في مدخل الحمراء كان لقاؤنا ما أطيب اللقيا بلا ميعاد عوضاً عن كل شعره ، يجمع النقاد والمتابعون بان هذه القصيدة النزارية من أجمل وأصدق ما كتبه نزار قباني فيما يخص مجد عروبته وأمته بعد ما طويت صفحات حضورنا المشرق في الأندلس وغدت جهود الفاتحين أثراً بعد ان كانت حضارة ملء السمع والبصر , وهنا لست بصدد الحديث عن نزار وجميل أشعاره فلتلك رواية أخرى ، بل كنا في زيارة أنا ومجموعة من الزملاء العرب ضمن برنامج في إدارة موارد المياه في الولاياتالمتحدة مؤخراً فاستوقفنا جميعاً مسمى لجمعية زراعية في مدينة الباكيركي في ولاية نيومكسيكو الأميركية التي يقطنها غالبية من السكان الأصليين في أميركا « الهنود الحمر « وبعض ممن هاجروا إلى تلك الديار من الأسبان بعد تسجيل اكتشافها ، فكان اسم الجمعية كيف السبيل إلى توثيق مثل تلك المعطيات التي وهبها العرب للعالم فضلاً عن مجرد استعادة حقوقها بعد أن ظل الاستيراد همنا وديدننا في كل العلوم والمقتنيات , فتلك مهمة لا بد أن ينبري لها الباحثون وأصحاب المهمات العلمية وتدعمها الجامعات لمجرد حفظ حقوق الأمة وتراثها ومفقودات حضارتها « Acequia Association « وهو اسم عربي صريح « الساقية « أما لماذا هذا الاسم فكان أحد الحضور من الناشطين في تلك الجمعية والمهتمين بالتاريخ يتحدث لنا عن جذور السكان هناك المرتبطة بالعرب وحضارتهم الكثيفة بمعطياتها وكيف نقل الأسبان خبرات الري وطرق الزراعة من العرب إلى هنا ، ويذكر أن مسمى الساقية يشير إلى طرق الري المعتمدة على انسيابية المياه بفعل الجاذبية الأرضية وفقاً لميول مناسيب الأرض وهي الترع أو « الثبارة « المعروفة محلياً لتداول مخصصات مياه الري بين المزارع , وهي في الأصل منقولة من الجزيرة العربية و من بلاد اليمن ثم الشام والأندلس ، وهكذا نقلها الأسبان إلى أمريكا عند اكتشاف كريستوفر كولومبس لتك الأراضي عام 1492م , بل ان محدثنا يقول ان العديد من المحاصيل الزراعية تم نقلها أساساً من بلاد العرب إلى هنا حيث لا يزال العالم أجمع يسمي أبرز أصناف الذرة باسم « الذرة الشاميّة « والتي تغطي معظم الأراضي الزراعية في المناطق الوسطى من غرب الولاياتالمتحدة وتعتبر من أهم المحصولات في العالم الآن ، وتأتي في مقدمة موارد الطاقة بالنسبة لوجبات الإنسان ، كما تؤدي دورًا رئيسيًا في غذاء المواشي والدواب وتستخدم في كثير من الصناعات , ويؤكد محدثنا ذو السحنة الأسبانية المشربة بسمرة العرب أن الذرة من المحاصيل التي نقلت أساساً من أرض العرب ، وعموماً كان مجرد التعرف على أصل مسمى الساقية العربي لتلك الجمعية وطبيعة الممارسات الزراعية والمحاصيل التي شاهدناها يبهج النفس ويحملها إلى مراتب الفخر حتى لتكاد مشاهداتنا تنطق بالعربية , ولو نطقت لربما بكت كمداً وحسرة على تاريخ صناع حضارتها المفقودة والتي ذهبت نهباً بين الأمم دون أن تقيد حقوقها لهذه الأمة وليظل جرح المعاناة والفقد نازفاً على ما فرطت فيه الأجيال من إرث الأجداد وحضارتهم , ولكن كيف السبيل إلى توثيق مثل تلك المعطيات التي وهبها العرب للعالم فضلاً عن مجرد استعادة حقوقها بعد أن ظل الاستيراد همنا وديدننا في كل العلوم والمقتنيات , فتلك مهمة لا بد أن ينبري لها الباحثون وأصحاب المهمات العلمية وتدعمها الجامعات لمجرد حفظ حقوق الأمة وتراثها ومفقودات حضارتها التي لم ترصد . ويكمل نزار في بعض قصيدته .. قالت هنا الحمراء زهو جدودنا فاقرأ على جدرانها أمجادي أمجادها ومسحت جرحا نازفا ومسحت جرحا ثانيا في فؤادي ياليت وارثتي الجميلة أدركت أن الذين عنتهم أجدادي . Twitter @nahraf904