رؤية الأجيال    الديوان الملكي: وفاة الأمير منصور بن بدر بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أصبحت مستهدفات الرؤية واقعًا ملموسًا يراه الجميع في شتى المجالات    تفريخ نعام بعد انقراض 100 عام    "الشؤون الإسلامية" ترصد عددًا من الاختلاسات لكهرباء ومياه بعض المساجد في جدة    وزيرة الدفاع الإسبانية: إسبانيا ستزود أوكرانيا بصواريخ باتريوت    «الدفاع الروسية» تعلن القضاء على ألف وخمسة جنود أوكرانيين في يوم واحد    منتخب اليد يتوشح ذهب الألعاب الخليجية    ريال مدريد يهزم سوسيداد ويقترب من التتويج بالدوري الإسباني    ميشيل: سعيد بمباراتي ال100 مع الهلال    الاتحاد يخسر بثلاثية أمام الشباب    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    "السينما الصناعة" والفرص الضائعة    المخرج العراقي خيون: المملكة تعيش زمناً ثقافياً ناهضاً    بكين تحذّر من «تدهور» العلاقات مع واشنطن    ميشايل يواصل نثر سحره مع الهلال    د. عبدالله العمري يستنطق «ذاكرة النص» وفضاءات نقد النقد    المنتخب السعودي يودع كأس آسيا تحت 23 عامًا    جازان.. سلة الفواكه    النفط ينهي سلسلة خسائر أسبوعية مع النمو الاقتصادي واستمرار مخاوف الإمدادات    الذهب يرتفع مع تباطؤ الاقتصاد الأميركي وانتعاش الطلب    وزير الثقافة يرفع التهنئة للقيادة بتحقيق رؤية السعودية 2030 عدة مستهدفات قبل أوانها    محمد بن عبدالرحمن: طموحات وعزيمة صادقة    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    توافق مصري - إسرائيلي على هدنة لمدة عام بقطاع غزة    إغلاق جميع فروع منشأة تجارية بالرياض بعد رصد عدة حالات تسمم    10 أحياء تنضمّ للسجل العقاري بالرياض    «مكافحة المخدرات» تقبض على شخصين بالقصيم لترويجهما مادة الإمفيتامين المخدر    "الأرصاد": لا صحة لتعرض المملكة لأمطار غير مسبوقة    ترميم قصر الملك فيصل وتحويله إلى متحف    نائب وزير الداخلية يرأس وفد المملكة المشارك في المؤتمر الأول لمكافحة الاتجار بالمخدرات    "أملج".. حوراء على ضفاف البحر الأحمر    السعودية تحصد ميداليتين عالميتين في «أولمبياد مندليف للكيمياء 2024»    الأحوال المدنية: منح الجنسية السعودية ل4 أشخاص    «الحج والعمرة»: احذروا شركات الحج الوهمية.. لا أداء للفريضة إلا بتأشيرة حج    الأرصاد: لا صحة عن تأثر السعودية بكميات أمطار مشابهة لما تعرضت له بعض الدول المجاورة    خطبتا الجمعة من المسجد الحرام و النبوي    الشاب عبدالله بن يحيى يعقوب يعقد قرآنه وسط محبيه    خادم الحرمين يوافق على ترميم قصر الملك فيصل وتحويله ل"متحف الفيصل"    أعمال نظافة وتجفيف صحن المطاف حفاظًا على سلامة ضيوف الرحمن    كيسيه: لم نتوقع صعوبة المباراة.. ولن نفرط في أي نقطة    إصابة مالكوم وسالم الدوسري قبل مباراة الهلال والفتح    "واتساب" يتيح مفاتيح المرور ب "آيفون"    "المُحليات" تدمِّر "الأمعاء"    مقامة مؤجلة    هوس «الترند واللايك» !    صعود الدرج.. التدريب الأشمل للجسم    تقنية مبتكرة لعلاج العظام المكسورة بسرعة    التنفس بالفكس    افتتاح المعرض التشكيلي "الرحلة 2" في تناغم الفن بجدة    نائب امير منطقة مكة المكرمة يهنئ القيادة الرشيدة نظير ماتحقق من انجازات كبيرة وتحولات نوعية على كافة الاصعدة    مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الامير خالد الفيصل يهنئ القيادة نظير ماتحقق من مستهدفات رؤية 2030    الصحة: رصد 15 حالة تسمم غذائي في الرياض    تفكيك السياسة الغربية    خلط الأوراق.. و«الشرق الأوسط الجديد»    مقال «مقري عليه» !    تشجيع الصين لتكون الراعي لمفاوضات العرب وإسرائيل    التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن وكالة الأونروا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«السياسة» في أحاديث اللقاءات والمجالس !
