ارتفاع أسعار النفط إلى 83.27 دولارًا للبرميل    الفرصة ماتزال مهيأة لهطول أمطار على معظم مناطق المملكة    1.6 ألف ترخيص ترفيهي بالربع الأول    الطاقة النظيفة مجال جديد للتعاون مع أمريكا    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    «الأقنعة السوداء»    السعودية والأمريكية    العيسى والحسني يحتفلان بزواج أدهم    احذر أن ينكسر قلبك    5 مخاطر صحية لمكملات البروتين    تقنية تخترق أفكار الناس وتكشفها بدقة عالية !    إلتقاء سفيرة خادم الحرمين الشريفين بطلبة المنتخب السعودي في آيسف.    حلول سعودية في قمة التحديات    فتياتنا من ذهب    تضخم البروستات.. من أهم أسباب كثرة التبول    بريد القراء    الرائد يتغلب على الوحدة في الوقت القاتل ويبتعد عن شبح الهبوط    ولي العهد يلتقي الأمين العام للأمم المتحدة وملك الأردن والرئيس السوري    هتان السيف.. تكتب التاريخ في الفنون القتالية    حراك شامل    الدراسة في زمن الحرب    الإطاحة بوافد مصري بتأشيرة زيارة لترويجه حملة حج وهمية وادعاء توفير سكن    76 مليون نازح في نهاية 2023    فصّل ملابسك وأنت في بيتك    الشريك الأدبي وتعزيز الهوية    التعليم في المملكة.. اختصار الزمن    صالح بن غصون.. العِلم والتواضع        WhatsApp يحصل على مظهر مشرق    رئيس موريتانيا يزور المسجد النبوي    ابنة الأحساء.. حولت الرفض إلى فرص عالمية    الاستشارة النفسية عن بعد لا تناسب جميع الحالات    فوائد صحية للفلفل الأسود    ايش هذه «اللكاعه» ؟!    خطر الوجود الغربي    العام والخاص.. ذَنْبَك على جنبك    حق الدول في استخدام الفضاء الخارجي    كلنا مستهدفون    أثقل الناس    تحولات التعليم.. ما الذي يتطلب الأمر فعله ؟    لماذا يجب تجريم خطاب كراهية النساء ؟    الاتحاد يتعثر من جديد بتعادل أمام الخليج    المسابقات تعدل توقيت انطلاق عدد من مباريات دوري روشن    بتوجيه ولي العهد.. مراعاة أوقات الصلوات في جدولة المباريات    البنيان يشارك طلاب ثانوية الفيصل يومًا دراسيًا    أمير القصيم يرفع «عقاله» للخريجين ويسلم «بشت» التخرج لذوي طالب متوفى    النفط يرتفع والذهب يلمع    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    بمشاركة السعودية.. «الحياد الصفري للمنتجين»: ملتزمون بالتحول العادل في الطاقة    أمطار على أجزاء من 6 مناطق    صفُّ الواهمين    أمير تبوك يطلع على نسب إنجاز مبنى مجلس المنطقة    سقيا الحاج    السفير الإيراني يزور «الرياض»    أمين العسيري يحتفل بزفاف نجله عبد المجيد    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    رحالة فرنسي يقطع ثمانية آلاف كلم مشياً على الأقدام لأداء مناسك الحج    رعاية ضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسامون يشاركون في مهرجان "الفن للجميع" في جدة . عندما يستوحي الفن التشكيلي السعودي ذاكرة الجماعة وتحولات الحداثة
نشر في الحياة يوم 02 - 04 - 2001

جدة - "الحياة" - "الفن للجميع" هو عنوان التظاهرة الفنية الكبيرة التي تشهدها حالياً مدينة جدة، وهي تهدف الى جعل الفن في متناول الجميع ساعية الى ما يمكن تسميته بالمصالحة بين هموم الرسم وهموم الجمهور، بين عالم المحترفات وعالم الناس. ولعلها بادرة فريدة هذه التي قامت بها وأنجزتها مؤسسة المنصورية للثقافة والإبداع، وتمثلت في مهرجان للفن التشكيلي السعودي تحييه أربع غاليريات أو صالات فن.
