تبقى الآثار تاريخاً للشعوب وحافظة لأحداث الدول لاسيما في المملكة التي تعد معبراً للحضارات وحاضنة للكثير من الآثار الإسلامية، والتاريخ الذي تكتنزه أرضها، بحسب أستاذة التاريخ بجامعة طيبة الدكتورة خولة المعاعية، خولها أن تصبح معبرا للحضارات المتتالية وحاضنة لكثير من العصور التي مرت بها، إلا أن الكثير منها مهدد بالاندثار بسبب التغييرات المناخية، ما يتطلب ضرورة مواجهتها للحيلولة دون ذلك . وأضافت الدكتورة خولة أن الهيئة الدولية المعنية بالمناخ أكدت على وجود زيادة مضطردة في ارتفاع درجات الحرارة يترتب عليه ارتفاع في مستوى المياه في سطح البحر والمزيد من الرطوبة والتصحر. وفي جلسة نقاشية على هامش ملتقى الآثار بالمملكة، قالت "إن التغيرات المناخية ألحقت ضرراً كبيراً بالتراث الوطني والعالمي وهو ما أكدت عليه منظمة اليونسكو للتراث العالمي، التي حذرت من أن 46 موقعاً تراثيا مهددة بالزوال بسبب الأعاصير والرياح والتآكل بسبب الرطوبة النسبية". ويجمع خبراء أن تطبيق رؤية 2030 يجعل المملكة رائدة سياحياً وعالميا، وهو ما تتطلب ضرورة دراسة أثر التغيرات المناخية على آثار الجزيرة العربية والجهود المبذولة من جانب الهيئة العامة للسياحة والتراث والبلديات في ترميم تلك الآثار، وذلك يستدعي تكاتف جهود المتخصصين والعاملين في مجالات البيئة لإنقاذها وإعادة تأهيلها والسعي لضم المناطق التراثية السعودية لمنظمة اليونسكو للتراث العالمي لتعميق الحفاظ عليها. ويتصور الخبير الأثري الدكتور سامي عنقاوي، أن الأثار هي حافظة التاريخ للدول والشعوب، فمكةالمكرمةوالمدينةالمنورة بشكل خاص حافظة لذاكرة الأمة الإسلامية بأكملها وفي ذلك مقولة هامة للأمير سلطان بن سلمان هي "إذا كانت مكةالمكرمة قبلة للمسلمين فكيف يمكن أن نجعلها وجهة للعالمين"، وفي ذلك إشارة إلى الاهتمام بتراث تلك المدينة الحاضنة لبيت الله الحرام وكثير من الآثار الإسلامية. ويشير إلى أن الدراسات والأبحاث التي اهتمت بدراسة الأثر الإسلامي تحتاج إلى توثيق معلوماتي خاصة في أماكم المشاعر المقدسة وتوثيق الاجتماعيات والأنساب والتراث الصوتي والحركي واللهجات العربية والأزياء العربية والنسيج العمراني، فجميع ذلك يشكل ذاكرة الأمة ويحظى بأهمية المسلمين كافة، منوهاً إلى أن المدينةالمنورة أيضا لها كثير من الاهتمام بسبب أثارها التي تسجل للسيرة النبوية والأحداث التاريخية الأولى والغزوات التي نتجت عنها حضارة لم تنتهي ولن تنتهي ولها أهمية عظيمة ما يتطلب ضرورة تكاتف الجهود لتوثيقها والحفاظ عليها. وعلى الصعيد الدولي، يقول ممثل المملكة في منظمة اليونسكو للتراث العالمي السابق الدكتور زياد الدريس أن المملكة خطت خطوات هامة في مسيرة توثيق التراث السعودي في لائحة التراث العالمي بحسب اتفاقية تمت في عام 1972م للمحافظة على التراث العالمي والحفاظ عليها من العوامل التي تهددها بالاندثار ليس فقط بالتغيرات الطبيعية، ولكن بالعوامل الاجتماعية والاقتصادية أيضا والسياسية التي ظهرت بعد سنوات الربيع العربي وكان لها ضررها على كثير من الآثار العالمية في كثير من مناطق النزاع العربي. وأوضح الدريس أن الاتفاقيات الدولية المعنية بالتراث، دائما ما تؤكد أن زوال أي موقع تراثي هو معول إفقار للدول والشعوب، معتبراً