ان كان لكل دولة حمى خاص لا يحق لأحد ان يدخله او يتعداه الا بضوابط محددة ومن يتعداه فهو بذلك يتعدى على ملك خاص يوجب تعديه الجزاء والاهانة، فان حمى الانسان وخصوصيته خاصة في عصر التقنية والعولمة اصبح عند الكثير حمى مشتركا يتعداه الغير باسم الحب الكاذب او الحمية او باي تبرير من التبريرات البراجماتية وان من الامور المفطورة عليها نفوسنا هي ان لكل واحد منا حمى خاصا لا يجوز لاحد ان يحاول ان يقتحمه او يتعداه ومن يفعل ذلك فهو بذلك يسلب الفطر من طبيعتها التي فطرت عليها. ولعل الحب (العفيف) تلك الكلمة التي اختلطت مفاهيمها في عصر طغيان المادة وحب الذات من الحمى المقدس الذي يجب الا تزول نضارتها وحدودها بين آحاد المجتمع، مع ان الحب له غاية وان المحبين لهم طموح يريدون تحقيقه واهمه ان يصلوا من الشفافية والمكاشفة الى حد تغيب معه المسافات وتتلاشى معه الاسرار.. في سبيل ان يعيش ذلك الحب ويزهر من حنانيه العشب، هذا المعنى هو جار بين المحبين مع الرضا التام وغياب الضوابط احيانا وذوبان العادات الفطرية السليمة فيا ترى لو انكشفت الحجب بين المتحابين هل سيبقى الحب. كلا سينتهي بمجرد انكشاف اول حجاب لان الحب في حقيقته قرب لا فناء، فمن الذي يرضى ان يتجسس على عورة احد؟ ماذا سيكون شعوره؟ من هنا جاء الاسلام بمفردات (العورة) و (الستر) وهي مفردات لها بعد اخلاقي ونفسي وهي نقطة ضعف في الانسان لا يحب ان يطلع احد عليها! ومن اللطف انها من المشتركات الفطرية بين الافراد ليتعرف الفرد على موارد ضعفه وخجله. ومع عاطفة الحب يولد السر الذي اذا اشتدت عاطفة الحب اشتد معها عمق بئر السر الذي نخبئه في نفوسنا، والذي نحيطه بكل قوتنا بل ونمد اسلاكا شائكة لنحميه، وتصرخ فينا انذارات قوية اذا ما حاول احد ان يقتحمه، فهذا السر هو الذي يبني خيالنا. فالخيال هو كينونة الحب الذي اذا مات حيا بدله طمع النفس وشهوة الفضول. وعجبت ممن يجعل الحب مصادرة قهرية لا معنى اختياريا، فالذين يريدون ان يحموا حبهم وحب غيرهم عليهم الا يتجاوزا حدود المسافات والاسرار، والعاقل لا ينتهك الاستار ويعرف ماهي ضوابط وفنون النصيحة الصادقة ويعرف ماهي الفضيحة. ولقد حرص الاسلام واشار إشارة تحذيرية الى صون حمى الذات، وأسس معها ديمومة الحب فقال سبحانه (ولا تجسسوا) ولعله معنى ظاهر في صون الخصوصيات وعدم التلصص على الذوات لان ذلك من الاسرار التي يريد ربنا معرفتها وحده وان يثبت لنفسه ويتفرد باسم من اسمائه وهو (العزيز) الذي له المنعة والذي لا ينال، وان يثبت لنفسه صفة من صفاته وهي (العلم) وهو معنى عظيم عبر عنه الاسلام وعد منتهكه عدوا، فلا يحق لاحد ان ينتهك الاسرار ويزيل المسافات باسم الحب وهو في حقيقته حب اناني لا انساني، وارى ان يعده صاحبه من الحمق، ومن ينهج ذلك المسلك ويتعدى على الاسرار والخصوصيات فهو كمن يريد ان يلتقط صورة لآخر في دورة المياه، او ليحفظ ذلك في ارشيف فضوله وكراهيته لتكون مادة دسمة للفضيحة ولو سماها نصيحة او غير ذلك، فلو فهم معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (المؤمن مرآة أخيه) فان الستر وفن النصيحة من معاني الايمان والخلة الصادقة. وان الاحرار واصحاب المثل لا ينتهكون الاستار ولا يقتحمون الاسرار، ورحم الله ابا بكر بن عبدالله الذي قال لابنه: يا بني انزل الناس منك ثلاث منازل فاجعل من هو اكبر منك سنا بمنزلة ابيك، ومن هو تربك بمنزلة اخيك، ومن هو دونك بمنزلة ولدك ثم انظر اي هؤلاء تحب ان تهتك له سترا، او تبدي له عورة. وفي نظري ان الاحتفاظ بالمسافات بين الناس من الضروريات واقصد بها قيمة الاحترام التي يجب ان تصان ولا تبتذل وان يحترم الافراد بعضهم فيحترم ماضي الفرد وتحترم خصوصيته وخلوته وحتى ثقافته وان اسرار احدنا وان كان فيها من المثالب والعيوب الا ان المطلع عليها علام الغيوب الذي يرحم ويفرح بتوبة عبده اذا انكسر بين يديه. @@ هاني بن عبدالله الملحم