنطقة العربية مثقل بتراكمات الماضي، والعداوات، وعدم القدرة على تخطي الفترات الماضية. والأجيال الشابة هي التي يجب ان تفكر في هذا، وترسم صورة المستقبل. وقبل أي شيء، يجب إيجاد أرضية اقتصادية على الصعيد العربي، قبل التفكير في اقامة مؤسسات هيكلية.
كما يجب أن يكون هناك إيمان، وقناعة راسخة بأن التعاون على الصعيد القومي لا يضر بالاتجاه القطري، وبتحقيق الدول العربية قدراً أكبر من التعاون، والتنسيق والتفاعل، قبل التفكير في نظام اقليمي لا يضم اسرائيل فقط، بل تركيا وايران والدول المتاخمة لنا في أفريقيا.
هل عدم انضمام اسرائيل الى معاهدة الانتشار يهدد قيام سوق شرق أوسطية أو انضمامها إليها؟
- انضمام اسرائيل أو عدم سعيها الى تصفية برنامجها النووي، يجعل الجزء المتعلق بالأمن في الشرق الاوسط غير مستقر، ومن ثم لا نستطيع ان نصل الى صيغة من ناحية الأمن، وهذا ينعكس على جوانب أخرى. ولا يوجد تحرك نحو سوق شرق أوسطية، ولن يكون مطروحا بصفة جدية في المستقبل القريب. ويمكن بعد 25 عاماً أن يعاد اقتراحه ثانية. لكن في الفترة الحالية يمكن ان نحقق تعاونا اقتصاديا، حسب ما تحدده مصالح كل دولة.
مضمونان للسلام
قال شمعون بيريز على هامش مؤتمر الدار البيضاء: إن على العرب ان يتعاملوا مع اسرائيل، فمصر قادتهم الى الهاوية في الخمسينات والستينات... ما تعليقكم؟
- نحن سألناه عن تلك المقولة، لكنه أنكرها، بل العكس قال: إنه توجد دول كبيرة في المنطقة لها تأثيرها، ولا يمكن إغفال دور مصر أو سورية والسعودية والعراق، والمغرب والجزائر. وقال لنا بيريز: إن سياسات المواجهة بين العرب واسرائيل انهكت الطرفين، وهو يريد أن يخرج من هذه الحلقة المفرغة بأن يعيش الجميع بمفهوم جديد، بعيدا عن الماضي. وفكرة تعايش اليهود مع العرب ليست مستحدثة. نحن معتادون عليها. المشكلة اليهودية غريبة علينا، وكنا مندهشين أن تحل في منطقتنا. المهم ما دام اليهود أقاموا دولة مستقلة في المنطقة، فنحن نتعايش معها، وليس لنا اعتراض على وجود يهودي، لأنه لا يشكل خطرا علينا، طالما ان هناك التزاماً وحدوداً. والمهم ان يعرف العرب أن معاهدات السلام التي توقّع بين اليهود والعرب، تعمل شيئا عظيما جدا هو الحد من قدرة اسرائيل على التوسع في المستقبل.
يوصف السلام المصري - الاسرائيلي بأنه سلام بارد، فماذا عن التطبيع؟
- التطبيع عبارة اسرائيلية، فليس هناك في القانون الدولي، أو من ناحية الممارسة شيء اسمه التطبيع، أما الاصطلاح الذي يمكننا الحديث عنه فهو إقامة علاقات السلام.
الاسرائيليون يتحدثون دائما عن التطبيع كما لو كان التزاماً عربياً، بأن تكون العلاقات طبيعية على النحو الذي يعرفونه. له - من وجهة نظرهم - مضمون محدد.
وتعبير السلام وعلاقات السلام له مضمونان، المضمون القانوني، وهو إنهاء حالة الحرب وله مواصفات واشتراطات. والمضمون الآخر إقامة علاقات سلام، مثل تبادل التمثيل الديبلوماسي والتعاون في مجالات معينة وفتح الحدود أمام الطرفين.
