عاشت، على مر العصور، مرفوعة الرأس، وتربّعت على عرش الخلافات والنزاعات والحروب والأطماع، تنوّرت بنور إيمانها الخالص، وتسمّت به، فكانت باسلة في كل حقبها التاريخية، ولم تنحنِ يوماً. ذكرها عديد من المؤرخين، ووصفها كثير من الباحثين، ورصدها نفر من المستشرقين. قديمة قِدَم هذا الكوكب، لها، بأمر ربها، ميزات لا توجد بغيرها من الديار، ليس أهمها أنها ملتقى القوافل، وخط سير التجار إلى كل أصقاع المعمورة. عُرفت، أول ما عُرفت، باسم متروبولوس، وتعدّدت مسمياتها حتى قيل إن لها أكثر من ثمانية عشر اسماً، – والعهدة على الباحث، الكيميائي المجال، التاريخي الهوى، محمد آل هتيلة – وتعاقب على حكمها دول وجماعات حتى انتهى بها الأمر تحت راية التوحيد في حقبة هي من أفخر حقبها على مر التاريخ. متروبولوس هو أشهر اسم أطلق عليها، كما سُميت بأسماء عديدة منها: مدينة الرعد، القدّيسة، مدينة الشهداء، الباسلة، مدينة العرب المقدسة، الربة، مدينة المؤمنين، المحفوظة، رجمن، رقمات، رعمة، نكرا، الرعاش، الحصن، وادي الخسف، وادي العلام، وادي سوحان. صامدة أمام كل الأطماع، أبيّة على كل الغزاة، عصيّة على كل الأعداء، لم تعرف الذل يوماً، ولم ترضَ الخنوع يوماً، ولم تقبل الهوان يوماً، تقتل جبانها، وتحفظ عهودها، وتصون الذمم، يتجدّد شبابها كلما شاخت، لكنها لا تموت، معقل الوفاء، ومفخرة العرب في الإباء، ومضرب المثل في العطاء، ربيبها عاشق، وفرخها باشق، وغطريفها «كالورد ينفع بالشذا حتى أنوف سارقيه». تغنّى بها الشعراء شوقاً وحنيناً، وهذا قلمي يبوح بحبك يا نجران، من وحيه، عندما يهتف بالمحكية: «هيه نجران حبّش في شرايين روحي/ راضعه منْش طفل ولا قويت الفطام/ كل ما ابعدت عنّش قام قلبي ينوحي/ عافت العين من فرقاش حلو المنام».