هل يمكننا أن نتخيل عالم اليوم بدون وجود إمكانية البحث في محتوى الإنترنت؟ إن كل ضغطة واحدة على زر «بحث»، تغير من واقع الحياة لشخص ما، حيث تساهم في زيادة الإنتاجية أو الكشف عن معلومة جديدة أو زيادة القدرة على الوصول إلى الشخص المطلوب أو الشركة المقصودة، أو زيادة الشفافية في أسعار السلع المعروضة في الأسواق.. إلخ، وهي أمور يتم نسبتها إلى الإنترنت بصفة عامة ولكنها في حقيقة الأمر لا يمكن تحقيقها دون الاعتماد على محركات البحث، والتي تزداد أهميتها وأثرها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية يوما بعد يوم حتى أنها أصبحت تشكل حجر الزاوية في استخدامات فضاء الإنترنت. ولكي نعرف حجم هذا المارد الذي لا يزيد عمره عن عقدين من الزمان، والذي تسلل إلى حياتنا فأصبحنا دون أن ندري لا نستغني عنه، فيكفي أن نعرف أن المكاسب السنوية لشركات البحث في محتوى الإنترنت مثل جوجل وياهوو وغيرها تبلغ مئات المليارات من الدولارات، وأن 90 % من مستخدمي الإنترنت أي حوالي 1.7 مليار شخص يستخدمون محركات البحث، وينفقون 10 % من وقتهم على الإنترنت في عمليات البحث، وأن عدد عمليات البحث السنوية في محتوى الإنترنت يبلغ 1.6 تريليون عملية، ويبلغ حجم المحتوى على شبكة الإنترنت الذي يتم الوصول إليه بواسطة محركات البحث 25 % من إجمالي المحتوى. ورغم أن أكثر من ثلثي سكان الكرة الأرضية لا يملكون اتصالا بالإنترنت إلا أن العديد منهم يستخدمون خاصية البحث في محتوى الإنترنت من خلال وسيط. ففي الهند على سبيل المثال تقوم شركة جوستديال بتلقي حوالي ربع مليون طلب يومي من خلال الهاتف لإجراء البحث في الإنترنت. وإذا علمنا أن هناك حوالي تريليون موقع جديد يتم فهرستها بواسطة محرك بحث جوجل سنويا، فإننا ندرك مدى أهمية أن يكون محرك البحث ذكيا وسريعا في الوصول إلى ما نبحث عنه من المعلومات وسط هذا الكم العظيم من المواقع بما تحويه من حجم هائل من المحتوى بأنواعه المختلفة، والذي يبلغ حجمه تريليونات الجيجابيت، وهو الحجم الذي يجعل محركات البحث المتخصصة والتي يطلق عليها «الرأسية» مثل أمازون أو إي باي تزداد أهميتها يوما بعد يوم. وعندما يبحث المرء عن معلومة ما على الإنترنت فإنه يضيف بعدا جديد لعملية البحث، وذلك حين يترك دون أن يدري معلومات تستخدمها محركات البحث الذكية في تحسين دقة وسرعة البحث، فهو يسجل عن أي شيء يبحث، كما يسجل وقت البحث والسياق الذي تتم فيه عملية البحث، مثل الصفحة التي يتم زيارتها قبل عملية البحث وبعدها، وهذه المعلومات يتم استخدامها بواسطة محركات البحث الدلالية التي تحاول فهم نوايا الباحث من أجل الوصول إلى نتائج أكثر دقة، كما يتم استخدامها بواسطة الشركات لتوجيه المحتوى الذي يمكن إضافته أو الإعلانات التي يتم نشرها على الإنترنت بحيث يقعان في دائرة اهتمام الباحثين. وقد أضاف استخدام الهواتف الذكية والأجهزة النقالة في عمليات البحث بعدا جديدا يزيد من دقتها، وذلك بعد أن أصبحت البيانات الشخصية التي يتم اقتناصها منها تستخدم بواسطة محركات البحث لشخصنة عمليات البحث، أي لجعلها أكثر تعلقا بشخص الباحث، كما كان للشبكات الاجتماعية على الإنترنت مثل فيسبوك وتويتر إضافة كبيرة في هذا الشأن، وخصوصا إذا علمنا أن عدد مشتركي الشبكات الاجتماعية الذين يستخدمونها للبحث عن المحتوى يزداد يوما بعد يوم، ففي أمريكا على سبيل المثال بلغ عدد الذين يستخدمون الشبكات الاجتماعية للبحث عن المحتوى 30 %، كما بلغ عدد من يستخدمونها للبحث عن الفيديو 21 % وذلك من إجمالي عدد مستخدمي الإنترنت. ورغم ذلك فإن البحث من وجهة نظر كثير من الباحثين لا زال يعتبر في مراحله الأولى، فالبحث عن الصور والفيديو لا زال يعتمد على البحث النصي عن اسم الملف أو الكلمات المفتاحية، كما أن البحث عن صورة بلغة من اللغات وترجمتها إلى لغة أخرى لا يزال في بداياته، ولذا فستستمر محركات البحث في التطور، ويستمر معها تحليل ما يبحث عنه الناس في فضاء الإنترنت، وذلك لفهم توجهات المجتمعات وتغيراتها المستقبلية في كافة المجالات مثل البطالة والطلب على السلع الاستهلاكية وأسعار الأسهم وغير ذلك. وسيزداد الدور الذي يجب أن يلعبه واضعو السياسات تجاه هذا المارد الذي يتعاظم أثره يوما بعد يوم، وذلك بما يثيره من قضايا المحافظة على الخصوصية وحق المؤلف والتعدي على العلامات التجارية والرقابة على المحتوى، وهي أمور ينبغي مواجهتها بما يلزمها من تشريعات تتواءم مع هذا العالم الافتراضي. * عضو مجلس الشورى أستاذ المعلومات جامعة الملك سعود