إلى أي مدى يحدث هذا التعاون؟ أيخضع للظروف والتطور المناخي بين البلدين والاقليمي في المنطقة؟ بمعنى انه لا يمكن الزام مواطنين من بلدان معينة أن يدخلوا في علاقات مع دولة أخرى، فالمصريون سيذهبون الى اسرائيل عندما يصبح تعامل اسرائيل مع مصر ومع العرب عموما، ومع الفلسطينيين بالذات، على أسس اخلاقية واحترام متبادل. ولا يتوقع ان يتعرض الفلسطينيون للقمع ولا يؤثر هذا على الناس هنا في مصر.
فالمسألة مسألة وقت، والشعب المصري لا يعرف اضطهاداً او كراهية. ونحن وصفنا النزاع مع اسرائيل في إطاره السياقي السليم وهو نزاع سياسي ناشئ عن الاستيلاء على الحقوق العربية، الفلسطينية أولا، ثم العربية. وفور زوال ذلك سنتعايش. وقد عشنا في الماضي مع اليهود، ونستطيع ان نتعايش معهم في المستقبل.
يقال إن مصر تأخذ وضع التشدد في المفاوضات العربية مع اسرائيل وليس في سياستها مرونة...
- ما نطلبه هو ان تتوصل اسرائيل مع الاطراف العربية الى اتفاق سلام، طبقا للمبادئ التي ارتضيناها، والمرجعيات، والسند القانوني الذي اتفق عليه في عملية السلام، لأنه لو لم يتم السلام على أساس هذه المبادئ، فلن يكون هناك سلام مستقر وثابت، بل سلام هش، فلن يقبل طرف عربي أن تقام علاقات سلام واسرائيل محتلة أي جزء من أرضه. لا سورية ولا لبنان ولا نحن. والتمسك بهذه المبادئ، هو الشيء الوحيد الذي لا يجعل هناك مطالب ثأرية، أو احتمالات النكوص على عملية السلام.
على هذا الأساس نقول إن اسرائيل عندما تتردد في مبدأ قبول الانسحاب الشامل، فلن تحصل على سلام واستقرار، كما لن يقبل الاشقاء في سورية ولبنان بغير هذا الانسحاب. وبالنسبة الى الشعب الفلسطيني فإذا لم تكتمل كل الحلقات سيؤدي ذلك إلى إضرار شديد جدا بعملية السلام، ليس فقط بين الشعب الفلسطيني واسرائيل، لكن ايضا مع الدول العربية، لأن المسألة أصلا بدأت مع استيلاء اسرائيل وتعديها على الحقوق القانونية والتاريخية للشعب الفلسطيني.
قال رئيس وزراء اسرائيل ان احتمال تعديل اتفاقية اوسلو وارد. وطرح إقامة دولة فلسطينية في غزة، لكن الرئيس عرفات رفضها، ماذا ترون في ذلك؟
- لا يصح اطلاقا السعي الى فرض أي تعديل من جانب واحد، لان ذلك إخلال بمبدأ الالتزامات التعاقدية. لكن لو رأى الطرفان في جوانب متفق عليها أي تعديل، فهذا جائز تطبيقه. غير ان الرجوع عما اتفق عليه، بدعوى أنهم وجدوا تعقيدات معينة، أو لحدوث عمليات ارهابية أو اللجوء الى العنف فلا يحق لاسرائيل.
ومسألة اقامة دولة فلسطينية في غزة مهزلة تطرح مستقبل الضفة الغربية. وهذا لن يحل الموقف، فالفلسطينيون قبلوا تاريخيا بقيام دولة اسرائيل، والتعايش معها، وعدم التنازع معها، وعدم المطالبة بالعودة لحدود قرارات التقسيم. فليس أقل من أن يكافئ الفلسطينيون جزاءً حسنا بإنشاء كيان فلسطيني يحقق الدولة في قطاع غزة وسائر انحاء الضفة الغربية.
