جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    1.6 ألف ترخيص ترفيهي بالربع الأول    الطاقة النظيفة مجال جديد للتعاون مع أمريكا    السعودية والأمريكية    «الأقنعة السوداء»    العيسى والحسني يحتفلان بزواج أدهم    احذر أن ينكسر قلبك    5 مخاطر صحية لمكملات البروتين    تقنية تخترق أفكار الناس وتكشفها بدقة عالية !    إلتقاء سفيرة خادم الحرمين الشريفين بطلبة المنتخب السعودي في آيسف.    فتياتنا من ذهب    حلول سعودية في قمة التحديات    تضخم البروستات.. من أهم أسباب كثرة التبول    بريد القراء    الرائد يتغلب على الوحدة في الوقت القاتل ويبتعد عن شبح الهبوط    ابنة الأحساء.. حولت الرفض إلى فرص عالمية    الاستشارة النفسية عن بعد لا تناسب جميع الحالات    ولي العهد يلتقي الأمين العام للأمم المتحدة وملك الأردن والرئيس السوري    هتان السيف.. تكتب التاريخ في الفنون القتالية    مستقبل الحقبة الخضراء    الإطاحة بوافد مصري بتأشيرة زيارة لترويجه حملة حج وهمية وادعاء توفير سكن    مدير عام مكتب سمو أمير منطقة عسير ينال الدكتوراة    رئيس موريتانيا يزور المسجد النبوي    الدراسة في زمن الحرب    الشريك الأدبي وتعزيز الهوية    التعليم في المملكة.. اختصار الزمن    صالح بن غصون.. العِلم والتواضع        76 مليون نازح في نهاية 2023    فصّل ملابسك وأنت في بيتك    WhatsApp يحصل على مظهر مشرق    حراك شامل    فوائد صحية للفلفل الأسود    ايش هذه «اللكاعه» ؟!    خطر الوجود الغربي    العام والخاص.. ذَنْبَك على جنبك    حق الدول في استخدام الفضاء الخارجي    كلنا مستهدفون    أثقل الناس    تحولات التعليم.. ما الذي يتطلب الأمر فعله ؟    لماذا يجب تجريم خطاب كراهية النساء ؟    الاتحاد يتعثر من جديد بتعادل أمام الخليج    المسابقات تعدل توقيت انطلاق عدد من مباريات دوري روشن    بتوجيه ولي العهد.. مراعاة أوقات الصلوات في جدولة المباريات    البنيان يشارك طلاب ثانوية الفيصل يومًا دراسيًا    أمير القصيم يرفع «عقاله» للخريجين ويسلم «بشت» التخرج لذوي طالب متوفى    النفط يرتفع والذهب يلمع    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    بمشاركة السعودية.. «الحياد الصفري للمنتجين»: ملتزمون بالتحول العادل في الطاقة    أمطار على أجزاء من 6 مناطق    صفُّ الواهمين    أمير تبوك يطلع على نسب إنجاز مبنى مجلس المنطقة    سقيا الحاج    السفير الإيراني يزور «الرياض»    أمين العسيري يحتفل بزفاف نجله عبد المجيد    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    رحالة فرنسي يقطع ثمانية آلاف كلم مشياً على الأقدام لأداء مناسك الحج    رعاية ضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفيلم المسيء لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم .. الأبعاد والحلول .. مبادرة خادم الحرمين للحوار تتصدى للفكر المتطرف في العالم
نشر في البلاد يوم 05 - 10 - 2012

مدير عام فرع وزارة الخارجية بمنطقة مكة المكرمة أحدية مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين, أود أن أبدأ أولاً بأن أدين بأشد العبارات هذا الفلم القبيح وجميع الأعمال التي تزدري سيرة الرسول محمد صلّى الله عليه وسلم والقرآن الكريم وكل رموز الأديان السماوية. كما أتقدم بأحر التعازي والمواساة لأسر الضحايا الذين سقطوا في أحداث العنف الناجمة عن عرض الفلم المسيء لسيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ومنهم السفير الأمريكي لدى ليبيا وزملائه الذين يعتبرون ضحايا أبرياء لا ذنب لهم ، ونحن ندين جميع أشكال العنف والإرهاب مهما كانت دوافعها وأسبابها .وفي الواقع إن أي إنسان يتحلى بمشاعر الإنسانية، مهما كانت ديانته أو جنسيته أو عرقه أو لغته، لابد ان يشعر بالألم والاشمئزاز من جراء هذا الفيلم الذي يوجه دعوة صريحة للكراهية والعدوانية ضد المسلمين .
