هوازن الزهراني تشرد، فقر، معاناة، حرمان، خذلان، مستقبل غامض.. كل ذلك شاهدته في عيون اللاجئين مهما قدمنا لهم من مساعدات لدمجهم في المجتمع. لقد أصبح دم هؤلاء اللاجئين المستضعفين رخيصا جداً، وأصبحوا مشردين في كل مكان، وقد ارتفعت نسبة الوفيات في الفترة الأخيرة حسب إحصاءات منظمة اليونيسيف! والله المستعان. جميعنا درس مواد التاريخ والجغرافيا حول فتوحات المسلمين التي سادت بلدان العالم، والعز والعدل والأمان الذي كان يلتحفه الجميع دون استثناء. فهل سنغير اليوم منهج التاريخ ونذكر القتل والتشريد الذي لحق بأمة المليار بعد العز الذي كانت فيه؟ فمن العار أن نستذكر فتوحاتنا السابقة ونتفاخر بها وننسى من هم بجانبنا يذوقون معاناة البطش والتنكيل والتشريد في هذا العصر. لا يزال الطفل الذي عششت بذهنه تلك الفتوحات العظيمة يعيش في حالة من الصدمة، بين ما كان يقرأه وما يشاهده الآن بعينه وبشكل معاكس لما كان يتخيله ويدرسه في منهج التاريخ. وجد نفسه في قارب الموت ليصارع الأمواج هروباً إلى أوروبا التي فتحها أجداده ثم انتكست.. ووجد نفسه صريعاً في مخيمات الدول المجاورة دون الرعاية والحقوق الكاملة..!! في الأسبوع الماضي قمت بزيارة إلى مخيم الزعتري ضمن وفد المنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر بتوجيه من أمينها العام الدكتور صالح بن حمد السحيباني وذلك للوقوف على الأوضاع الإنسانية للاجئين السوريين، وكانت زيارتنا تقتصر على المخيم التابع للحملة الوطنية للشعب السعودي فقط. وشاهدنا في تلك الحملة التي أُسست بسواعد وجهود الشعب السعودي الذين حملوا هم أمتهم وقاموا بتلبية نداءات الاستغاثة وطبقوها على أرض الواقع؛ إنشاء مستشفيات ميدانية ومدارس تعليمية، وبرامج لتقديم الدعم النفسي وإثراء روح الأمل لدى الطفل السوري. ولا ننكر حقيقةً دور المنظمات والحملات الأخرى أو المساعدات الحكومية المختلفة، ولكن بالرغم من توفير كل ما سبق من المساعدات للعيش بحياة كريمة إلا أنهم لا يزالون يعانون من وحشة الغربة وغموض المستقبل في ظل فقدان الأهل والدار والوطن نتيجة القتل والتشريد. وأثناء عمل ورشة (احمي نفسي) شاهدت أطفالاً ركبوا أمواج الحزن مبكرا في الوقت الذي ينعم أمثالهم فيه بالرفاهية.. ومثال على ذلك الطفل (عكرمة) الذي وجدته منعزلاً عن باقي الأطفال وبمبادرتي بسؤاله عن ذلك بدأ يجهش بالبكاء متخيلاً القصف الذي طال أسرته وأعاق يده.. والطفل (عبدالله) الذي لم يمسك القلم في حياته سابقاً وحين هممت بإعطائه القلم؛ بدأ برسم نافذة مفتوحة وكأنه يعبر عن حلمه بالحرية!! وأما الطفل (يزن) الذي قُتل والده أمام عينيه فتشرد مع من تبقّى من أهله إلى مخيم الزعتري، وإذ بالموت يلحق بأمه أيضاً هناك فأصبح يتيم الأبوين، ولكم أن تتخيلوا حجم معاناته! أطفال عانقوا هموم الكبار بالرغم من محاولتنا دمجهم في المجتمع إلا أننا لم نستطع محو ذاكرة آلامهم! ولا يزال الأمل الذي رأيته في أعينهم عبارة عن أمل ممزوج بنكهة اليأس إثر المصائب التي عايشوها دون تقديم النصرة المستحقة لهم. ولا زالوا مصدومين بين تاريخ الفتوحات الإسلامية التي درسوها وعاشوا حماسها، وبين واقعهم الحالي في ظل الخذلان. فالله الله بنصرة إخوانكم على أكمل وجه.