أولى أبجديات الثقافة: لا تؤجر عقلك لأحد، ولا تنبهر بأي أحد؛ إن كان ولا بد فكن معجباً فقط، وحاول ألا تقترب أكثر من اللازم فتدخل ضمن السياق المتهالك، وتصبح عالة على نفسك، وعلى من تحب ويحبونك، وهذا ما يفعله عشاق شوقي في كل مكان. في زمن شوقي كانت الفضيلة تختبئ خلف كؤوس الخمر ومحظيات مولانا السلطان، وراقصاته وجواريه، وكذلك أمجاد كمال أتاتورك، وبزعم عشاقه الذين لا يجيدون الاستشهاد إلا به فهو شاعر الشعراء، ونخلتهم الباسقة التي يستظلون بها. الحقيقة أن هناك أفضل من شوقي بآلاف المرات، ولكن هؤلاء صادفوا شوقي في طفولتهم فكان فتحاً قرائياً عظيماً، وأمام دهشتهم به استسلموا تماماً لعصور الأيك والخميلة، وظنوا أنهم سيرتشفون ما تبقى من شاعريته في كؤوس الطلا إن هم حفظوه عن ظهر قلب؛ فحفظوه دون وعي ولا خمر ولا شاعرية. شوقي حالة خاصة لدى الفئة التي تعيش غالباً بأكثر من قناع؛ تنفلت وتتجمل ثم ترثي الصلاح، وهذا ما كان يفعله شوقي بالضبط فم من لبن وآخر من خمر معتق، ولذلك تراهم يهيمون به لأنه لسان الحالة، وحينما يستدركون يقولون إنهم لاحظوا خمرياته وأنها تحتاج إلى إعادة قراءة كي يقبلوه أو يرفضوه، ولكن هوى النفس أقوى من ادعاء التقوى، والاقتيات بها!! في العادة يعشق أحدهم شوقي بعنف ويبدأ في ترديد أبياته والاستشهاد بها على الحق وعلى الباطل، وبعدها تنتقل العدوى إلى كافة الأصدقاء المقربين/ المُقلدين بانبهار بالرغم من تجاوزهم سن الأربعين، ومن ثم تُصبح اللغة والعادات والاقتراحات، وكذلك عاهات الكذب المستديمة واحدة! العشق أصلاً نوع من الاستعمار اللذيذ، ولكن إلغاء شخصية ورأي المستمعين ليس عشقاً نحترمه ويمكن أن نبرر ظروفه؛ المسألة هي أشبه باستصلاح أرض فاقدة للخصائص العضوية للإبداع، ولذلك لا تخرج في كل مرة إلا حافظات رخوة ونسخاً مشوهة للمُستصلح. عزيزي القارئ هذا المقال مجرد فكرة عابرة وردت بالبال، ولا يوجد شيء داخل الأسطر فلا تتعب نفسك في البحث، وإن كنت فضولياً فاقرأ ما قالته بلقيس حينما نكروا لها عرشها ثم سألوها عنه فقالت:{ كأنه هو }…ربما.