ومهرجان "الفن للجميع"، يستمر حتى 17 نيسان ابريل وهو من أكبر مهرجانات الفن التشكيلي في السعودية. وتحت شعار يثير الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام وهو "هل بوسعنا ان نخطو المسافة بيننا والجمال؟ أن ننطلق من الأنا للنحن؟ هل يمكن ان نحلّ الجمال والفن في بنائنا للأجيال؟"، دعت مؤسسة المنصورية 22 فناناً من أشهر الفنانين التشكيليين السعوديين للمشاركة في المهرجان، وقام الفنانون بعرض مجموعات من لوحاتهم التشكيلية المختارة بين 10 و20 لوحة لكل فنان. وصدر في المناسبة كتاب يضم أعمال الفنانين التشكيليين السعوديين مع شرح مفصل لها، وهو الكتاب الذي يعود ريعه الى الجمعية الخيرية النسوية في جدة.
وبعد تقديم للمهرجان ننشر هنا تحقيقاً مع الرسامين المشاركين يعبرون فيه عن رأيهم بمقولة "الفن للجميع" ويناقشون مفهوم تحويل الفن النخبوي الى فن في متناول الجمهور العريض. هنا آراء الفنانين:
شادية عالم
مقولة "الفن للجميع" تعني أن يكون الفن مادة صادقة متميزة قادرة على حوار أو مخاطبة الآخر، أي أن تكون مادة حية متاحة تحمل خصائص الذاكرة الجمعية، وقادرة على إشاعة الحيوية في المحيط البشري، وعلى الوصل والتوصيل. إنها لفكرة مثالية أن يصل فننا للجميع، فأقصى أحلام المبدع أن يصل برسالته الى الكل ويسهم معهم في صوغ الجمال وإثرائه ونشره.
أما السبل لجعل الفن ملكاً للجميع فليس بغير الجاد والجيد والمتميز، والمتحرر من الأغراض النفعية البحتة، كأن تصل تلك الصدقية للآخر وتتلقى إجابة فورية من المتلقي فيصبح ملكه. وليس بالضرورة ان يقتنيه ويضعه في حوزته، وإنما يملكه حين يستوعب الشحنة الجمالية والروحية التي يتضمنها، مثلما الآثار الإنسانية الجمعية التي نعتبرها لنا والتي تحمل خصائصنا.
من هنا جاءت حماستي لفكرة المنصورية "الفن للجميع" لننضوي - كفنانين - تحت هدف جمالي، أو موقف جمالي يحفّز رؤانا للتفاعل ولمشاركة مبدأ الفن للحياة/ لنا، والسعي للتواصل مع شريحة متجددة من الجمهور.
ضياء عزيز ضياء
"الفن للجميع" هو تذكير وتأكيد بأن الفن لا يقتصر على فئة أو طبقة معينة وإنما هو لغة ووسيلة تعبير لجميع طبقات أو فئات المجتمع في أي مكان في العالم. ولا ينحصر الاستمتاع بالأعمال الفنية على اقتناء أصولها، بل يمكن الانسان أن يقتني نسخاً مطبوعة خصوصاً لهذا الغرض. ويمكنه التأمل والتمتع بأجمل أو أروع الأعمال الفنية المعروضة في صالات المتاحف والغاليريات بمجرد زيارتها.
اتخذ "الفن للجميع" الخطوة الأولى نحو المتلقي وذلك بدحض فكرة أن الفنان لا ينتج إلا للطبقات القادرة على دفع الأثمان العالية بإقامة هذا المهرجان الذي شارك فيه كبار فناني المملكة بأعمال فنية ذات أثمان في متناول الجميع وذات مستوى فني رضي عنه الفنان نفسه وارتقى فنياً الى الدرجة اللائقة بالمؤسسة القائمة على هذه التظاهرة وهي المنصورية.
هشام قنديل
يأتي مهرجان "الفن للجميع" الذي تنظمه مؤسسة المنصورية للثقافة والإبداع كخطوة رائدة وبصورة مدروسة فيها الكثير من التأني والحكمة.
