تأتي ذكرى رحيل الرئيس جمال عبدالناصر الثانية والأربعون، والرئيس أنور السادات الحادية والثلاثون هذا العام 2012 مختلفة عن الأعوام السابقة، ربما لأن الرئيس محمد مرسي الذي يجلس على كرسي الحكم في مصر الآن – الذي اعتلاه «ناصر» لمدة 16 عاماً و»السادات» لمدة 11 عاما – هو أبرز قيادات جماعة الإخوان المسلمين المثيرة للجدل منذ تأسيسها عام 1928. موقف الرئيس مرسي من عبدالناصر لم يحتمل أي لبس، فقد أوفد وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي، نائباً عنه لحضور ذكرى رحيل عبدالناصر في 28 سبتمبر الماضي، لوجوده بالجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو ما جنبه موقفا عقائديًا محرجًا قد يضطره لوضع إكليل من الزهور على قبر رجل اختلف مع الإخوان بل وحاربهم كثيرا. ولا أدري ماذا سيكون موقف الرئيس مرسي من ذكرى اغتيال السادات هذا العام، التي تتزامن مع الذكرى 39 لاحتفالات السادس من أكتوبر عام 1973، لأني أكتب هذا المقال قبل أيام من هذه المناسبة، وإن كنت أعتقد أن الموقف قد يختلف مع السادات الذي عقد لقاء تاريخيا فاصلا مع المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين «عمر التلمساني». فإذا كان الشيخ «حسن البنا» هو المؤسس الأول فإن التلمساني هو الذي أعاد بناء التنظيم في السبعينيات بعد خروجهم من المعتقلات. ناهيك عن أن السادات سمح لهم بالعمل في الشوارع والمساجد والجامعات المصرية، وتحالف مع الجماعات الإسلامية لضرب قوى اليسار، وبعد أن انتهى زواج المصلحة بينهما نتيجة لعقد اتفاق السلام مع إسرائيل، قامت الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد باغتياله في احتفالات أكتوبر 1981. من أبرز مفارقات عهد السادات أنه كان يعلن في خطبه وأحاديثه لوسائل الإعلام، أنه: «لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين»، بينما تحولت «أنصاف الاعتقادات» في عهده إلى «اعتقادات تامة» عند العامة، وكان أول من وظف الدين في الصراع السياسي الداخلي، وهو ما أدى إلى اهتزاز عنيف لمقومات « الدولة المدنية» نتيجة التضارب بين ثلاثة أنواع من الحريات الأساسية، الحرية الدينية والحرية في العمل الاقتصادي، والحريات السياسية. وأصبحت الدولة المصرية تعيش «حالة فريدة»، لا هي دولة مدنية خالصة ولا هي دولة دينية كاملة، في ظل هذا المناخ برز خطاب ديني جديد في شكله ومضمونه يستخدم تعبيرات وطقوس كغطاء لما يجري في العمق، يتظاهر بالتقوى والورع بينما الواقع يسير في الاتجاه المعاكس، حيث اعتبر ألمع المشايخ شهرة في السبعينيات «الشيخ متولي الشعراوي» أن الثراء السريع مظهر من مظاهر رضا الله. وهو خطاب كان يبرر ويكرس للدولة الرخوة – بمفهوم عالم الاجتماع السويدي «جنار ميردال» – وبتأصيل جلال أمين في كتابه «مصر والمصريون في عهد مبارك 1981 – 2008»، يقول: «تحولت الحكومة في مصر خلال السبعينيات إلى دولة رخوة، وتضاءلت مكانة الوزراء، وظهر من الموظفين من يذهب إلى مكتبه الحكومي في الصباح ويتاجر في العملة بعد الظهر، وأصبح كل شيء خاضعاً للمفاوضة والمساومة، وكل شيء متوقفاً في النهاية على الشطارة «. ولعب الإعلام دورا في تغييب الوعي وانتشار حمى الاستهلاك في عصر الانفتاح الاقتصادي من خلال المسلسلات والإعلانات التي داعبت تطلعات الناس (المكبوتة) وطموحاتهم، وزاحمت أغاني (السح الدح أمبو) و(أم حسن) و(بنت السلطان) «لأحمد عدوية» في سوق الكاسيت روائع فيروز وعبدالحليم وأم كلثوم، وفرضت ثقافة «الفهلوة» والمعلبات سابقة التجهيز مع انتشار الاستيراد والتوكيلات الأجنبية الأمريكية، وكتب فؤاد زكريا في كتابه (العرب والنموذج الأمريكي) «لقد أصبحت الوصفة غاية في البساطة، أمريكا بنت نفسها في قرنين من الزمان، وأصبحت أعظم بلاد العالم. إذاً فاتباعنا للنموذج الأمريكي سوف يجعلنا بدورنا عظماء متقدمين، وسينقلنا من الفقر إلى الغنى، ومن الضعف إلى القوة، هذه العقيدة الجديدة لا توجد فقط في عقول بعض الزعماء بل تتسرّب بشتى الوسائل إلى عقول الناس العاديين».لم يشفع للرئيس المؤمن محمد أنور السادات (1918 – 1981) أنه رئيس مسلم في دولة مسلمة، ولا اعتبار نفسه «آخر الفراعنة» وكبير العائلة المصرية في دولة «العلم والإيمان»، فقد تمنت معظم القوى السياسية رحيله، حيث لقبه اليمين الديني ب»الطاغوت الكافر» ووصفه اليسار ب»العميل الخائن».. ترى عزيزي القارئ هل سيضع الرئيس مرسي إكليلا من الزهور على قبره؟