إن الازدراء بالقرآن الكريم وبشخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يعتبر اعتداءً وإساءة لجميع الرسل والديانات السماوية ولجميع المؤمنين ليس فقط من المسلمين وإنما أيضاً المؤمنون من اليهود والنصارى العارفين بحقيقة رسالة الإسلام التي جاءت مصدقة للكتب السماوية ومنها التوراة والإنجيل . فالقرآن الكريم هو الكتاب الذي وثق وحفظ سير الأنبياء والرسل وخاصة أنبياء بني إسرائيل وطهرها من كل دنس وتحريف أكثر من أي كتاب آخر . وهو الكتاب الذي يسجل بالتفصيل سيرة سيدنا موسى عليه السلام ومعجزاته وجهاده ضد فرعون وظلمه وطغيانه وقومه الذين كانوا يذبحون أبناء بني إسرائيل ويستحيون نساءهم ويسومون رجالاتهم كل أنواع العذاب والهوان .والقرآن الذي أحرقه القسيس المتطرف تيري جونز ودعا الى الاحتفال بحرقه يوم 11 سبتمبر من كل عام هو الكتاب الذي أعلن براءة السيدة العذراء من تهمة الزنا التي قال بها اليهود، وهو الكتاب الذي أورد معجزة ميلاد سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام من روح الله ، قال تعالى: "وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)"– التحريم -.
فهل يعقل أن يقوم رجل دين مسيحي بحرق كتاب خصص للسيدة مريم سورة باسمها وفصّل سيرتها الطاهرة في سورة أخرى (آل عمران) واصطفاها بذكر اسمها دون الاقتران باسم آخر, وقد ورد اسمها في القرآن 35 مرة مقابل 19 مرة في جميع الأناجيل. إذاً القرآن كرم السيدة مريم أكثر مما كرمتها جميع الأناجيل. ووثق القرآن مخاطبة الملائكة لها, قال تعالى: " وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى? نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42)" – آل عمران -.
إنّ هذا القرآن الذي أحرقه القسيس المنحرف ، وقام بتدنيسه اليهود المتطرفين هو الكتاب الذي أصّل وِحْدة الأسرة الإنسانية ودعا إلى التعارف والتعايش السلمي بين الأمم ، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى? وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ? إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ? إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)" –الحجرات-.
وهو الذي يأمر المسلمين بأن يتحاوروا مع اليهود والنصارى بالتي هي أحسن، قال تعالى: "وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ? وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَ?هُنَا وَإِلَ?هُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)" -العنكبوت-. فالإسلام هو الدين الوحيد الذي يعترف ويقر بالرسالات السماوية السابقة ومنها اليهودية والنصرانية ويأمر أتباعه بالإيمان بها .كما أن القران يدعو للبحث عن المشترك الإنساني, قال تعالى: "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى? كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا" – آل عمران -.
إنّ القران الذي يزدريه الجاهلون والمتعصبون العنصريون من اليهود والنصارى هو الكتاب الذي أصّل مبدأ الاِختلاف والتنوع والتعددية ، بل جعل ذلك آية من آيات الله: "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ..." – الروم -. وقال تعالى: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ? وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118)" – هود -.هذا القران الذي يزدرونه هو أول كتاب أرسى مبدأ حرية العقيدة قبل اكثر من ألف وأربعمائة عام التي ينادي بها الغرب اليوم
بقوله تعالى: "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ..." –البقرة- وقوله تعالى: "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)" -الكافرون-.وهو الكتاب السماوي الذي يدعو المؤمنين أن يحسنوا الى غير المسلمين وأن يعاملوهم بالعدل، قال تعالى: "لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ * إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى? إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ?" -الممتحنة-.