نشر في عكاظ يوم 28 - 07 - 2019

إذا سلمنا بأن: «السياسة» هي: الإدارة العليا للبلاد -أي بلاد- فإن من البدهي القول: إن هذه الإدارة تؤثر في كل كبيرة وصغيرة، في المجتمع، وفي حياة الناس العامة؛ أي أن أمور الإنسان العامة، منذ ولادته وحتى وفاته، تديرها -بشكل مباشر وغير مباشر- السياسة، وسواء بطريقة سليمة ونزيهة، أم بعكس ذلك، فهي تديرها علي أي حال. وعندما يهتم أي إنسان بأمور بقائه وأمنه وصحته وتعليمه ورفاهه، ومستقبله ومستقبل أبنائه وذويه... إلخ، فإنما يهتم بالسياسة، في مجتمعه وفي غيره، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن حيث يدري أو لا يدري، يرغب أو لا يرغب. إن الحديث في الشأن العام يعنى: التطرق للسياسة - بصفة أساسية. ويندر أن لا يكترث إنسان راشد بالشأن العام الذي يعنيه. لذلك، غالبا ما لا يخلو أي لقاء بين شخصين راشدين أو أكثر، من حديث تلقائي في الشأن العام (السياسة).
وقد أسفر الانفتاح المجتمعي، والتقدم العلمي والثقافي، الذي شهدته بلادنا والعالم في العقود الأخيرة عن تزايد أعداد المتعلمين والمثقفين، ونشوء «ظاهرة» جديدة - قديمة، ملحوظة، هي ظاهرة المجالس الدورية، المنظمة، وشبه المنظمة، إضافة إلى اللقاءات العفوية. وهي ظاهرة توجد بين الذكور بصفة أساسية. و«المجلس» الذي نقصده هنا، هو مفرد «مجالس»، ويمكن تعريفه بأنه: التقاء مجموعة من المعارف والأقارب والأصدقاء (ربما يتراوح عددهم بين 5- 30 شخصا) بشكل دوري، أو عفوي، في وقت محدد (غالبا من بعد صلاة العشاء إلى قبل أو بعد منتصف الليل بقليل) بدارة أحدهم، أو حتى في مكان عام؛ وهو لقاء تجديد للصداقة والمودة، والتسلية، والنقاش في الأمور والمسائل التي تهم المجتمعين، وتشغل بلادهم وعالمهم.
ويسمي البعض المجلس ب«الديوانية»، التي تسمى باسم مستضيفها، أو باسم اليوم المحدد لها، من أيام الأسبوع. وقد انتشرت هذه الظاهرة في كثير من البلاد العربية، لأسباب يأتي في مقدمتها -كما قلنا- التطور العلمي والثقافي في هذه البلاد وغيرها، ومحدودية وسائل وأماكن التسلية العامة، وقلة المنتديات العلمية والثقافية العامة، والرغبة المتزايدة لدى مرتادي هذه المجالس، للتنفيس عن أنفسهم، ولقاء أحبائهم، واستعراض آرائهم، وسماع ردود الفعل عليها، وكذلك آراء الآخرين، في ذات المواضيع والمسائل، على رشفات القهوة والشاي، وغيرهما.
****
وهناك مجالس (أو دوريات) تقام لتزجية الوقت -بصفة أساسية- وخاصة في ألعاب عدة، تتقدمها لعبة «البلوت»، وتدخين «الشيشة»، والأحاديث الهامشية. وبعد ذلك ينفض السامر، ليعاودوا الاجتماع في ذات الموعد، في الأسبوع التالي. وهناك الآن دوريات شهيرة، في كل مناطق المملكة تقريبا. والواقع، أن «مستوى» النقاش (الفكري) الذي يدور في كل من هذه المجالس واللقاءات، يعتمد على: مدى علم وثقافة الأعضاء المجتمعين. والعلاقة بين المتغيرين (مستوى المناقشة، وثقافة الأعضاء) هي علاقة طردية. كلما ارتقى المستوى الثقافي والعلمي للمنتديين، ارتفع مستوى النقاش، وتصاعدت فائدته، وانتشرت أصداؤه، والعكس صحيح. وعندما يتم الحوار في أطر سليمة، فان الآراء المختلفة تهذب، ويقوّم أي اعوجاج فكري فيها، ثم تتبلور، وينزع منها الغلو والشطط. ويمكن اعتبار «محصلة» نقاش المجالس -ذات المستوى الثقافي والعلمي المتقارب- خلاصة الرأي العام السائد، تجاه القضايا المعينة. أو -على الأقل- الرأي العام للشريحة الاجتماعية التي يمثلها أعضاء تلك المجالس.
