جلست إلى جانب والدي في أحد الليالي الشتوية ولمست فيه الراحة وحُب الحديث قبل أن أتكلم، فانتهزت الفرصة حينها وسألت عن أسباب استمرارية الحياة الزوجية الطويلة والمحافظة على أواصر الأسرة - بعد توفيق الله - رغم ما يحدث بين الأزواج من قلاقل وخلافات، فقال لي: (التغاضي).. كن متغاضيا تسعد، لا تعاتب على زيادة الملح ولا تسأل عن سبب نقص السكر، لا تتصرف بناء على مقاييس المجتمع، ولا تصدق الآخرين إن قالوا كُن قوي الشخصية، كن عفويا وهذه كفاية، لا تنسى الحُب بالزواج حتى لو مضى عليه من الزمن ما مضى، وكُن محبا لآخر الطريق، لا تقطع الهدايا ولا تسترخصها إن جاءت إليك مُغلفة وأعلاها بطاقة تحمل اسمك ومُذيّلة بعبارة (من زوجتك) ولو كانت قيمتها ليست عالية، معنوياتها تجعلها ذات قيمة، اجعلها شريكة حياة وليست مجرد طباخة أو مرتبة منزل، انس الخلافات فور حدوثها ولا تستحضرها من الماضي لأي سبب من الأسباب، اجعل طريقة حديثك وأسلوبك والكاريزما داخل البيت كخارجها أو أفضل قليلاً، إن طلبت زوجتك منك شيئا حاول قدر الإمكان تحقيقه، وإن لم تحققه فعِدها بهِ في وقتً آخر، ولا تنسى أن تفعل، ابتسم لها إن حَضَرتْ وأخبرها باشتياقك إن غابت، اسألها كل يوم عن أحوالها بتمعّن ودقة وأشعرها أنك مهتم، وليست مجرد كلمات تتلفظ بها قبل أن تخرج من المنزل أو فور دخولك، انتبه ألا تجد الراحة إلا عند خروجك من المنزل إلى العمل أو غيره، كُن لها مؤنسا، اعلم أنكما ستتكبدان مشاق الحياة مع بعضكما البعض لسنين طويلة فلا تبخل بكلمة جميلة تكون بلسما عن جراح الأيام، اعتذر حتى لو لم تكن المخطئ فلرب خلاف بسيط كان كفأر سد مأرب، يهدم الصرح العظيم. استطراد: ومما يقال بهذا الجانب مقالة الشافعي لطالبه يونس وهي كالآتي «يا يونس نحن تَجمعنا مئات المسائل وتفرقنا مسألة واحدة، يا يونس لا تحاول الانتصار في كل الاختلافات، فأحيانا كسب القلوب أولى وأفضل من كسب المواقف.. يا يونس لا تهدم الجسور التي بنيتها وعبرتها، فربما تحتاجها للعودة يوماً ما.. يا يونس: اكره الخطأ دائماً ولكن لا تكره المخطئ.. يا يونس: انتقد القول واحترم القائل، فإن مهمتنا هي أن نقضي على المرض لا على المرضى». وأستأنف أبي الحديث قائلاً: لا تدع أحدًا كائنا من كان أن يتدخل في شؤونكما ويملي عليكما ما تفعلان ويقلب الحياة رأسا على عقب، وقام وقال إن فعلت ما أمليت عليك قبل هنيهة بالحرف لن تشقى أبدا.