يؤكد معالي المهندس خالد الفالح وزير الصحة القادم من أرامكو السعودية بكل ما تعنيه هذه الشركة من قوة هيكلها واقتصادها وإدارتها وتطلعاتها وتمددها وسعيها إلى الجودة والكمال وأنها تملك مستشفى نموذجيا متكاملا كان تشد إليه الرحال، مما يعطي الأمل في قدرته على التعامل مع هذه الوزارة التي أتعبت كل من سبقه. يقول معالي الوزير إن سقف طموحات المواطن أعلى من إنجازات الوزارة وذلك خلال تفقده للخدمات الصحية في القصيم.. الحقيقة هي ليست طموحات بقدر ما هي حق معلوم يتمثل في الحصول على سرير فلازال المجتمع يعاني من نقص في عدد أسرة المستشفيات ويحتار المواطن في حالة مرضه كيف يجد سريرا يحتويه فعبارة (نأسف لا يوجد سرير ) عبارة صادمة لنفسيات المرضى وذويهم. لتبدأ رحلة بحث مضنية عن سرير شاغر تستخدم فيها كل الواسطات والرجاءات والمعارف وحب الخشوم وتقبيل الكتوف فليس هناك أسوأ من المرض على المريض وأهله. في المقابل ينام على أسرة المستشفيات مرضى تشافت حالاتهم وانتهت فترة علاجهم وأخذوا حقهم من الرعاية الصحية، ولكنهم يتوسلون البقاء فيه فترة أطول من أجل المزيد من الراحة والحصول على الخدمة المجانية واستقبال الأهل والأصحاب. صدمني أحدهم وهو يتوسل الواسطات لتبقى زوجته في المستشفى أياما أخر بحجة أن هناك بعض الصديقات قادمات لزيارتها، وأن بيتهم غير جاهز لاستقبالهن وأن العاملة المنزلية مسافرة، والأفضل أن تبقى في المستشفى (حتى تقطع علائقها) شرحت له أن طلبه مستحيل فليس هناك من جديد طبيا يقدم لزوجته كما أن هناك مرضى آخرين على قائمة الانتظار في حاجة ماسة إلى سرير زوجته التي من الله عليها بالعافية وأن تأخير يوم واحد يعني تأخير العديد من المرضى وبعضهم لا تتحمل حالته الانتظار، وقد تكون أنت وزوجتك سببا في موته أو مضاعفة آلامه أو حتى تفاقم حالته. لم يقتنع بكلامي وأسقطني من قائمة أصدقائه وذاكرة هاتفه، على شاكلته آخرون يرفضون مغادرة المستشفى بحجة أنهم مقطوعون من شجرة فلا أحد يعتني بهم كما حدث في مستشفى ينبع العام إذ تمسك مريض بالبقاء في غرفته رافضا الخروج منها لعدم وجود أقارب له أو منزل يسكن فيه وذلك بعد أن أدخل المستشفى قبل 6 أشهر وتم تنويمه وإعطاؤه العلاج اللازم وعندما شفي تماما رفض الخروج واستولى على الغرفة وسكن بها ويقوم بالخروج يوميا من المستشفى للتنزه ويعود ثانية ليأكل ويشرب وينام وقد تم إبلاغ الشرطة عنه لإخراجه.. كما ذكرت عكاظ حالة سيدة تبلغ من العمر 84 سنة وهي منومة في المستشفى منذ 4 سنوات وليس لديها أحد للعناية بها وترفض الخروج من المستشفى ولم يأتِ أحد لاستلامها.. مريض ثالث أوردت حالته الوطن بأن الأطباء أوصوا بخروجه منذ عامين ولكن أهله رفضوا استلامه رغم تعافيه واستقرار حالته وكل ما يحتاجه هو رعاية منزلية، إضافة إلى حالات أخرى كثيرة تشغل أسرة المستشفيات وتأبى المغادرة تحت رفض أهل المريض استلامه لعدم الرغبة في تحمل عبء تمريضه في المنزل كما أن هناك 30% من أصحاب الحالات الحرجة كحوادث المرور المتزايدة وكبار السن والميؤوس من شفائهم يشغلون أسرة المستشفيات لأعوام طويلة، يشارك في خلق هذه المشكلة المواطن الذي يملك ثقافة خاطئة في حب البقاء والتمسك بسرير في المستشفى الذي يعالجه متناسيا أن هناك من هو في حاجة ماسة لسريره مما يساهم في تباعد المواعيد والتكدس ومن ثم السخط وعدم الرضى. ويصبح الأمر أكثر معضلة في المستشفيات التخصصية والمرجعية مثل مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث الذي تزداد الشريحة السكانية التي تتطلب خدماته العلاجية التخصصية إلا أن بعض أسرته لازالت مشغولة ببعض المرضى لشهور وأعوام طويلة قد تتجاوز الخمس سنوات لا يحتاجون فيها إلى أي علاج تخصصي، اللهم إلا عناية منزلية فيتركون في المستشفى حتى يتوفاهم الله أو يجعل لهم مخرجا. وهذه للأسف (ثقافة مجتمع) فأهل المريض يصرون على بقائه في المستشفى تحت أي ذريعة حتى وإن بدت عليه علامات الصحة والعافية، من هنا يأتي الضغط على المستشفيات التي تعاني أصلا من نقص الأسرة. الأمل معقود على وزير الصحة في أن يطبق ما وعدت به وزارته سابقا (سرير لكل مريض). فما تقدمه الدولة للقطاع الصحي من ميزانية تبلغ المليارات سنويا وتحتل المرتبة الأولى في بنودها، نحن أمام وزير نثق في قدراته وخبراته وتمكنه في أن يحل معضلة هذه الوزارة العصية على الحل، أن يضع الخطط السريعة والفعالة للقضاء على كافة المشكلات والمعوقات، ولعل من أهمها إنشاء مستشفيات الرعاية التلطفية الممتدة لتقديم العناية الطبية اللازمة ومراقبة حالات هؤلاء المرضى الميؤوس من شفائهم والقابعين في الغيبوبة والمقعدين من الحوادث وفق برنامج يحفظ لهم آدميتهم ويخفف مصابهم بدل شغل أسرة المستشفيات لسنوات وما يتبعه من هدر للميزانية، ويتم ذلك بالشراكة مع أصحاب رؤوس الأموال والتجار ومؤسسات القطاع الخاص تحت إشراف الوزارة حتى لا تكون تجارة، فالوطن وأبناؤه أولى بالعمل الخيري فالدولة قد أخذت على عاتقها هذه المهمة في الخارج..