صاحبيطض هذا لا يستطيع أن يكف عن الضحك.. إنه ينشق على أيامه الحزينة.. والبائسة ويضحك.. وتحل به الكوارث.. والمصائب وتحاك ضده المكائد.. ويخرج من تحت الأنقاض كالعفريت الأزرق وينفض عن رأسه وجسده الغبار.. ويضحك.. ويشهد النصال والخناجر تصوب إلى ظهره من الخلف.. فينتزعها بهدوء تام ويقذف بها تحت قدميه ويبتسم ساخرا «إنها لا تدمي» ويمضي في حال سبيله يقفز حقول الأشواك.. ويجتاز المخاطر والأهوال.. ويقف على حافة المأساة الكبرى ولكنه لا يسقط لأنه يضحك !!. هذا الرجل الضاحك.. ليس مخلوقا خرافيا هابطا من كوكب آخر.. إنه إنسان بسيط مضاء من الداخل خلقه الله هكذا.. متفائلا .. متسامحا مبتسما.. لا يحقد.. ولا يغضب.. ولا يكره أحدا.. لقد دفعه زمنه إلى العديد من الزوايا المظلمة فاعتاد الرؤية في الظلام.. ووقف تحت أشعة الشمس الحارقة فلم يحترق، ومارس كل الأفعال الحسنة والشائنة في ضوء النهار كسائر البشر المميزين.. والصادقين.. والمعذبين في الأرض. لقد أخطأ كثيرا.. وأصاب كثيرا وانتعل كل أيامه البائسة والحزينة والسعيدة.. وامتلأ بها وامتلأت به.. لقد عاش حياته بالطول والعرض.. عاش طويلا أكثر مما يجب.. وهو لا يدري إن كان الضحك يطيل العمر أو يقصر.. الأجل.. لقد وجد نفسه هكذا يضحك بسبب وبلا سبب.. عندما زوجوه عنوة وغصبا من فتاة بدينة لا تكف عن المضغ والأكل.. قال ضاحكا وساخرا لأمه: ماذا فعلتِ يا أمي من إثم حتى تزوجوني هذه القنبلة البشرية!! ولم ينم في ليلة عرسه إلى جوارها وعندما سألوه لماذا تركت عروسك..؟ قال ساخرا : لقد خفت أن تنفجر وتحل كارثة بهذه المدينة في زمن المتفجرات.. وهو مسالم.. وصابر ومحتسب وقد عاش مع هذه المرأة البالغة الأذى سبعين عاما.. حتى توفاها الله.. وهو يجزم أنه أكثر جلدا واحتمالا من نيتشه مع امرأته «سالومي» التي كانت تضربه بالنعال صبح مساء.. وهو يعتقد أنه لو قدر له الدخول إلى الجنة مرفوع الرأس بحسناته فسيكون السبب بكل تأكيد صبره على تلك المرأة التي لا تطاق.. وعندما سار في جنازتها كان يضحك وتعجب الناس.. كيف يضحك في موكب الدفن.. أما هو فقد كان يعرف أن امرأته قد توقفت تماما عن العض.. والمضغ والصراخ. لقد ماتت قبله وهو الذي كان يعتقد أنه أقرب إلى القبر منها.. كان يدنو من الموت.. والموت يبتعد عنه.. وتلك إرادة الله وحكمته.. وهو يروي كيف فكر ذات مساء حزين أن يقذف بنفسه من بلكونة منزله في الدور الخامس.. هربا منها ولكن يدها القوية امتدت كالقضاء والقدر لتنتشله من الموت.. وهكذا عاد من موته الجديد إلى موته القديم لتعذبه عشرة أعوام أخرى.. وأخيرا جاءه الخلاص، فلماذا لا يضحك.. عم «صابر البحر» لازال يعيش في حي العيدروس رأيته يوم أمس متكئا في مركازه تحت شجرة النيم العتيقة يجتر نرجيلة الجراك.. اقتربت منه لأعزيه في زوجته ابنة الفران.. فأجابني ضاحكا: عقبالك يا نص !!. سبحان من خلقه ضاحكا وخلقنا.. ولا أزيد. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 254 مسافة ثم الرسالة