منذ سنوات وحتى الآن يبقى اليوم الذي تقام فيه مباراة بين فريقي الهلال والنصر يوما ليس ككل الأيام فهو حدث استثنائي إرباكي مصيري يتأجج فيه الشارع حماسا وترتفع فيه حدة التوتر والترقب فتبقى العيون متابعة والقلوب متأهبة، أما الشوارع فتكاد تخلو من الحركة طيلة فترة المباراة وبعد انتهائها يشتعل فتيل الخلافات بين مشجعي الفريقين التي توقدها تصريحات إدارة الفريق المهزوم بعدم الرضا عن الأداء أو التحكيم فتبدأ السجالات ويستمر المتعصبون بتراشق التعليقات حتى بعد المباراة بأسابيع ولربما شهور. وبما أنني لست متعصبة فلم يكن لدي مشكلة مع المتعصبين إطلاقا بل بالعكس فقد كنت أستمتع بمراقبة النقاشات الكروية التعصبية بين مشجعي الفريقين ولطالما أضحكتني خفة دم بعضها لأنني أعرف تماما أن اختلافهم لن يفسد لودهم قضية وأنها في النهاية كرة قدم وأنهم سيجلسون لا محالة جنبا إلى جنب في المدرجات حين يلعب منتخبنا السعودي ضد فريق آخر. أما اليوم فقد بدأ التعصب يشكل هاجسا حقيقيا وذلك حين اختلف نوعه تماما وأصبح أكثر خطورة فتعدى ملاعب كرة القدم ومدرجاتها واستديوهاتها التحليلية إلى مساحات مذهبية وثقافية فتغذت عليه تياراتها لتصبح الخلافات والنزاعات بينها أشد عمقا واحتقانا وأكثر تهديدا لواقعنا. وبتعدد المواقف والقضايا ارتفعت السجالات والأصوات واحتدت الكلمات فغاب القارئ المنصف المتعقل والمستمع المنصت المتفهم. ورفع الستار عن المشهد الدائر حاليا واتضحت لنا الرؤية أكثر مما يحصل من صراعات بين هذه التيارات تفاقمت واتسعت رقعتها أخيرا لانهيار جسور التفاهم وفقدان أخلاقيات الحوار. وأصبحت اللغة المتبعة لإثبات وجهات النظر لا تتم إلا بتشويه الأشخاص وبالثأر وتصفية الحسابات حتى وصلت إلى سبر أغوار النيات مع تعنت وأنانية صارخة ومحاولات مستميتة لإلغاء أي صوت مخالف. فهذا يشكك في عقيدة ذاك وهذا يصف الآخر بالتطرف والرجعية وآخر يشكك بوطنية خصمه و..،و..،و.. صور عديدة مؤلمة نسفوا فيها كل معاني اللحمة والوحدة والمصير المشترك ونسوا أن الأرض والدين واحد. إن الأجراس تدق وصوتها يرتفع يوما بعد يوم لتنذر بمواجهات قاسية في ظل ازدياد التعصب وإقصاء الآخر. ورغم حدة هذه الصدامات اليوم إلا أنه لا يزال الأمل بأن تكون سببا ليقظتنا، فالفرقة طاعون الشعوب والأوطان يفتك بها فيذرها ضعيفة متهالكة أما التفهم وتقبل الآخر فهو الوسيلة للقوة والاستقرار والتقدم، فنحن وإن كثرت التصنيفات «سعوديون مسلمون فقط!». حكمة صينية «التناغم هو الذي يضمن الإبداع والنجاح وليس التماثل».