خياران امام عرفات
هل تعتقد أن اسرائيل ستلتزم بموعد الانتخابات اوائل تموز يوليو المقبل وماذا يحدث لو لم تلتزم؟
- أعتقد أنهم سيلتزمون الموعد، لأن في غير ذلك إضعاف للاتفاق وتقوية للعناصر المعارضة في الجانبين. فهناك من الجانب الفلسطيني من سيقول: هذا ما كان متوقعا، وها هي اسرائيل تحقق ما كنا نحذركم منه، ولن تلتزم تعهداتها. ومن ناحية أخرى فالاسرائيليون المتطرفون والرافضون لأي تعايش حقيقي مع الفلسطينيين على أساس التكافؤ سيقولون إن الفلسطينيين لا كلمة لهم، وان عملية السلام لا تسير سيرا حسنا، وأن الأسلم أن تظل الحال على ما هي عليه.
يقال إن الرئيس عرفات أمامه خياران: فهو مضطر الى ان يوقف حماس والجهاد الاسلامي ولا يسمح لهما بمهاجمة اسرائيل، وفي الوقت نفسه سيؤثر هذا على الوضع في غزة وعدم الاستقرار. أما اذا سكت، فستزيد العمليات ضد اسرائيل الأمر الذي سيؤثر سلبا في عملية السلام. ما رأيكم؟
- أعتقد أن مهمة السلطة الفلسطينية صعبة، وليست بسيطة إطلاقاً من نواح عدة، فالرئيس عرفات يتولى المسؤولية في وقت عصيب، ولا تتوافر لديه الامكانات الكافية سواء الادارية او المالية، كما لا يوجد تفهم كافٍ لدى بعض الاسرائيليين، وعليهم اتاحة الفرصة للسلطة الفلسطينية.
والسلطة الفلسطينية في رأيي عليها المحافظة على الأمن العام والنظام في المنطقة التي تحكمها وواجبها ذلك، فعندما تطالب السلطة الفلسطينية الشعب الفلسطيني بالانضباط واتباع اساليب معينة، والالتزام بمتطلبات حمل السلاح، كل تلك المتطلبات لا تتم نيابة عن اسرائيل، بل نيابة عن الشعب الفلسطيني نفسه، لأنه لا تستطيع حكومة، أيا كانت، ان تحكم شعباً يعيش إخلالاً بالأمن، وخروجاً عن النظام على النحو الموجود هناك الآن. وعلى أي فلسطيني ايجابي ان ينظر الى الموضوع من زاوية نجاح السلطة الفلسطينية ونجاح انحسار السيطرة الاسرائيلية على الارض الفلسطينية، والمفروض عليه ألا ينازل السلطة الفلسطينية في هذا المجال، حتى لا يتيح لاسرائيل ذريعة لعدم المضي قدما في بقية حلقات نقل السلطة. وهذا واجب قطري، وقومي على كل الفلسطينيين.
على الفلسطينيين، حتى إذا كانت لديهم آراء معينة، أو اعتراضات، ان يلتفوا حول السلطة الفلسطينية في مرحلة نقل السلطة، وإلا معنى ذلك أنهم يقولون للاسرائيليين، بل وللعالم كله، اننا غير قادرين أو غير راغبين على تحمل مسؤولية. ومعنى هذا ان تتوقف عملية السلام، ويستمر الاحتلال الاسرائيلي. واعتقاد البعض ان اللجوء الى عمليات العنف يشكل ضغطاً على اسرائيل غير صحيح.
