بالرغم من الاختلاف بين طرق تفكيرنا نحن العرب والمسلمين وطرق تفكير الأوروبيين، إلا أن مفارقات الوضع الدولي والموسوم بشكل عام بتداخل المشاكل العالمية، يجعل التساؤلات حول آفاق الخروج من الأزمات التي تعصف بالجميع، مجتمعات ودولا، تتشابه شكلياً على الأقل. وبما أن روسيا موجودة في العديد من الأزمات بنظام سياسي محكم لا هو بالديمقراطي الغربي ولا هو بالشمولي السوفييتي، أصبح مهندس هذا النظام فلاديمير بوتين هو المشكلة وهو الحل في إطار (السياسة هي العمل وفق الممكن) وإذا كان الأمر كذلك، يصبح تساؤلنا نحن العرب والمسلمين حول ما يخبئه بوتين لنا مشروعاً حتى لو كانت إجاباتنا «معروفة» بحكم طريقة تفكيرنا القائمة على الثبات في التحليل والممارسة. أما الأوروبيون الذين يطرحون نفس السؤال فمنقسمون حول الإجابة ويعملون على صياغة المواقف المحتملة للرئيس الروسي المتمكن حالياً من إدارة روسيا بل والذي يحظى بدعم قطاعات واسعة من الشعب الروسي وأكثر من ذلك بدعم النخب الروسية النافذة في النظام السياسي القائم. هم- الأوروبيون- يحللون نقاط الضعف والقوة فيما يخبئه لهم بوتين في المستقبل القريب والمتوسط والبعيد ونحن نكتفي بالعلاقات «التاريخية» مع الاتحاد السوفييتي. هم يؤججون الإعلام ضد بوتين ونظامه القمعي ضد الديمقراطية وحقوق الإنسان ويتغنون بإفلاس دعواته العرقية لأخوة السلاف في بلدان أوروبا الشرقية وآخرها الإعداد لانضمام أوكرانيا لحلف الناتو. لكنهم وفي نفس الوقت يفرقون بين الضروري الممكن والممكن المؤجل. في ظل الأزمة الأوكرانية وتبادل الأسرى بين المتمردين وحكومة كييف، يلتقطون الفرصة لعقد اجتماع قمة بين ميركل الألمانية وهولاند الراكض في كل مكان وفلاديمير بوتين. بوتين يخبئ الكثير لهم وكذلك هم يخبئون له الكثير، لكنها لعبة السياسة التي يجيدونها ويجيدها كذلك بوتين رغم الضجيج الإعلامي حول ضعفه. تقول الباحثة الفرنسية نينا باشاكتوفا- أفضل باحثة في الشئون الروسية على حد تعبير مستضيفتها على قناة تي. في. فايف الفرنسية معلقة على آراء المحللين الفرنسيين ما يلي: أعتذر من الزملاء الذين يراهنون على ضعف بوتين واحتمال «إذعانه للمطالب الأوروبية فهو شخص برجماتي بعكس التصور السائد عنه. كما أنه يتمتع بدعم شعبي عريض. لقد ذهلت وأنا أتجول في الريف الروسي وأنتظر مشاعر الاستياء من الفلاحين، فأجد الإجابات واضحة بأن لا شيء يزعجهم وقد تجاوزوا مشاكل كبرى ولديهم الاستعداد لتدبير أمورهم بغض النظر عما سيحدث من عقوبات وغيرها. بوتين لن يفعل شيئاً مثيراً وسيلعب بورقة الانتظار على مشاكل الأوروبيين ويتعامل بالقطاعي والجماعي وفق ما يخدم تصوراته وما يخدم تصورات الآخرين التي لا تلحق ضرراً به». وحول تدخل بوتين في الشئون الداخلية لدول الاتحاد الأوروبي وتشجيعه ودعمه لأحزاب اليمين المتطرف (منح قرض من بنك روسي لحزب الجبهة الوطنية المتطرفة)، وهل يمثل ذلك موقفاً إيديولوجياً لبوتين؟، تجيب الباحثة الفرنسية بسخرية بأن بوتين ليس لديه إيديولوجية بقدر ما لديه من مواجهة العمل الفج بمثله. لسان حاله يقول أنتم أيها الأوروبيون تدعمون المعارضة لدينا بحجة الدفاع عن الديمقراطية ونحن ندعم «التعددية السياسية لديكم». زبدة القول هو أن ما يخبئه بوتين للأوروبيين هو نسبياً نفس الشيء الذي يخبئه الأوروبيون له بنسب متفاوتة من الكسب والخسارة بين نظامين رأسماليين أحدهما يأخذ بالعولمة المركزية «الأمريكية»، والآخر بتعدد المراكز. هذا هو المهم فيما يخصنا وما يخبئه بوتين لنا. في بلداننا ليس هناك لا أمريكا ولا روسيا ولا بوتين ولا أوباما، وقد تكون مرحلة ما بعد الربيع العربي مواتية للتعامل مع الطرفين بعيدا عن أية دعاوى تاريخية أو أيديولوجية أو أي شكل من أشكال العودة لطرق التفكير والسلوك لأنظمة تهاوت، مهما كان بريق «استقرارها» لا يزال في وجدان بعض النخب في وجدان شريحة كبيرة من شعوبنا المبتلاة بالتفكير ذي البعد الواحد. * كاتب وباحث