صَادَقَ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يوم السبت الماضي على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، القاضية بتبعية جزيرتي تيران وصنافير للمملكة. صدر هذا في مرسوم جمهوري، بعد أن أقر البرلمان المصري الاتفاقية بأيام.. وكانت المملكة قد صَادَقت على الاتفاقية وأقرها مجلس الوزراء بمراسيم ملكية، في وقت سابق. بهذا الإجراء السيادي والقانوني تُطوى (رسمياً) صفحة الجدل حول تبعية الجزيرتين، استمر لأكثر من 67سنة، منذ أن وافقت المملكة في عام 1950 على طلب الحكومة المصرية استخدام الجيش المصري للجزيرتين لتأكيد عروبة خليج العقبة، للحؤول دون تدويل الخليج بمنع استخدام إسرائيل للمضيق، بعد أن نجحت باحتلال قرية أم الرشراش المصرية (إيلات) حالياً في 10 مارس 1949. في حقيقة الأمر: استقر سلوك وتوجه الحكومات المصرية طوال 67 سنة، على أن الجزيرتين سعوديتان.. ولم يحصل، حتى في أوج توتر العلاقات بين البلدين أن كانت قضية سعودية الجزيرتين مثارا لأي خلاف بين الحكومتين.. واقتصر الجدل حول المسألة حصرياً، في الأوساط المتخصصة، خاصة في الجانب المصري، الذي يسوده الإجماع بأن الجزيرتين سعوديتان. عدا ما يصدر من آن لآخر من «أطالس» جغرافية لأغراض تعليمية، في البلدين تظهر الجزيرتين مرة في هذا الجانب وتارةً في الجانب الآخر... الأمر الذي لا يشكل أية قرائن ذات قيمة قانونية أو فنية تنال من تبعية الجزيرتين للمملكة. وإن كانت السلطات المصرية، من آن لآخر تصدر بعض الإجراءات الإدارية، في حدود التواجد المصري (المؤقت) في الجزيرتين، غير المأهولتين، بموجب تفاهمات 1950، دون أن يترتب على ذلك أية تداعيات قانونية أو جغرافية، تنال مما استقر عليه الوضع رسمياً في القاهرة تجاه تبعية الجزيرتين للرياض. من ناحية القانون الدولي، يمكن أن يكون الإجراء الوحيد الذي ربما يثير جدلاً: اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية 1979، حيث جاءت الجزيرتان، ضمن المنطقة (ج)، في إطار الاتفاق العسكري بين البلدين لتمركز الجيش المصري في سيناء، وكانت المملكة في حينها قد أكدت على سعودية الجزيرتين بمذكرة أودعتها الأممالمتحدة، ولم تعترض على تلك المذكرة في حينها، لا مصر ولا إسرائيل. سلوك تواتر في السياسة الخارجية السعودية، طوال فترة إدارة الحركة العنيفة للصراع العربي الإسرائيلي، حيث كانت المنطقة أحد مسارح ذلك الصراع العنيف، حيث تبودلت فيه السيطرة الفعلية على الجزيرتين من قبل مصر وإسرائيل، دون أن يمس ذلك الحقوق السيادية للمملكة على الجزيرتين. وإن كانت المملكة، عند توقيع اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين (8 أبريل 2016)، قدرت حساسية وضع القاهرة في علاقتها بتل أبيب، بعدم أخذها أي إجراء من شأنه الإخلال بالتزامات مصر تجاه اتفاقية السلام مع إسرائيل، في ما لا يمس ممارسة المملكة السيادة الكاملة على الجزيرتين. قد يكون الإشكال هنا، كما يرى الكثير من المراقبين في توقيت اتفاقية استعادة المملكة للجزيرتين، في ظروف سياسية غير مواتية تمر بها مصر، عقب «ثورتي» (25 يناير 2011) و(30 يونيه 2013)، تمخض عنهما شكل من أشكال التوتر السياسي بين الحكومة والمعارضة، أثار هذا الجدل الصاخب في مصر، بتداعياته الشعبوية والقطرية، ما كان له أن يتطور بهذه الحدة، لو أن الأوضاع السياسية في مصر كانت مستقرة، كما كان الأمر أثناء تفاهمات (1950).. وعندما أودعت مصر 1990 بالأممالمتحدة إحداثيات حدودها البحرية في خليج العقبة، حيث جاءت الجزيرتان ضمن أراضي المملكة. ثم بعيداً عن الجدل القانوني والسيادي، تاريخياً كانت الجزيرتان، من أيام الفراعنة وحتى نهاية الخلافة العثمانية، تابعتين للجزيرة العربية، ومن يحكمها. جغرافياً: تشير الطبيعة التضاريسية للجزيرتين، بمياهها المرجانية الضحلة، إلى امتداد جيولوجي بالجزيرة العربية، تفصلها مياه مضيق العقبة العميقة أكثر من 200م، لتبدأ بعده من الجهة الغربية سواحل شبه جزيرة سيناء، التي تختلف جيولوجياً كليةً، عن تلك التي تتكون منها جزيرتا تيران وصنافير. إلا أن الجدل في مصر حول الجزيرتين لن يغلقه تصديق الرئيس المصري على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة. مع ذلك، في كل الأحوال: مهما كان شكل الحكومة في مصر، فإنه لا يمكن إطلاقاً عمل شيء مخالف لما أقدمت عليه حكومة الرئيس عبدالفتاح السياسي. فالعلاقة بين البلدين أمتن من أن تنال منها قضية محسومة قانونياً وتاريخياً وجغرافياً. كما أن ما أقدمت عليه الحكومة المصرية، هو شأن من شؤون السيادة المخولة لها دستورياً، الذي يجب ألا ينال من صيغة الفصل بين السلطات في النظام المصري. حتى لو ذهب ملف القضية، لمحكمة العدل الدولية، طبعاً بموافقة الدولتين، ما كان يمكن أن تذهب المحكمة في حكمها، غير ما تم الاتفاق عليه بين الدولتين، بموجب اتفاقية أعالي البحار (1958)، التي تستوجب إيداع إحداثيات الدول المعنية في تعيين حدودها البحرية بالأممالمتحدة، وهو ما اعتمدت عليه اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين (2016)، لا على أي جدل قانوني أو سياسي، أو حتى تاريخي. حقائق الجغرافيا.. ومنطق التاريخ.. ومرجعية السيادة، واتفاقية جنيف لعام 1958 بشأن قانون البحار، جميعها تؤكد: أن الجزيرتين سعوديتان.