مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي من تصميم شركة سنوهيتا «Snohetta» النرويجية وهو من المباني المفضلة لدي، وذلك بسبب ما سوف يقدمه للمجتمع من برامج ثقافية وقدرته على إحداث فرق إيجابي في عالم الإبداع، والسبب الآخر والأقرب إلى تخصصي هو بسبب تصميمه المعماري الأخاذ، وسوف أركز هنا على جوانبه المعمارية. يعتبر مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي معلما يضع المنطقة الشرقية على خارطة العمارة المعاصرة بكل قوة. فمنذ زمن طويل لم يكن لدينا مبنى بأهميته وجودة تصميمه ليستحق الذكر أصلا. أما في المركز فيفوق المستوى الجمالي والتقني للمبنى كل المقاييس المعروفة محليا؛ حيث إنه لا يوجد على الإطلاق مبنى يقترب منه في المستوى الإبداعي في المنطقة الشرقية، سواء كان الإبداع تصميميا أم هندسيا. قد لا تتسع المساحة هنا للتطرق لجميع الجوانب المعمارية، إلا أنني سوف أذكر أبرزها، وما لفت نظري، لعلنا نقف على بعض تفاصيله الأخرى في مقالات لاحقة. يجمع المركز عددا من الأفكار التصميمية والتي بتداخلها وتطابقها تعزز من قيمة المبنى المعمارية والفنية. فالمركز يدمج بشكل فعال مبادئ فلسفية مع أشكال جريئة ومؤثرة وتقنيات متقدمة وكأنه يغطي جميع الأصعدة في تصميم غني ومثرٍ. تتميز كتلة المبنى الخارجية بالشكل المستوحى من الأحجار على أنها ارتباط جيولوجي بالأرض ليسرد قصة تاريخ البترول. تكوين الأحجار متفاوتة الأشكال والأحجام جاء بشكل إبداعي بحيث يختلف شكل المبنى حسب زاوية النظر. حجران منها لهما مزايا خاصة أحدهما هو الحجر الطويل ويسمى برج المعرفة ويحوي 18 طابق والحجر الثاني هو حجر صغير معلق بشكل فني وهو «حجر العقد» «keystone» وهذا هو ما يتوسط العقد ويدعمه. وإن كانت فكرة الأحجار ترتبط بنا إلا أن فكرة حجر العقد بالتحديد يظهر به تأثر المعماريين بالتضاريس النرويجية حيث مقرهم كون النرويج لديها حجر شهير اسمه كيراجبولتين «Kjeragbolten». تم لف وتغليف الكتل الحجرية بأنابيب معدنية متصلة يتم ضغطها عند الفتحات لإدخال الإضاءة دون انقطاعها والجميل كذلك هو أن لهذه الميزة الخارجية استمرارا في الداخل حيث نرى نفس الكتل ومعالجتها في الداخل تخترق الجدران المستقيمة. تم تقسيم المبنى أفقيا من حيث الوظيفة على أنها طبقات جيولوجية أيضا، فنجد الماضي المتمثل بوظيفة المتحف والأرشيف في أسفل الأدوار ويليها طابق يمثل الحاضر به المسرح والسينما والقاعة متعددة الاستعمالات والأفنية الخارجية ويليها المستقبل الذي يحوي برج المعرفة والمكتبة. يمتاز المبنى كذلك بالتباين الذي يثري العمارة ويكسر رتابة التصميم فالكتل غير المنتظمة تتداخل مع الجدران المستقيمة والمواد الباردة كالمعدن تتباين مع دفء جدران الطين المضغوط المستقيمة والتي تحيط بالفراغ المركزي. وإن كانت الكتل الأساسية المحددة للشكل هي الأحجار إلا أنه من الصعب وصف أي فراغ فيه بشكل معين. فلا نستطيع القول إن قاعة ما مربعة أو مستطيلة الشكل وهذا في نظري شيء إيجابي حيث تدعو الفراغات غير المنتظمة للخيال والاستكشاف وبمعنى حرفي الاستكشاف «خارج الصندوق». الفراغات الداخلية المؤدية إلى وظائف المبنى لها ميزة بأنها إن صح التعبير تتدفق أي بها «flow» وهي تجعل المستخدمين يتحركون ويستكشفون الفراغ المتغير باستمرار أمامهم. كل موقع جديد وزاوية نظر تغير الفراغ وتعيد صياغته وتدعو لفهمه مجددا بطريقة أخرى. أحد أهم مقومات نجاح العمارة هو الدور الذي يلعبه العميل وهنا لا بد من الإشادة بأرامكو السعودية ذات الرؤية الطموح والجرأة في التوجه حيث خرجت عن القالب النمطي المألوف لتطلب تحفة معمارية تتعدى جمالياتها الشكل الخارجي وتتغلغل بعمق في كل تفاصيل المبنى إذ نجد المعالجة والاهتمام يشمل جميع أجزائه دون أن تتسم بالرتابة بل أعطت كل عنصر وظيفي حقه في تكوينه وكلها مجتمعة في تناغم مريح. عندما نصمم اليوم علينا أن نصمم للمستقبل، لجيل مستقبلي واحتياج مستقبلي وهذا ما حدث هنا بالفعل ونتطلع لما سوف يأتي به هذا المستقبل.