وهو أول كتاب يرسي قواعد حقوق الإنسان ومبدء كرامة الإنسان، فقال تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" –الإسراء- وهو خطاب لجميع البشر.كما أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي يهاجمونه ويسيئون إلى سيرته هو الذي يأمر اتباعه بان يمتنعوا عن أذية النصارى واليهود. فقال صلى الله عليه وسلم "من آذى ذمياً فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله" وقال "من آذى ذمياً لايشم رائحة الجنة" والرسول محمد هو الذي قال "بأن الناس سواسية كأسنان المشط ولافرق بين عربي أو أعجمي إلا بالتقوى".وقد طبق الخليفة عمر ابن الخطاب عملياً هذا المبدء حينما عاقب إبن حاكم مصر عمرو بن العاص الذي قام بضرب قبطي لأنه تغلب عليه في السباق فجلده الخليفة عمر وقال قولته الشهيرة "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا".
البعد التاريخي للخلاف
إذا كان هذا هو القرآن وهذه تعاليم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم التي تعظم الأنبياء والرسل والكتب السماوية ومنها التوراة والإنجيل وتطهر سيرة السيدة مريم العذراء وتجعل لها مكانة عالية وفريدة وتصطفيها على نساء العالمين ، وتؤصل التسامح ، وترسي مبادئ المساواة والعدالة بين البشر بدون تمييز على أساس ديني أو عرقي أو جنسي ، وتدعوا البشرية جمعاء إلى التعايش السلمي ، لماذا إذاً كل هذه العدائية والكراهية الموجهة ضد الإسلام ومقدساته ؟ ولماذا هذا الخوف أو التخويف من الإسلام ( الإسلام فوبيا ) وهل هذه الظاهرة جديدة وطارئة في علاقة الغرب بالإسلام ؟ .إن الباحث في تاريخ العلاقة بين الإسلام والغرب المسيحي ثم الإسلام والغرب العلماني يجد أنه لا يخلو في فترات متعددة من النزاعات والصراعات بسبب تخوف الكنيسة الحاكمة في أوروبا آنذاك من ظهور الإسلام وانتشاره بسرعه فائقة بين رعاياها مما شكل تحدياً كبيراً لمكانتها الروحية والسياسية ، فقامت لمواجهة هذا الخطر بتحريض ملوك أوروبا على شن الحروب تحت راية الصليب ضد البلاد الإسلامية وهي الحروب التي عرفت في التاريخ بالحملات الصليبية.وبعد أن تحررت أوروبا من سلطة الكنيسة التي كانت تقف حائلا دون التقدم الفكري والعلمي وقامت بمحاكمة العلماء وهددتهم بالقتل ومنهم العالم جاليلو (توفي عام 1642 بعد خروجه مباشرة من السجن)، أتجهت نحو العلمانية وإنكار المسلمات الغيبية فأخذت أوروبا الجديدة تعادي ( الدين ) على اعتبار أنه يدعو إلى الجمود والتحجر الفكري ويحارب العلم والعلماء . وقد عمّمت أوروبا الجديدة هذه النظرة على جميع الأديان بما فيها الدين الإسلامي على الرغم من أن الإسلام جاء لينقض موقف الكنيسة تجاه العلم وحرية الفكر حيث شجع الإسلام وحث أتباعه المؤمنين على التفكر والتأمل والتدبر في مخلوقات الله وآياته في السماوات والأرض وما بينهما ودراسة ظواهر الطبيعة, قال تعالى: "أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ" -الأعراف- وقال تعالى: "قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ" -يونس- بل أن الإسلام جعل التعلم والتفكر عبادة وفريضة على كل مسلم ومسلمة وكرم العلماء, قال تعالى:"يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ? وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ " –المجادلة- فالإسلام هو الذي وضع مبادئ عصر النهضة في أوروبا التي تبنّاها الاوروبيون عند احتكاكهم بالمسلمين في الحروب الصليبية.ثم جاء الاستعمار الأوروبي لكثير من البلاد الإسلامية في العصر الحديث ليعمق الخلاف ويؤجج الصراع بين الإسلام والغرب . ولاشك أن قيام الغرب باغتصاب فلسطين ومنحها لليهود وإقامة دولة إسرائيل فيها ونكران حقوق الشعب الفلسطيني قد أضاف عاملاً جديداً لروح العداء بين الطرفين سوف لا تنتهي إلا بإيجاد حل عادل لهذه القضية .هذا الإرث التاريخي المثقل بسوء الفهم والخصام كان وراء ظهور اليمين الجديد العنصري المتطرف في أمريكا وأوروبا والمدفوع أيضاً بعوامل سياسية وعقائدية لإخافة الغرب من الإسلام . وهي الظاهرة التي تعرف ب (الإسلام فوبيا) التي أخذت تتنامى بشكل واسع في المجتمعات الغربية في أعقاب سقوط المعسكر الشيوعي مع مطلع العقد الأخير من القرن الماضي حيث ظهرت أطروحات تدعوا إلى التحريض ضد الإسلام والمسلمين وتصور الإسلام على أنه العدو الرئيس للحضارة الغربية بعد زوال العدو الشيوعي . من هذه الأطروحات :" صدام الحضارات " لصامويل هنتجتون ( ونهاية التاريخ ) للمفكر فوكوياما، كما صدرت مؤخراً الكثير من الكتب التي تغذي اليمين المتطرف ضد الإسلام ، منها:
1 كتاب كريستوفر كالويل، بعنوان تأملات حول الثورة في أوروبا: الهجرة والإسلام.
