أناقش اليوم معكم أعزائي حالة احتضار قل من تطرق لها إما خوفاً من نقد أو عدم قدرة على رسم صورة واضحة تفسر واقعاً نعيشه. يجب أن نتفق أولاً لنستطيع تصور المنظر بوضوح وكأننا على قمة جبل بأن شكل الإعلام قد تغير نهائياً ولا رجوع للوراء ؛ حتى وإن حاول مشاهير ومؤثرين الإعلام القديم محاربة تفشي (اللون الجديد) للإعلام والذي يتميز بسرعة انتشاره وجاذبيته الطاغية للجمهور، وعند مراجعة تاريخ شكل الإعلام منذ بداية القرن الماضي نجد أن هناك تشابه لحالة الاحتضار التي يعيشها الإعلام القائم على التلفاز أو مايعرف (بالستالايت ) وأوجه هذه الحالة ومظاهرها تتضح؛ أولاً بعزوف شريحة كبيرة جداً من مشاهدي القنوات المنقولة عبر الأقمار الصناعية وتحولهم للمشاهدة عبر الأجهزة الذكية. ثانياً بقاء كثير من البرامج والمحتوى فيها على نفس المظهر التقليدي الذي لا يجذب خاصةً الجيل الجديد من الشباب ولا يلبي رغباتهم في مقابل مايلبيه لهم إعلام التطبيقات المبني أساساً على الإنترنت ؛ وثالثاً وهو الأهم التنافس في السرعة! حيث إن عامل السرعة يخسر فيه بطبيعة الحال إعلام القنوات المتلفزة، كيف لا ؟ والجمهور المشاهد بجميع الأعمار وجميع التوجهات، وجميع الثقافات، يعيش حالة ضخ كبيرة وسريعة جداً للمعلومات، والأخبار العالمية، وهي بين يديه، فبالتالي يبحث هذا الجمهور على ما يغذي حاجاته من الإعلام بجرعة كبيرة ليستطيع من خلالها مواكبة الأحداث العالمية والمحلية بشكل يتناسب مع السرعة. وعندما نعود بالزمن للخلف قليلاً؛ لنقارن وجه الشبه في حالة الزخم الموجه من الجمهور نحو مشاهير المرحلة الزمنية وأسلوب الإعلام للمرحلة، نجد قديماً أن الأنظار والشهرة والنجومية وتوجه المال الإعلاني نحو برامج ونجوم المذياع (الراديو) ؛ ثم بعد ذلك تحول تدريجياً هذا الزخم نحو كل ما يمكن أن يحتويه التلفاز المبني على الأقمار الصناعية (الستالايت) من مذيعين وبرامج ومسلسلات ونجوم ، حتى سحب البساط من المذياع وبالتالي سحب المال المغذي له، ولم يتبقى إلا مستمعي الطريق ( في السيارات) والمستمعين كبار السن الذين اعتادوا عليه. الآن تتشابه حالة الاحتضار تماماً مع التلفاز المنقول فضائياً وكأن التاريخ يعيد نفسه، نسب مشاهدة ضعيفة وبالتالي ضعف المال الموجه نحو القنوات ومشاهيرها. وهنا إذا اعترفنا بكل ما سبق من مدلولات ومؤشرات للاحتضار سنسلم بالتالي بقرب (الموت دماغياً) لهذا النوع أو الشكل الإعلامي ويبقى فقط تساؤل متى سيتم سحب أجهزة التنفس الاصطناعي من هذا المحتضر؟ ومتى سيقرر فريق طبي إعلامي كبير ذو نفوذ إطلاق (رصاصة الرحمة ) على المحتضر؟. ومن خلال القراءة السابقة سيتبادر لذهن القاريء سؤال جوهري، ماهو التعامل الأمثل في هذه المرحلة ؟. الجواب هو في وجوب وضع خطط تراعي عدة اعتبارات يتم تنفيذها من جهات مخولة بذلك. أولها محاولة إيقاف الحرب الخفية التي تمارس على (الشكل الجديد) للإعلام ، بحجة وجود محتوى سيء ينافي قيمنا وعاداتنا وثوابتنا. لأن وبكل بساطة هذه الحرب تقدم خدمة مجانية تقدر بملايين الريالات لمشاهير ونجوم التطبيقات أو (الميديا)؛ وهذه الخدمة هي الإعلان عنهم وبالتالي زيادة حجم نجوميتهم وذلك بسبب فضول الجماهير لمعرفة المزيد عن هذا المشهور ومتابعته ومعرفة تفاصيل حياتة؛ ليصل هو لأهم أهدافه (زيادة عدد متابعيه). أليست هذه خدمة مجانية تقدر بالملايين لهذا المشهور؟ أليس من الأولى أن يدفع ثمنها هو؟. أتعجب حقيقة من معدي ومذيعي بعض البرامج والعقلية التي تجعلهم ينجمون خصومهم في المهنة أليس فيهم رجل رشيد ؟!. ثانياً العمل وبسرعة ومن جهات إعلامية عليا ذات نفوذ على زرع أو استقطاب نجوم أو مشاهير (الشكل الإعلامي الجديد) وهم مشاهير التطبيقات ليقوموا هم بمحاربة المحتوى السيء لبعض المشاهير الذي حاربه الإعلام المتلفز بكل سذاجة، وأن يكون الاستقطاب ليس من فئة واحدة بل يكون استقطاباً أفقياً وعامودياً. أما الأفقي يراعي عدد المشاهدين للمشهور، والعامودي يراعي توجه المشهور الإعلامي ونوعيته والشريحة المجتمعية المتابعة له وبجميع الفئات العمرية. يحيث يمكن أن يكون ذلك المشهور صاحب عدد مشاهدات قليلة ولكن أكثر متابعيه من المراهقين فيتم استقطابة لأنه ضمن الاستقطاب العامودي. ومع مرور الزمن سنجد أننا ضاعفنا عدد الأجسام المضادة( كريات الدم البيضاء) التي تحارب كل فكر أو عادة دخيلة على قيمنا وعاداتنا وثوابتنا مع بقاء (المحتضر ) القنوات الفضائية للمشاهدين عابري السبيل الذين يعبرون من خلال صالات الجلوس في منازلهم ويلمحون قناة قد فتحت منذ ساعات، ولم يشاهدها أي شخص من أفراد الأسرة لانهم وبكل بساطة قد انشغلوا عنها بأجهزتهم الذكية (كبيرهم وصغيرهم)، وأن تبقى أيضاً للجيل القديم الذي تعود على قنواته ولم يقتنع بتغير شكل الإعلام الحديث.