أن الكثير من المعلومات الوطنية ناقصة بسبب غياب العنصر الأثري التي تفاقم وتزايد في السنوات الأخيرة، ما يضع المسؤولية على المجتمع الدولي وليس على الدول التي تنتهك فيها القيم الأثرية. ومضى الدريس يقول "لجنة التراث العالمي التي تنعقد سنويا متنقلة بين الدول الأعضاء "21" ويراعى فيها التوزيع الجغرافي وهي المعنية بتسجيل المواقع التراثية ورفضها حتى يتم عمل المزيد من الدراسات لبيان أهمية الأثر وقيمته موضحا أن المواقع العالمية المسجلة 1073 موقعاً مقسم بين طبيعي وتراثي نصيب المنطقة العربية منها لا يتجاوز 10% "، مشيراً إلى أن الأعوام الماضية لم تشهد تسجيل الكثير من المواقع الأثرية حيث لا يسمح للدولة إلا بتسجيل موقع واحد فقط كل عام، ما أضر بالدول العربية التي لم تحظى بتسجيل الكثير من آثارها لكن دون استجابة، موضحاً أن المملكة من بين الدول التي تضررت بسبب تأخرها في لائحة التراث العالمي، لكن بسعي الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني الدؤوب يتم العمل على تسجيل العديد من الآثار بالتحضير الكامل لقيمتها التاريخية. وفي ذات السياق، أكد أستاذ الآثار بجامعة الملك سعود دكتور أسامة الجوهري أن المملكة تحظى بوجود العديد من الجمعيات الخيرية التي تُعنى بالآثار وتضع العديد من البرامج للمحافظة على التراث الوطني في مقدمتها مؤسسة "التراث الخيرية" التي أسسها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز في عام 1996 وقد فازت هذا العام بجائزتين أحدهما جائزة الرواد لجهودها في تلمس السبل للحفاظ على الآثار في المملكة العربية السعودية. وأشار إلى أن مؤسسة التراث تضع في رؤيتها الاهتمام بالتراث فكرياُ وعملياً كونها عنصراُ متجددا يستمد عراقته من الماضي ليسهم في انطلاقة حضارية وتحريك الوعي الوطني والعربي والإسلامي بصفة عامة، لافتاً إلى أن المؤسسة تضع في خطة أعمالها برامج لتجديد الذاكرة الوطنية وتبني مشروعات التوثيق والترميم خاصة المساجد والمحافظة على طبيعتها القديمة. ولفت إلى تعميق ذاكرة المواطن السعودي كان وما يزال رغبة حثيثة لمؤسسة التراث الوطني التي قامت بإصدار وطباعة العديد من الكتب العربية والتراجم العالمية بينها كتب لمستشرقين عالميين، مضيفاً أن من اهتمامات المؤسسة العمل على تعميق التوجهات البحثية والدراسية للمتخصصين في مجالات الآثار. وفي السياق ذاته أكد الخبير الأثري الدكتور عادل إسماعيل أن المملكة لديها أثر هام هو السكة الحديد بالمدينةالمنورة التي يعود تاريخ انشاؤها لبدايات القرن التاسع عشر فهي أحد المشاريع التراثية المحورية في المدينةالمنورة تم انشاؤها بسبب المعاناة التي كان الحجاج يلاقونها في رحلات الحج والعمرة وتستغرق الوقت الطويل موضحا أن المملكة سعت من خلال توجهاتها للحفاظ على التراث العربي والإسلامي إلى ترميم وتوثيق هذا المعلم الهام. وأضاف الخبير الأثري أن مشروع إعادة الترميم ساعد في إظهار المعالم الأثرية المختلفة منذ البناء الأول وحتى اليوم في المبنى الرئيسي والمباني المساندة وخط السكة الحديد والقاطرات والمحيط العام بالمشروع الذي بدأ في عام 2001 واستمر تنفيذه ما يقرب من خمس سنوات كاملة وذلك على ثلاث مراحل في دراسة فازت بجائزة الأمير سلطان بن عبد العزيز.