التقيت اقتصاديين فلسطينيين كباراً. لماذا لم يقدموا شيئا حتى الآن؟
- لديهم تنوع في الأفكار، فهم كمجموعة من رجال الأعمال والمال والاقتصاديين وشخصيات ناجحة أقاموا مؤسسات في الخارج وفي العالم العربي على مستوى رفيع وبنجاح كبير، رغم أنهم بدأوا في ظروف سيئة عندما خرجوا من فلسطين وهم لا يملكون شيئاً. هؤلاء يجب ان تتاح لهم الفرصة في مجال الاستثمارات في فلسطين، والمجالات التي يكون فيها للقطاع الخاص الدور الاساسي. وهذا من حقهم بالطبع، ومن واجبهم، وهم يشعرون بالتزام نحو وطنهم ويريدون ان يقدموا إليه شيئاً، ويساهموا في بناء بلدهم، وهذا شيء طبيعي ويجب أن يكون مطلوبا، وعلى السلطة الوطنية أن تمكنهم من هذا، وأن تيسر لهم الاستثمار على الارض الفلسطينية.
وغالبيتهم تريد أن تقدم اسهاما كمنحة. فالشعب الفلسطيني بدأ يحقق الأمل التاريخي في إقامة دولته على أرضه وهذا معناه أن على كل فلسطيني ان يسهم، سواء بفكره، أو عمله، أو ماله، وبالخبرات المختلفة. وهذه شخصيات فلسطينية محترمة لها وزنها ومكانتها.
لكن عليها ان تسعى الى التوصل الى اتفاق مع السلطة الفلسطينية. وهذه مسؤولية الطرفين. وهو ليس تبرعا، إنه إسهام وواجب والتزام من الفلسطينيين تجاه شعبهم وقضيتهم وفلسطينيتهم. لماذا اسرائيل يتقدم لها اليهودي وليس الاسرائيلي ويدفع لها، والوكالة اليهودية لديها أموال أكثر من الحكومة، هل اليهودي الذي في أميركا اللاتينية لديه انتماء أكبر؟ إن ثمة تحدياً كبيراً أمام الفلسطينيين، أكبر بكثير من التحدي الاسرائيلي، وهو أقرب لفلسطين ووضعه مُلحّ أكثر، وليس من حق أي مسؤول فلسطيني أن يحول دونهم وذلك. ولا يجب أن تكون المنازعة بينهما شخصية، والارض الآن ممهدة جدا، ولا يحتاج الأمر الى وسطاء.
لماذا لم يزر غزة مسؤول مصري على مستوى رفيع حتى الآن؟
- نحن على اتصال دائم وسبق أن قلنا للرئيس عرفات اننا مستعدون لزيارة غزة في أي وقت اذا تطلب الأمر، ونحن عندما نذهب الى غزة نكون كأننا ذاهبون الى العريش. فمصر أقرب دولة للسلطة الفلسطينية، ليس فقط جغرافياً، ولكن تاريخياً ومن جهة الأهداف. وقد حرص الرئيس مبارك على ابراز هذه المكانة عندما اصطحب عرفات لدى عودة الاخير الى قطاع غزة فرافقه الرئيس مبارك الى منفذ رفح الحدودي. وأنا ليس لدي مانع من الذهاب الى غزة، ووزير الخارجية عمرو موسى كذلك. وقد أبلغنا الرئيس عرفات في أي وقت تريدوننا معكم، سواء في غزة أو أريحا، فنحن جاهزون.
لماذا لم يزر الرئيس مبارك اسرائيل حتى الآن؟
- هذا السؤال طرح في مناخ، أعتقد أنه خارج السياق التاريخي، وكما لو كان هذا مطلبا اسرائيليا، نحن ليس لدينا عُقَد من ناحية الزيارة. لنا متطلباتنا، ونستطيع أن نتكل عليها. ان الزيارة - خصوصا اذا كانت على مستوى عالٍ - يجب أن تتم لخدمة الموقف وخدمة القضية، وليس مجرد عملية تجميل. عندما يكون المناخ بين البلدين جيدا، وخالياً من الاتهامات والتراشق، وتخدم هذه الزيارة عملية السلام، فلا مانع. الرئيس مبارك غير معترض ابدا على ان يزور اسرائيل. فالمفاوضات الاسرائيلية - الفلسطينية تقام على أرضٍ مصرية والمطلب الوحيد هو أن تخدم الزيارة قضية السلام.