الاستقراء المشروع يوحي بأن ثمة نوافذ كثيرة - وليس من نافذة واحدة - وأن أبواباً متعددة - وليس من باب واحد فحسب، تفتحت وشرعت مصاريعها أمام الفن بأضلاعه الثلاثة: الفنان، المتلقي وصالات العرض. وبين طموحات أو أهداف كل ضلع منها، وسعيه لتحقيق طموحه وهدفه ستأتي النتائج. هذه اضافة الى ما سعت اليه مؤسسة المنصورية للثقافة والابداع. وهي آثرت أن يكون طموحها أكبر من مجرد مشاركة عابرة أو حتى مشاركات مستمرة في الحركة السعودية لكنها اختارت لعب دور "مؤسساتي" ان صح التعبير ودور نهضوي يؤسس لمشروع فني ضخم جدير بالحفاوة. ويأتي ضمن أهداف أخرى "لتفاعل حقيقي مع الساحة التشكيلية العالمية التي تموج كل يوم برؤى وتيارات وأفكار جديدة متباينة لا مناص من التعامل معها والتعرف عليها والوعي بكل رموزها وابعادها". ان هذا المهرجان الضخم يعني أن يتحول الجميع الى رعاة غير رسميين لمشروع نهضوي ضخم وتجربة يمكن أن تكون علامة فارقة في الفن والحياة. الخطوة الأخرى المهمة والمكملة لهذا المشروع الجميل هي خلق الوعي بأهمية العمل التشكيلي لدى المجتمع لكي نكسب أرضاً جديدة من التألق والابداع والتأثير الحي في تشكيل الثقافة البصرية للمجتمع. ويأتي هنا دور وسائل الاعلام المختلفة المقروءة والمرئية والمسموعة.
والمتلقون للأعمال التشكيلية في حاجة ماسة الى من يأخذ بيدهم ليفهموا ويتفاعلوا مع العمل الفني. ويأتي هنا دور الناقد الفني الذي يقوم بدور الوسيط بين الفنان والمتلقي وقراءة عمل الفنان للمتلقي بلغة ليست متعالية ترهق المتلقي الذي يجب أن يثقف نفسه أيضاً.
يوسف جاها
الفن وجه من أوجه المجتمع وصورة من صور الحياة، حيث لا ينفصل الإبداع عن حركة الواقع ما دامت هناك مرافئ ترسو عندها تلك الابداعات التشكيلية الجادة.
ومقولة الفن للجميع تنتمي الى روح قوية صادقة تحمل من الفن شيئاً عميقاً. وتأكيداً لهوية فن هذا المجتمع النبيل والسمو بمستوى التذوق سأظل معه شرط أن لا أهبط بمستوى الفن لإرضاء الجميع، ولكن بالفن الجاد والأصيل والصادق، وأن أرتقي بهذا الجمهور. وإن لم أكن مقتنعاً برسالة الفن الحقيقي من الأفضل أن لا أقدمه أساساً. عندما يكون الفن مصيراً كاملاً يتبناه المجتمع والفنان. الفنان: بإبداعه وتجاربه وثقافته. المتلقي: المتأمل بذوقه. الناقد: برأيه الذي يوصل بين التجربتين يرافق الأول.
عبدالحليم رضوي
"الفن للجميع" أصبح ضرورياً لتَتَشعّبْ مظاهر الحياة مما يعيش الانسان المعاصر في حيرة وقلق والخوف من المجهول وأمام تيارات جارفة متنوعة الأساليب تفتن عقول الناس وقلوبهم لفترة ثم يصبح فريسة هذه الاغراءات السطحية الساذجة. فيعتبر الفن الراقي الأصيل مهماً جداً لمعالجة قضايا أو هموم الناس مع زرع ابتسامة الرضى بانسجام وتآلف مع أبناء جنسه. لهذا يحتاج الفن التشكيلي الى وسيلة سهلة مصحوبة بالدعم والتشجيع المناسب مع فتح آفاق جديدة وخصوصاً عبر وسائل الاعلام المتطورة والفضائيات لتوضيح أهمية هذه الرؤية الجمالية للانسان المعاصر وخصوصاً بين الشعوب العربية الاسلامية ليشعر الانسان بقيمة هذه اللوحات الفنية التي هي انعكاس لأحلام أو طموحات الانسان عبر هذه الرؤية الفنية المعبرة كعلاج لامتصاص قلق الناس عند تذوق هذه اللوحات. وعندما يحاول كل فرد اقتناء هذه اللوحات وخصوصاً عندما تكون أسعارها في متناول الجميع كشحنة أولى لانتشار الوعي الفني بين الناس. وعلى الكتّاب والمتخصصين في الاعلام الفني أن يساهموا في تحليل وتوضيح هذه الرؤية بالنقد والتحليل لكل عمل لأن معظم الناس لم يتدربوا على ثقافة بصرية وليست لديهم رؤية كرؤية الفنان أو رجل الإعلام في إلقاء الضوء على هذا الجانب المهم.
