ها نحن عدنا إلى الفصل الدراسي مرة أخرى بعد عدة إجازات مبعثرة هنا وهناك!. وعندما اسمع كلمة دراسة أتذكر بعضا من الأسماء التي مازالت عالقة في ذهني منذ كنت طالبا من كثرة ما سمعنا ودرسنا نظرياتهم، ومن هؤلاء العالم الفيزيائي نيوتن. وهو بلا شك من أبرز العلماء عبر العصور في الفيزياء والرياضيات، وهو رمز من رموز الثورة العلمية. ونيوتن ثاني شخصية في قائمة المائة العظماء الخالدين الذين اختارهم مايكل هارت في كتابه المئة الأوائل. هذا العالم يتربع على عرش الفيزيائيين القدامى والجدد وكلهم يعتبرون عالة عليه، وقد قال يوما: لقد أصبرت بعيدا لأني أقف على أكتاف العظماء. ولكن الجزء الذي لا يدرس لنا وهو مهم جدا أن حياته الشخصية لم تكن سهلة، فشهرة نيوتن لم تأت بالحظ، ولم تأت إليه وهو جالس في بيته ينتظر أن يتنزل عليه الإلهام الفيزيائي. اننا دائما نسمع الخبر النهائي للنجاح أو الجانب المشرق السعيد، ولا نسمع التفاصيل الأخرى والتي كان فيها الكثير من البذل والمعاناة، والفقر المدقع وآلام من سنين الصبر. إننا نعرض قصصهم لنُري المجتمع فقط الجانب المضيء للقمر، فيتخلى الشباب عن أحلامهم لأنهم ببساطة يعتقدون أن ظروف الحياة لتلك الشخصيات كانت مهيأة لهم. وهذه من الأسباب التي تجعلنا نخسر العشرات من أمثال نيوتن من أبنائنا وبناتنا لأننا لم ننقل لهم القصة كاملة وبجوانبها الصعبة. وهنا يأتي دور المعلمين والمربين في إعطاء جزء من القصة للطلاب حتى ولو لم يكن ذلك من ضمن المنهج الدراسي لأننا بذلك نرفع من عزائمهم، ونجعل الشخصية أكثر واقعية. وليس المقام هنا لسرد قصص ولكنها وقفات على عجل لعلها تفتح نافذة للتفكير مجددا في أسلوب طرح الشخصيات العلمية المؤثرة في التاريخ. حين ولد نيوتن كانت القابلة تعتقد أنه لن يعيش إلا ساعات معدودة لأن جسمه كان ضئيلا جدا ويمكن أن يوضع في قدر صغير!!. ونشأ يتيم الأب وبعيدا عن حنان أمه التي تزوجت، فقامت جدته بتربيته. وهنا وقف للذين يدعون أنهم لا يستطيعون أن يبدعوا في الحياة بسبب مشاكل جسمية أو أسرية، بل أعتقد أن الفرصة بالنسبة لهم أكبر في أن يثبتوا العكس لأنفسهم وللناس أجمعين. وكانت بدايات نيوتن في الدراسة مخيبة للآمال فقد كان ترتيبه قبل الأخير من بين ثمانين طالبا ؟!، وعانى نفسيا من زملائه بسبب صغر حجمه ولكنه استغل تلك المحنة النفسية والجسدية لصالحه، فانكب على الدراسة كالعاشق المتيم حتى تقدم في السباق الدراسي وصار الأول على المدرسة. وهنا وقفة أهم وهي أننا لا نحكم على الطلاب من اخفاقاتهم الأولى، فقد يكون واحد منهم نيوتن ونحن لا نعلم!!. يعتقد كثير من الناس أن قوانين نيوتن جاءت لأنه عبقري فقط، وهذا غير صحيح فكم من عبقري بيننا عاش ومات لم يدر عنه أحد! ولكن هو تكريس العقل والجسد لهدف معين لا يحيد عنه. يقول عنه قريبه همفري نيوتن: كان يؤمن بأن كل ساعة لا يصرفها في دراسته هي مضيعة للوقت، ونادرا من كان يلعب الكرة أو يركب الخيل. وكان قليل الأكل وكثير السهر من أجل اثبات نظرياته التي يعشقها. ونحن اليوم نسهر على التلفاز أو تويتر أو الواتس آب، ثم نقول بعد ذلك ان نيوتن كان محظوظا لأنه ولد عبقريا ؟!!، بل هو التعب والحب من أجل هدف في الحياة ينسيك كل شيء من حولك. إذا نيوتن مثلك أيها الطالب والطالبة، ومثلي ومثلك أيها الإنسان عانى من الظروف الجسدية والأسرية والاجتماعية الطبقية، ومن الظروف الاقتصادية ومن الظروف الدراسية، وعانى من حسد الأقران بعد الشهرة، ولكن الفرق أنه حول هذه الطاقة التي في قلبه وعقله إلى عمل هو يعشقه ونافع ليس فقط لمن حوله، بل للبشرية. إذا النظرية تقول: «اعمل فيما تعشق وستكون ردة الفعل امتاع بإبداع»، فهل ستتحقق النظرية يوما ويظهر مثل نيوتن بيننا؟!. م. الهندسة الميكانيكية