مصر والسودان
ماذا عن العلاقات المصرية - السودانية خصوصا بعد إنشاء دائرة انتخابية مصرية في حلايب؟
- غير صحيح انه اجريت اي انتخابات في مدينة حلايب.. لم تمتد اطلاقا اي انشطة في منطقة حلايب المصرية، ونحن نرفض اي تراشق إعلامي حول هذه القضية، لاننا نعتبر انه ليس من مصلحتنا تعبئة وشحن الرأي العام ضد السودان.. اي نظام سوداني يتحدث عن نزاع وخلافات بين مصر والسودان هو نظام ليست لديه رؤية تاريخية سليمة، لان العلاقة بيننا وبين السودان علاقة بين توأمين فاذا كان يوجد خلاف في الرأي في المجتمع الواحد، فكيف بيننا وبين السودان.. فالمطلوب من السودان ان لا يفتعل مصادر الشقاق والنزاع.. ثانيا: ان يحافظ تماما على الامن القومي المصري، ولا يحاول العبث معه، بدعوى من فكرة الحركة الاسلامية، هذا ليس من شأن السودان اطلاقا. ونحن نعلم ان الشعب السوداني ليس مع هذا.. نظام حكم معين يريد المساس بمصالح متصورة لهذا النظام او جماعة معينة ماثلة.. ان يأخذ موقفا معينا بدعوى تزعم الحركة الاسلامية في شمال افريقيا او في العالم العربي، هل هذا معقول.. اذا كان الاخ الكبير لا يتدخل في شؤون اخيه الاصغر، ثم يحاولون ان يوهموا الناس ان مصر لا تتعامل بنية مع السودان.. نحن نتعامل بنية مع السودان مئة في المئة ودليل ذلك ان السودانيين في مصر لهم استثناء من تأشيرة او اقامة.. لانريد ان نزيد النزاع .. نقبل بوجود اختلاف متنوع.. ومن حق كل دولة اختيار النظام الذي تراه هذا شأنها.. مادام الشعب راضيا على النظام فلا يحق لاي قوة التدخل.
ما الموقف العام في العلاقة المصرية - الاميركية على ضوء زيارة الرئيس مبارك لواشنطن الاخيرة والموضوعات التي اثيرت خلالها خاصة المسألة النووية وقيام الاعلام الاميركي بمهاجمة مصر؟
- هذه المرحلة كانت من انجح زيارات الرئيس مبارك للولايات المتحدة فالعلاقة بين الرئيسين مبارك وكلينتون ناجحة بسبب كيمياء بين شخصيهما فهناك تفاهم وارتياح متبادل جدا بينهما وثقة نمت بالتدريج.
والاعلام الاميركي في وقت ما، هاجم مصر وافترى عليها ببعض القضايا بدعاوى ليس لها أساس.. فمرة يكتبون عن قضايا حقوق الانسان في مصر ومرة عن الفساد وثالثة عن ليبيا، ومرة يتم التلويح بالمساعدات... وفي كل ذلك يرسمون صورة سلبية جدا لمصر، على خلاف الحقيقة.
ليس لدينا مانع ان يكون لديهم تنوع في المعالجة، وهذا طبيعي.. والخلاف لا يفسد للود قضية، فمصر ليست ولاية اميركية، وايضا اميركا ليست بلداً عربياً حتى يحدث تطابق بيننا وهل يجب ان تنتقل مصر جغرافيا ونطير على بساط علاء الدين الى الاطلنطي، او اميركا تصبح دولة عربية اسلامية.