وأرجو أن تكون هذه مناسبة فنية للجميع وبادرة لانطلاقة فنية بين الناس في المملكة والعالم. مع شكري وتقديري للمساهمين في إحياء هذه المناسبة بأسلوب فاعل ومدروس في مؤسسة "المنصورية".
عبد الرحمن السليمان
أعتقد ان كلمة أو مفهوم "الفن للجميع" يحتمل تقريب الفن من الناس، والناس من الفن، كما ويكون بين أيديهم وأنظارهم، بل وضمن حياتهم. وأرى ان مثل هذا الحدث المهم في ساحة الفن التشكيلي السعودي والذي يمكن وصفه بالريادة، يعبّر عن وعي وإخلاص، وتفهم لطبيعة الفن ودوره في حياة المجتمع.
إذا كان هذا الحدث أرادت به مؤسسة "المنصورية" للثقافة والابداع أن تقرب المسافة بين المجتمع والفن، فإنها دلالة على مرحلة جديدة، ومنعطف لدور المؤسسة الثقافية الخاصة في الحياة العامة. إذ ليست هناك أية أغراض ربحية أو خاصة هنا. فالمعرض - المهرجان هو بطبيعة الحال عمل كبير بُذلت له كل الجهود لتحقيق الأهداف المرجوّة، وهي أهداف سامية ونبيلة. وتحمل اختصاراً لمسافات ورغبات ومطالبات، وأمنيات. ان تلقّي نخبة من التشكيليين والتشكيليات في مثل هذا المهرجان الكيف هو دلالة على دور المؤسسة الثقافية في جمع أو دعم الفنانين. وأرى ان كبير شكرنا هو لمؤسسة "المنصورية" كجهة راعية وواعية لدور الفن. وهذا الشكر يوصل الفن الى الجميع، وبالصيغة التي وضعت لها "المنصورية" الامكانات والجهود وأوجه الصرف، بل وتحملتها وتكفلت بكل ما يسهم في إنجاح هذا المشروع وهو نجاح تستحقه مثل هذه الجهود المخلصة، والقائمون عليه.
ان من بين أوجه أو سبل ايصال الفن وجعله ملكاً للجميع الإسهام بإنشاء الجداريات، وانشاء المجسمات الجمالية في الميادين والحدائق العامة، طباعة الأعمال الفنية والكتب وجعلها في متناول الناس بأسعار مناسبة - كما هي أعمال المهرجان - دعم الفنان ورعاية نتاجه وابداعاته. وأخيراً تواصل مثل هذا المهرجان في شكل دوري أو كل عامين وفي هذا الحفاظ على علاقة متصلة بين الفنانين وإبداعاتهم وبين جمهور الفن ومتذوقيه، كما أنه مؤشر على مستقبل أكثر اشراقاً لفننا السعودي.
عبدالله حماس
كلمة سهلة في تداولها وصعبة في الواقع الملموس. ففي عصور الماضي كانت الفنون الراقية للطبقة الارستقراطية وبلاطات الحكام. ولكن الفن اليوم صار متداولاً بين العامة وأفضله لدى القلة القليلة التي تهتم به وترعاه. وفضلاً عن الحكومات التي أوجدت المتاحف العريقة فإن الذائقة العامة لدى الشعوب ارتفعت وتختلف من مكان الى آخر بحسب ثقافة الشعوب "ثقافة بصرية".
وهذا الهم الكبير لا يستطيع عليه الا من هو مثل "المنصورية" التي بدأت الخطوة الجبارة والجريئة لجعل كلمة "الفن للجميع" تصبح واقعاً ملموساً متيسراً للعموم ولصدق تعاملها وبعد نظر القائمين عليها طرحت هذه الفكرة التي تدعمها بكل الامكانات وتفاعل الزملاء الفنانين والفنانات السعوديين مع تلك الفاعلية وجعلت الفنانين المغالين في أسعارهم يتساوون مع بقية الزملاء. وبذلك فتحت الطريق أمام جمهور المتذوقين في الحصول على عمل فني أصلي بسعر يناسب ميزانية كل راغب.
