أولاً، لنتفق: هل للفقراء حقوق مالية شرعية حتى نتحدث عنها، أو نطالب لهم بها؟ أتوقع أن الجميع متفقون على أن لهم حقوقاً، لكن عند من محفوظة هذه الحقوق؟ محفوظة في القرآن العظيم، في قول الله تعالى: “خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا". في كل دول العالم يوجد أغنياء، حتى الدول التي تُصَنَّف على أنها فقيرة، يوجد بها أثرياء فاحشو الثراء. إذن أين تكمن المشكلة؟ هل تكمن في صالات الاجتماعات وقاعات المؤتمرات والصناديق الصناديد؟ كنت مقيماً في إحدى الدول الأوروبية، فلاحظت تزايد مطالبتهم لي بدفع ضرائبَ على كل شيء أقتنيه، فسألت أحد زملائي، ما دهاكم، كلما تحركت يميناً أو يساراً طالبتموني بدفع ضريبة، فأجاب إجابة مختصرة، مازلت أتأملها إلى هذا اليوم، وقد اشتعل الرأس شيباً، قال: ألا تملك أنت مالاً؟ قلت: بلى! قال: “إذن كيف تريد أنت العيش، ولاتريد الفقراء يعيشون معك! هذه الضرائب ننفقها على فقرائنا". ديننا الإسلامي يأمرنا بأن نأخذ من أصحاب الأموال صدقة (معينة) كالزكاة المفروضة أو (غير معينة) كصدقة التطوع، لتُطهِّر الأغنياء من دنس الطمع والبخل على الفقراء البائسين، وتُزكِّي أنفسهم لينمو فيها حب الخير، فترقى لبلوغ السعادة الاجتماعية في الدنيا، والأزلية في الآخرة. وكان يدرس معي زميلٌ من “جامايكا"، وكانت تكاليف الدراسة عالية، وهو من ضمن العاطلين في بلاده، فسألته: من يدفع لك هذه المبالغ؟ قال: حكومتي! قلت: كيف وهي ضعيفة مادياً؟ قال: “يدفعها التجار المستثمرون في بلادي". وأنا أكتب هذا المقال، تذكرت حجم مداخيل مؤسساتنا وشركاتنا ومستثمرينا الأجانب، وتذكرت حجم التحويلات التي تغادر إلى خارج البلاد، وقد تجاوزت في العام الماضي (105) بلايين ريال، دون أن يستفيد منها أحد .