****
نعم، يمكن معرفة «الرأي العام» للفئة المجتمعة، سواء كان اجتماعها دوريا، أو عفويا. ولعل من أبرز ما يلاحظ على هذه اللقاءات وما يدور فيها من نقاش وأحاديث، يمكن اختصاره فيما يلي: -
1) ضعف «تنظيم» كثير من هذه المجالس، وانعدام المنهجية الواضحة والمحددة للمناقشة، فغالبا لا تعرف المواضيع -أو الموضوع- الذي سيناقش مسبقا، ومن يتحدث، ومن يناقش... الخ. الكل -تقريبا- يتحدث، وببعض الإسهاب، وأحيانا في وقت واحد. ولكن هذا أمر طبيعي، يفرضه اللقاء العفوي والأخوي غالبا للمجتمعين.
2 ) غلبة الشأن السياسي (العام) على أحاديث أغلب هذه المجالس. وهذا أمر طبيعي أيضا تفرضه ماهية السياسة (الشأن العام) وطبيعتها وتأثيرها الملموس على كل جوانب الحياة الدنيا. تطرح شتى المواضيع والمسائل. ولكن، غالبا ما تطغى مواضيع الشأن العام من لحظة لأخرى. ويلاحظ أن هذه المواضيع تناقش بحذر، غالبا ما يفقد النقاش موضوعيته وصحته، حتى أنه كثيرا ما يظن المرء أنه يستمع لمنبر إعلامي.
3 ) ورغم هذا الاهتمام (الطبيعي والتلقائي) بالشأن العام، يلاحظ وجود تدنٍ واضح في درجة «الوعي السياسي»، بين بعض الحاضرين، أو جلهم، ينعكس (بالسلب) في أحاديثهم، وما يطرحونه من أفكار، وهذا التدني في «الوعي السياسي» -بين بعض المتعلمين والمثقفين- هو ظاهرة عامة مزعجة، في معظم المجتمعات العربية، الأمر الذي كثيرا ما يجعل «محصلة» هذه المناقشات والحوارات غير دقيقة.
وكثيرا ما يصعق المرء، عند الاستماع إلى بعض المتعلمين، و«المثقفين»، وهم يفسرون ويشرحون بعض «المفاهيم» و«الأحداث» السياسية، بما يعتقدون أنه صحيح. فالبعض -على سبيل المثال- لا يفرق بين «الدولة» و«الحكومة». والبعض لا يعرف «أنواع» الحكومات، وما يترتب على قيام كل نوع. وآخرون يحصرون «السلطة» -جهلا- في شخص «رئيس» الدولة، في كل بلد.. وعند البعض، فإن «الديمقراطية» هي اختراع غربي مغرض، أما «الديكتاتورية»، فالغالبية لا تعرف حقيقتها وطبيعتها، وإن كان لدى الغالبية هذه شعور بأنها شيء غير طيب.. وما إلى ذلك.
****
والخلاصة، أصبح الإلمام بألف باء السياسة وأساسياتها ضرورة ملحة لكل متعلم ومثقف. فلا بد لكل متعلم ومثقف من رفع مستوى وعيه السياسي، لدرجة معقولة تتناسب مع ما لديه من علم وثقافة، وتتلاءم مع مستوى الوعي السياسي العام الإقليمي والعالمي الراهن. والواقع، إن ثقافة أي إنسان لا يمكن أن تكتمل إلا إن ألم بأساسيات السياسة. وربما يفي كتاب في «مبادئ علم السياسة»، وآخر في العلاقات الدولية، وثالث في الفكر السياسي، بهذا الغرض، ويحقق لقارئهم الخلفية السياسية المطلوبة، كحد أدنى.. فقليل من الاطلاع في هذا المجال يساعد في فهم كثير مما يجري حولنا.
إن هذه اللقاءات والمجالس، يعكس ما يدور فيها «الرأي العام»، بصفة عامة، نحو قضايا الساعة؛ سواء المحلية أو الإقليمية، أو العالمية للفئة المجتمعة، وتتطرق تلقائيا وعفويا للسياسة. وهي -بصفة عامة- ضرورة (توعوية)، وظاهرة إيجابية،حتى إن ظل يشوب أغلبها هذا التدني الملحوظ في الوعي السياسي، واكتنف سير النقاش فيها حذر مبالغ فيه.
* كاتب سعودي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.