وأما كيفية جعل الفن يصل الى الجميع فينحصر عندي في ما يأتي: الصدق في الطرح، تفاعل مفردات ومكونات العمل في البيئة، مخاطبة عقل ووجدان الشباب فنياً ومادياً، تلمس الجمال في كل ما هو محيط بالمواطن من عمارات ومجسمات وشوارع وميادين ومنتزهات وشواطئ... الخ، الاهتمام بالقيم والتراث، تفاعل وسائل الاعلام في تغطية الأحداث الفنية، الدورات التدريبية وزيارات الطلاب والطالبات للفاعليات الفنية، تشجيع المواهب الفنية وفتح دروس في الأماكن العامة لصغار السن، تسهيل وصول العمل الفني الى متذوقيه بالعرض أو البيع بسعر مناسب للأصول أو عمل استنساخ.
زهير طولة
حدد الفن في القرن الجديد ثلاثة منطلقات انضوت تحتها مدارس واتجاهات فنية مختلفة أولها: رمزي عاطفي، وثانيها: تركيبي هندسي، وثالثها: نفساني ثوري. ومع هذا التحرر والاتساع في مفاهيم الفن أفق غدا أكثر شمولية واقتراباً من حياة الانسان حتى انه صار اكثر تغلغلاً في خصوصياته.
وهنا يمكننا القول ان الفن كلما كان معاصراً... كان أقرب من حياة الناس، وكلما كان مضمونه انسانياً زاد اقترابه أكثر من الانسان ذاته.
وفي تحليلنا لمقولة "الفن للجميع" نرى انها عبارة ذات مضامين عدة متداخلة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعناصر المكونة لهذه المقولة وهي: العمل الفني اللوحة، الفنان، والمتلقي المقتني.
ولا بد أن نأخذ في الاعتبار وضع اللوحة الفنية وتحديد مستواها الفني ومضامينها... فهناك لوحات تجارية يمكن أي عابر ان يقتنيها من ردهات الأسواق وبقيمة زهيدة. كما ان هناك لوحات لا تقدّر بقيمة مادية مثل "الغورنيكا" مثلاً للفنان بيكاسو والموجودة في المتحف في العاصمة مدريد. ويمكننا القول ان هذه اللوحة متاحة الآن للجميع من زوار ومهتمين ودارسين. وهذا فن للجميع. وتبعاً لذلك ينبغي ان نفرّق بين الرسام وبين الفنان، كذلك بين فنان وفنان آخر من حيث مستواه الفني وقدراته الابداعية والابتكارية وقوة سيطرته على تجسيد الفكرة والمضمون ومعنى امتلاكه لمفرداته التشكيلية سواء كانت مفرطة في المحلية أم كانت تتعدى هذه الحدود لتخاطب كل جنس ولون.
أما المتلقي أو المقتني فيتبعه أيضاً تحديد مستواه الثقافي وقدرته على التذوق وحسن قراءة الأعمال الفنية في شكل جيد. ولا ننكر أيضاً مستواه المادي خصوصاً عندما يكون الموضوع شراء لوحة أصلية، إذ من حقه أن يحتفظ بها أو يجعل منها استثماراً أو يهديها للمتحف ليتمكن الجميع من رؤيتها. وهذا في حال اللوحات التي تتمتع بقيمة فنية أو تاريخية عالية.
نعم يمكن أن نساهم جميعاً في أن يكون الفن ملكاً للجميع وذلك بإزالة كل الحواجز والمعوقات التي تحول دون ذلك وأهمها حس المشاركة الجماعية والتضحية والابتعاد عن المبالغة في سيطرة النزعة الفردية من جمع الأطراف سواء الفنان أم المقتني. ولا بد هنا من التنويه بأهمية دور الاتصال الذي تلعبه الجهة أو المؤسسة الوسيط التي تعي هذا الدور أولاً بأن تمارسه ببراعة لتقوم بتقريب المسافة وتوصيل الرسالة بطريقة نزيهة واعية متقدمة. وهذا ما قامت به مؤسسة "المنصورية" للثقافة والابداع، إذ قامت بدور حقيقي في تفعيل المشاركة لشريحة أوسع بتسهيل فرص أكبر للتعايش والاطلاع على عالم جميل من الفن والمشاعر.