2 كتاب بات ياور، بعنوان أورابيا: المحور العربي الأوروبي.وهو كتاب يخوف أوروبا من أنها ستصبح تابعة للأسياد المسلمين.
3 كتاب بروس باور، عندما نامت أوروبا: كيف يدمر الإسلام المتطرف الغرب.
4 كتاب بروس باور ، اِسترضاء الإسلام والتضحية بالحرية.
5 كتاب ديفيد غوباز وبول سبيري، المافيا الإسلامية: من داخل العالم السفلي السري الذي يتآمر من اجل أسلمة أمريكا.
هذه الأطروحات والأفكار قد تبناها الإعلام الأمريكي والأوروبي بهدف تشويه صورة الإسلام وتحميل المسلمين مسئولية أحداث 11 سبتمبر 2001م لإقناع الغرب بأن المسلمين هم أعداء للحضارة الغربية الأمر الذي شجع اليمين المتطرف في أمريكا وأوروبا للقيام بسلسلة من الأعمال التي تسئ لرموز الإسلام وتستفز مشاعر المسلمين مما يدفع البسطاء منهم على اِرتكاب أعمال العنف . وللتدليل على أثر الإعلام في إثارة الكراهية ما ذكرته الحكومة السويسرية عن أسباب حظر بناء مآذن المساجد في سويسرا حيث عزت تصويت السويسريين في الاستفتاء ضد بناء المآذن إلى " تفاعل الناخبين السويسريين مع التطورات السلبية والتغطية الإعلامية الدولية للإسلام".
الخروج من دوائر الإساءة للإسلام وأعمال العنف
اشك أن ظاهرة ازدراء الدين الإسلامي والإساءات المتواترة لسيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وللقرآن الكريم والقيام بإحراقه وتدنيسه من قبل رجال كنيسة ومتطرفين آخرين متأثرين ومدفوعين بظاهرة التخويف من الإسلام والمسلمين وما تبع ذلك من إندلاع أحداث عنف ذهب ضحيتها الكثير من الأبرياء ، وتهديد الدول باستخدام القوة لحماية دبلوماسييها ورعاياها ومصالحها مما زعزع الأمن والاستقرار في العالم أجمع . واستشعاراً بخطورة استمرار هذه الظاهرة ، طرح بعض الحكماء من القادة والمفكرين مبادرات تتصدى لحملات الفكر المتطرف وأعمال العنف . فتم طرح مبادرة ( حوار الحضارات ) و ( تحالف الحضارات ).
ومؤخراً مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حول ( حوار أتباع الأديان " التي قدمها في مؤتمر مدريد العالمي في صيف عام 2008 ثم عرضها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث خاطب المجتمع العالمي قائلاً " أن الأديان التي أراد بها الله إسعاد البشر لا ينبغي أن تكون من أسباب شقائهم ، فالإنسان نظير الإنسان وشريكه في هذا الكوكب ، فأما أن يعيشا معاً في سلام وصفاء ، وأما أن ينتهيا معاً بنيران سوء الفهم والحقد والكراهية " .