والمهم ان السياسة بيننا تعتمد على اسلوب المصارحة، اما الاعلام الاميركي فقد دخل اليه بعض "اللوبيين" مثل اللوبي المعارض للنظام في ليبيا ولوبي حقوق الانسان واللوبي اليهودي اليميني المتطرف.. وهؤلاء لهم رؤى مختلفة ولهم اتصالات معينة ولكن من الجدير بالذكر ان هناك في اللوبي اليهودي عناصر متفهمة وعلى صلة طيبة جدا، تفهم وتتفهم السياسة المصرية جيدا، وهي تعلم جيدا انها سياسة بعيدة النظر، قائمة على اساس استراتيجي الهدف منها، استقرار السلام وتثبيته، وليس عرقلة السلام. اما العناصر التي كانت تعمل على ترويج هذه الحملة ضد مصر، متطرفة وليس لها اثر يذكر لدى كل الدوائر المهمة سواء في الادارة الاميركية او الكونغرس او الجماعات او المؤسسات التي التقينا بها خلال هذه المرحلة.
وبالنسبة لموضوع تجديد وتمديد المعاهدة النووية، الكثير من الصحف اساء عرضه وفهمه.. وصوروا القضية كأنها مسألة نزاع بيننا وبين الولايات المتحدة وكأننا نريد اضعاف المعاهدة او اسقاطها والخلاف ليس بيننا وبين الولايات المتحدة.. الخلاف بيننا وبين اسرائيل.
ونحن لا نقصد الاخلال بالمعاهدة، بالعكس نحن نريد ان ندعمها لا ان ننسحب منها.. بدعوة "من لم ينضم الى ان ينضم إليها" ولم ندع احدا ان يأخذ منها موقفا معارضا. نحن قلنا انه يوجد توافق زمني بين عقد المؤتمر الذي سيبحث تجديد امد المعاهدة وبين حدوث تقدم كبير في مسيرة السلام في الشرق الاوسط.
ونحن نقول اذا كانت المنطقة كلها تتحرك نحو عملية سلام متوازنة ويوجد تطلع لتعاون اقليمي في مجالات اقتصادية.. فمن باب اولى ان نبحث تحقيق الاستقرار الامني لترسيخ الثقة بين الطرفين وهو يتحقق بانضمام اسرائيل الى المعاهدة النووية.
ونحن نرى ان هناك سببا مشروعا هو ان نفكر في المستقبل وان نعمل جميعا وتتحرك كل دول المنطقة من أجل إخلائها من كل اسلحة الدمار الشامل. من غير المعقول ان نتكلم عن بعض اسلحة الدمار الشامل ونترك الاخرى، خاصة ان السلاح النووي اهم الاسلحة الفتاكة والاكثر خطورة، ايضا السلاح الكيمائي والبيولوجي، موقفنا هو الآتي. بعد مؤتمر نيويورك وقبله... والآن وغدا.
نحن من انصار معاهدة منع الانتشار، لانه لو ترك الامر والحبل على الغارب، لانتشرت اسلحة نووية لدى دول كثيرة وليس بالضرورة اسلحة نووية استراتيجية، يمكن ان يوجد سلاح نووي بسيط وصغير، وممكن ان ينتج في المستقبل بأرخص مما هو عليه الآن فتحاول الدول الحصول عليه بمختلف مزاياه.. فهذه المعاهدة كي تكون عاملا لاستقرار المنطقة يجب ان يلتزم الجميع بها.. ونحن ندعوا اسرائيل ولا نضغط عليها او نضعها في مأزق ونسعى ان نتفاوض معها جديا والتفكير معنا في هذا الموضوع، تمهيدا لدخولها تحت مظلة المعاهدة، حتى نضمن تحقيق الامن.. والامر ليس قاصرا على اسرائيل بل على كل دول المنطقة التي لم تدخل.
وتوجد مفاهيم خاطئة حول ضغط مصر على دول عربية وغير عربية لتتخذ الموقف نفسه الذي نتخذه وهذا غير صحيح.
وللأسف فإن جهات من لوبي معادٍ لنا، شنت حملة ضدنا وتوهمت انها سترهبنا وهذا ليس بصحيح ايضا فلا أحد يستطيع ان يرهبنا، فلا يوجد اي تهديد ممكن يجعلنا نتزحزح عن موقفنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.