أحمد فلمبان
الانسان مخلوق من لحم ودم كتلة من الأحاسيس والمشاعر الانسانية تتحكم معيار دورتها وانخفاضها على البيئة والمناخ والثقافة، فكلما كانت هناك حضارة وتاريخ وثقافة ومعاناة كانت المعايير الحسية قوية... ومؤثرة... والانسان في هذه الأرض الطيبة معروف بانتمائه الى الطبيعة والجمال والعناصر الحسية المؤثرة.
والدليل تلك المعجزات الفنية والأدبية الخالدة الموجودة من أقصى البلاد الى أدناها ومن شرقها الى غربها، وظهور الفن التشكيلي على رغم الظروف الاجتماعية والمناخية الصعبة خير دليل على رهافة أو حس هذا الانسان، اضافة، الى وجود الكثير من الثقافات والعادات الأخرى التي تجانست مع ثقافات هذه الأرض. وفي خلال مدة وجيزة ترعرع ونما التشكيل وظهر في صورة مشجعة ومشرفة لفن أصيل ذي خصوصية ونكهة فريدة.
ولا يمكن هذا أن يظهر ويتطور ما لم يكن هناك مناخ وقبول لهذا الفن الجميل الراقي "البديع". ولكن لوجود بعض المعوقات، بانغماس الناس في الأمور المادية انصرف اهتمامهم عن الفن التشكيلي، لقناعتهم ان هذا من الكماليات التي تتطلب امكاناً مادياً يفوق قدراتهم. اضافة الى اعتقادهم ان اهل الفن لا يمكن الوصول اليهم ولا التجاذب معهم لتقوقعهم في حصن متين لا يمكن اختراقه. وخوفه من الاقتراب من الحصن او الوقوف امامه... ومن هنا تفاقمت المشكلة وزادت الفجوة... ولإزالة هذا الحاجز الوهمي وجعل الفن في متناول الجميع وصب توعيته وتشجيعه بالأساليب الآتية: انشاء مدارس للفنون، تلمس النقاط الايجابية والمحبة له، ايجاد برامج تثقيفية فنية في وسائل الاعلام المرئية والمسموعة، اقامة المهرجانات والفاعليات الفنية الجادة، تزيين منازل القرى والأحياء الشعبية للتقرب الى هذه الفئة البسيطة، إصدار المجلات والكتب والنشرات واستيرادها من الخارج، استنساخ أعمال كبار الفنانين والأعمال الجيدة وتوزيعها أو بيعها بأسعار مناسبة، تكريم الفنانين والمتلقين، تشجيع التجار وأصحاب المكاتب والمحلات التجارية على اقتناء الأعمال الفنية.
مهدي الجريبي
مقولة الفن للجميع استراتيجية مدروسة تتيح للمنتج الفني الانتقال والتفاعل والتداول بأسعار متاحة وشبه رمزية. وحقيقة نحن في حاجة الى اعادة قراءة للواقع التشكيلي بعين ثالثة عين المتابع والمحلل بغية الوقوف على الاشكالات والعوائق وذلك بتفحص علامة المنتج التشكيلي وبالمتلقي وبالسياق الثقافي والبنية الاجتماعية في شكل عام. ومن ثم يمكن تشخيص تلك الاشكالات والتعامل معها.
ومن وجهة نظري الشخصية علينا القيام بالاجراءات الآتية: تفعيل النشاطات التشكيلية وتدعيمها لجعلها كائناً حياً وحيوياً داخل المجتمع لكسب ثقة الجمهور تجاه التشكيل بل ومحاورته بإبداء الرأي، إقامة سلسلة من الدراسات المعنية بهذا الجانب في شكل جاد، إرساء القواعد النقدية المتخصصة بالتشكيل وبلغة بسيطة وميسرة يمكن أن تصل الى الجمهور عن طريق وسائل الاعلام المختلفة، الاستفادة من دراسات الآخرين في هذا المجال - خصوصاً الحديثة منها، الاهتمام بالاصدارات والملاحق الفنية وبالمصطلحات الفنية لكي يتسنى للمتلقي قراءة العمل الفني، الاعتماد على المبادرات الشخصية ابتداء من المحيط الشخصي للفنان، وأخيراً على الفنان أن يدرك أهمية الجمهور ويشعر بمسؤولية تجاهه. وتجاه المرحلة التي يعيشها ويعايشها.
