قدر المملكة منذ قيامها ألا تمرّ تجاربها التنموية دون أن يكون هنالك ما يكفي من المعطلات، وقدرها أيضا أن تكون هي أبدا من يصفح ويسامح ويتكابر على الآلام والمماحكات التي تبرم ضدها، لأنها اعتادت ألا تضمر غير الخير للآخرين، وتاريخ المملكة يؤكد أن أيّا من خططها التنموية لم يعبر في مناخ هادئ، وبما يمكنها من استخدام كلتا يديها في بناء نهضتها، وتأمين مستقبل شعبها، حيث كان هنالك على الدوام ما يستدعي التأهب لصد عدوان محتمل أو خطر قادم، ممن يغيظهم أن يروا بلدا بمثل هذا الحجم والقدرات وهذه المساحة، وهو يتجاوز كل المتاجرين بالعناوين ليصنع نهضته بنفسه، ويؤمن لأبنائه كل هذه الواحة الوارفة من الأمن والأمان، رغم تغولات الإرهاب ومنظماته، ورغم كل العواصف العاتية التي مرت بها المنطقة، وأراد البعض لها أن تكون ريحا تقتلع استقرار هذه البلاد، متجاهلين طبيعة العلاقة الراسخة بين القيادة والشعب، والتي فوتت الكثير من المؤامرات، والعبثيات، لأنها علاقة تقوم على نمط وحدوي خاص، لا يزال حلم الأمة كلها، قبل أن يحققها الملك المؤسس رحمه الله، ويعزز بناءها، لتكون الأنموذج الذي يحلم العربي أن يراه كحاوية جغرافية لتطلعاته في بناء قوته الذاتية. وفي هذا الإطار تعرضتْ المملكة للكثير من الإساءات، والكثير من العمليات الإرهابية المدبرة في ظلمات الجوار غير البريء، وكذلك الكثير من محاولات الاستدراج لجرها إلى نفق الشقاق والخصومات والالتهاء عن العمل التنموي، لكنها ولأنها كانت تعي كل ما يدور حولها، وما يُبيّتُ لها، فقد استخدمت يدا للبناء، ويدا للبقاء على الزناد حماية للأمن والاستقرار، كي لا تتيح الفرصة للمغرضين لإخراجها من برنامجها التنموي التراكمي الذي ظل منذ عهد المؤسس، وحتى الساعة يأخذ خطه التصاعدي، وإن اختلفت الصيغة والرتم وفق متطلبات العصر وأدواته، ولعل الصورة القائمة اليوم، والتي تتصدى فيها المملكة لحماية أمنها وأمن الأمة والإقليم من عبث العابثين، ثم قدرتها على إطلاق رؤيتها الطموح (السعودية 20230) والتي بدأت ملامح استثماراتها عبر استثمار 3.5 مليار في «أوبر»، كل هذا يؤشر على دخول هذه الرؤية حيز التنفيذ، والإقلاع باتجاه آفاق النهضة الشاملة التي ستحيد النفط، وتجعله مجرد سلعة ضمن قائمة طويلة من أذرع الاستثمار المجزي، يحدث هذا في الوقت الذي تتصدى فيه المملكة باليد الأخرى لجرائم النظام الإيراني المتمثلة في إدانة القضاء لخلية العوامية المرتبطة بالمخطط الإيراني، الذي يريد أن يصرف الأنظار عن هذه الطامة الإرهابية بافتعال مشكلة حول الحج بمحاولة تسييسه، ليوهم شعبه أن المملكة هي التي تمنع وصول حجاجه إلى الديار المقدسة، ولا أحد يعرف كيف سيسوق نظام طهران لهذه الأكذوبة أمام توافد كافة ضيوف الرحمن من كل أصقاع الأرض دون أي عائق، ورعاية المملكة لهم بأقصى وأنبل أدبيات الوفادة.. ومع هذا فالمملكة التي تحطمتْ على صخرة عدالة مواقفها كل المؤامرات والمكائد، قادرة بقوة الله على المضي قدما في ثبات رؤيتها ونقل شعبها إلى قمم الرخاء والرفاه، كما هي قادرة تماما بنفس الوقت على حماية مكتسباتها بكل جدارة.