الحكومات العربية أساءت للإعلام الحكومي وأفقدته مصداقيته عند الناس عبر احتكارها لبرامجه ومخرجاته، فكان يعبر عن رأي واحد فقط وهو صدى صوت المسؤول، وأصبح الإعلام الحكومي يرى بعين واحدة هي عين الإنجازات والمدائح عبر رسائل مباشرة تقدم بطريقة فجة تستخف بذكاء الملتقى. وهذه نتيجة طبيعية عندما تخلط مابين «الإعلام» و»الدعاية»، فتحول منظومتك الإعلامية إلى بوق دعاية يُسبِح بمجدها النفعيون الذين يجيدون فنون التطبيل. وهؤلاء المطبلون يبحثون عن مصالحهم الخاصة، فالمطبل المحترف يدق طبوله على آخر أغنية سمعها من مكتب المسؤول، ويتاجرون بالناس باسم مناصرة قضاياهم، فصار القانون الذي يستحضره منسق دعوات الضيوف: ( للمطبلين فقط )، مع قائمة طويلة من الأسماء في القائمة السوداء افتقدوا مهارة الضرب على دفوف المديح. وهذا أورث ردة فعل عكسية بعد دخول الإعلاميين غير الحكوميين على الخط، وصرنا نبصر في أحيانٍ كثيرة إعلاماً ناقما لا يرى إلا بعين واحدة هي عين الإخفاقات والسقطات ، والحقيقة ضاعت مابين «الأعورين» وتاه المشاهد بين التقزيم والتضخيم. مهمة الإعلاميين في الدول العربية مشوهة، فالحكومة تنظر إلى الإعلام على أنه عدو أو مطية !!، فمتى تفهم الحكومات أن الإعلاميين شركاء حقيقيون، وليسوا متطفلين حضروا إلى مأدبة الوطن دون دعوة. يتحدث الإعلاميون العرب عن الحرية وسقفها، والمشكلة في حقيقتها تكمن في الثقة باستخدام هذه الحرية ولذلك يكون الكبت خوفاً من سوء استخدام هذه الحرية، فالأزمة في حقيقتها أزمة ثقة لا أزمة حرية. الإعلام موجه للناس ولذا يجب أن يحترمهم لا أن يستغلهم، فالتضليل الإعلامي خيانة للشعب وجريمة بحق الإعلام النزيه، والإعلام الجديد بنبضه غير المفتعل صار هو السلطة الخامسة على السلطة الرابعة. ووسط هذه الصراعات والتفاعلات الإعلامية يكثر الحديث عن الحيادية في الإعلام ما بين مشرق ومغرب وتعريفي الخاص للحيادية هي: ( الانحياز للمشاهد فقط ). ووزير الإعلام في كل بلد عربي يقع عليه مهمة جسيمة في ضبط الإعلام ما بين القيم والمصالح العليا، وستكون القوانين الإعلامية إيجابية إذا اعتبرنا أن الدولة هي المظلة العليا لكل مكونات البلد التي يفترض أن تكون خادمة للمواطن، وهذه المكونات هي المؤسسة التشريعية والحكومة التنفيذية والسلطة القضائية والمنظمات المدنية والجهات الإعلامية، فوزير الإعلام الحكيم هو من يرتقي بإعلام الحكومة ليكون إعلام دولة يستوعب جميع المكونات الخمس تحت الدولة العليا، ووزير الإعلام غير الحكيم هو من يستنسخ تجربة الدول القمعية فتكون مهمته سكرتيراً للأجهزة الأمنية، ويحول مدراء المحطات إلى ضباط مباحث بدلاً من أن يكونوا صنّاع إبداع.