مبادئ عامة للحل
إنّ معالجة هذه الأزمة والخروج من هذه الدائرة المهلكة يجب أن يكون عبر تبني المبادئ التالية :
أن يكون الأمن والسلام للجميع ، فلا يمكن تحقيق الأمن في منطقة من العالم وإغفال بقية المناطق حيث أن العالم أصبح بفضل ثورة الاتصالات والمواصلات شديد التقارب والتأثير المتبادل.إدراك حقيقة أن التحريض الإعلامي ضد الشعوب والثقافات والأديان ورموزها يؤدي حتماً إلى اندلاع أحداث العنف ضد الأبرياء والممتلكات ، حيث يستحيل السيطرة على مشاعر ملايين الناس عندما تجرح كرامتهم ويهان دينهم .من حق الشعوب أن تحتج ضد كل من يزدري بدينها وثقافتها ولكن بالوسائل السلمية ، حيث ان استخدام العنف من شأنه أن يعمق روح العداء والكراهية ويخدم دعاة العنصرية ويحقق أهدافهم. ولا نريد أن نكون كما قال الشاعر الجاهلي:
ألا لا يجهلَنَّ أحد علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلين
أن مبدأ حرية التعبير يجب صيانته وحمايته ولكن يجب أن يتم وضع تعريف دقيق له بحيث تتوقف حرية التعبير عند نقطة التعدي على حقوق الآخر, وليس في الصكوك الدولية التي تكفل حق حرية التعبير ومنها "الإعلان العالي لحقوق الإنسان" و " العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية " و " العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية " ليس في كل هذه الصكوك ما يجعل حرية التعبير أداة للإساءة على حقوق الآخرين. بل أن المادة (19) في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية تضع ضوابط لاِستخدام هذا الحق حيث جاء في هذه المادة أنه " تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في هذا العهد واجبات ومسؤوليات خاصة, وأنه بناءً على ذلك يجوز إخضاع هذه الحرية لبعض القيود لاِحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم, أو لحماية الأمن الوطني أو النظام العالمي أو الآداب العامة".
عدم قبول ازدواجية المعايير ، فلا يمكن قبول الاحتجاج بحرية التعبير للسماح بالإساءة للإسلام والمسلمين ، في الوقت الذي يتم فيه التنازل عن هذا المبدأ وتسن تشريعات تجرم كل من يشكّك في حقيقة حدوث المحرقة ( الهلوكوست ) وتجرم كل فعل أو قول يمكن أن يسيء للسامية اليهودية وهو ما يعرف ب ( المعاداة للسامية ).
العمل الجاد من قبل الدول والمنظمات الحقوقية على النطاق الوطني والدولي من خلال الأمم المتحدة وذلك لسن تشريعات وطنية ودولية تجرم وتعاقب كل فعل أو قول يسيء إلى الأديان ومقدّساتها.
لقد آن الأوان أن يتحمّل المجتمع الدولي مسؤولية الإساءة للأديان حيث أن الآثار التدميرية لظاهرة ( الإسلام فوبيا ) تكاد تتعادل مع آثار أشد الأسلحة تدميراً وخراباً لأنها تكرس روح العداء والكراهية بين الشعوب وتحرّض على العنف والعنف المضاد بما يجعل العالم بيئة مقلقة لا يشعر فيها الإنسان بالأمن والاستقرار والسلام.فكما يقول الكاردينال الألماني هانزكينج في كتابه مقاييس عالمية :
لا بقاء للبشرية بلا سلام عالمي
ولا سلام عالمي بلا سلام بين الأديان
ولا سلام بين الأديان بلا حوار بين الأديان .
وأختتم بالتأكيد على مسؤولية الأمة الإسلامية، حكومات ومنظمات وأفراد، إزاء إظهار حقيقة تعاليم الإسلام ومبادئه وإبراز الآيات القرآنية التي تؤكّد طهارة السيدة مريم واصطفائها على نساء العالمين وتظهر مكانة المسيح وجميع الرسل والأنبياء. وعلى حكماء وعلماء الأمة الإسلامية أن يعملوا لتحويل المحن إلى منح عن طريق الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ومجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن وشرح وإظهار المعايير الصحيحة التي يجب أن يتعامل بها المسلمون مع غيرهم وفقاً لقوله تعالى: "لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ? إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى? إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ..." – الممتحنة -.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنام والمرسلين.
"رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.