علي الطخيس
بذلت مؤسسة "المنصورية" الكثير للنهوض بالمستوى الفني للمجتمع وبذلت قصارى جهدها فنشكرها أولاً على هذا الجهد. ان الفن ثقافة عالمية تعني الذوق الرفيع المتناهي من الابداع فيجب أن يكون الفن للجميع وليس حصراً على طبقة معينة من الناس. لذلك يجب على الفنان أن يتفهم هذا المعنى ويحاول أن يبلور هذه الطبقة ويحولها ويسعى جاهداً الى أن تكون عامة للجميع من دون استثناء.
ابراهيم النغيثر
أرى أن هذا الحدث الذي تبنته مؤسسة المنصورية وبذلت الكثير من أجله هو حدث عالمي وتاريخي في الوقت نفسه لأنه يحدث للمرة الأولى وبفكر متطور وراقٍ.
الكثير من أفراد المجتمع يتذوقون ويهتمون بالفن التشكيلي ولكن الأسعار دائماً تقف عائقاً أمام الغالبية من دون الاقتناء، ومن هنا أرى أن فكرة الفن للجميع هي فرصة سانحة لجميع الناس بمختلف مستوياتهم أن يقتنوا أعمالاً جيدة ولفنانين تشكيليين معروفين وبأسعار زهيدة كما قرر في ذلك المهرجان.
وبهذا تتطور العلاقة بين المتلقي والفنان ومن نتاج ذلك المتابعة المستمرة للفنانين وللأحداث التشكيلية وكذلك امكانية الاقتناء بأسعار أعلى تدريجياً مع مرور الزمن. وأرى أن ذلك كفيل بأن يرتقي الفنان والمتلقي الى مستوى أعلى خلال فترة وجيزة.
عبدالعزيز عاشور
تعود مقولة "الفن للجميع" الى حيثيات تاريخية فرضتها طبيعة المتغيرات التي شهدها العالم الغربي في مختلف المجالات الثقافية والعلمية والاقتصادية، وفي وقت بدا الفن غامضاً على المجتمعات التي يعيش فيها بفعل تبدل المفاهيم الاجتماعية وتحولات القيم الاقتصادية، لفتت هذه التحولات انظار بعض المفكرين تجاه الفن لإنقاذه من عزلته وهامشيته، والعمل على سد الفجوة بينه وبين جمهوره.
إن مفهوم "الفن للجميع" الذي نحن في صدد الاحتفاء به لا يخرج كثيراً عن هذه الرؤية او التصورات مع الاعتبار بأن اختلاف شكل الاحتجاج الذي بدا في منتصف القرن التاسع عشر وطبيعة المتغيرات التي فرضتها هذه المرحلة عما كانت عليه في بدايات القرن العشرين.
اليوم يؤكد النقاد والمتخصصون ان الفن والفنان يعيشان في عزلة عن الجمهور إلا قليلاً وثمة فجوة كبيرة بينهما ما زالت قائمة وترجع بعض اسبابها الى طبيعة الفن وطقوس أو طرائق تياراته وأساليبه المتعددة والتي لا تثبت على حال بعينه. وزاد من حدة حضورها انها باتت تفرض اغراءاتها على المتعاطين مع الفن اينما كانوا في الوطن العربي. وفضلاً عن ذلك فإن المتغيرات العلمية هي الأخرى استأسدت بسلطتها على الانسان وما زالت تتواصل اغراءاتها التي تنزع الى انشاء العالم الاتصالي أو الالكتروني أو الكوني الجديد، فيما باتت التحولات الاقتصادية تشكل قوة اساسية يعتمد عليها في تحقيق متطلبات المجتمعات الحضارية.
وإذا سلمنا ان هذه المتغيرات وتلك التحولات أسهمت في استمرار الفجوة والعزلة فما الذي يعمل على ردمها او تذليل مفاصل ممراتها؟ الجواب بطبيعة الحال سيكون في مهرجان يجمع الأطراف الثلاثة "الفن والفنان والجمهور". وتتكاثف تلك الأطراف وتتفاعل معها كل القوى المختلفة والمتعددة سواء كانت مؤسسات أو هيئات علمية أو ثقافية أو اقتصادية. ولن يتحقق ذلك إلا عبر الايمان بالدور الذي تلعبه ثقافة الفنون البصرية في حياة الانسان وبنيته الثقافية والحضارية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.