ملف العمالة من الملفات القديمة التي تراكم عليها الغبار والنسيان والهروب من المسؤولية، هو من الملفات التي تجاوزت المعقول والمقبول دون حسيب ولا رقيب، لكن نشكر الله على فتحها من جديد وتنظيم أوراقها بما ينص عليه القانون، ليعطى كل صاحب حق حقه، سواء كان حق البلد في حفظ أمنها واستقرارها، وضمان حقوق كل عامل بطرق رسمية بعيدة عن الالتفاف والانزواء والتخفي، وحق المواطن في حفظ حقوقه بعيدا عن التستر وخيانة الوطن. قضية التستر قضية أخلاقية من الدرجة الأولى، ومن تجرأ على ذلك، يعتقد أن الوطن يخصه وحده، فيقوم في استنزافه واستغلاله بطرق غير مشروعة، مثل المتاجرة بالعمالة بمبالغ خيالية والاستفادة من الأوضاع المعوجة، حتى اعتادوا على ذلك سنوات طويلة ندفع ثمنها الآن. العمالة ليست شماعة نلقي عليها كل اللوم، فهم عانوا في بلدانهم الجوع والفقر، واضطروا للقدوم لمساعدة ذويهم، فمنهم الصالح ومنهم الطالح، لكن هذا شأنهم، شأننا أن نسد تلك الثغرات والفجوات التي كان لها التأثير السلبي على المجتمع، في نقص إحساس المسؤولية وحماية الوطن. وعندما نقول وطن، لا يكفي التلفظ به ككلمة وحرف، بل يحتاج الوطن لنزاهة وأمانة والخوف عليه وتحمل المسؤولية في كل موقع وجهة ووسيلة وحرف. لا أخفي حزني وقلقي وخوفي عندما شاهدت الأعداد الكثيرة من العمالة الإثيوبية في الوسائل الإعلامية المسموعة والمقروءة، وقد تفاجأت وذهلت لهذه الأعداد بالآلاف بأسرهم، حزني على حالهم ووضعهم ومصيرهم وجوعهم، لكن لابد من قانون يحفظ حقوقهم بالطرق المشروعة، بعيدا عن التضليل والتسلل وحق استقرار الوطن من جميع النواحي: أمنية واقتصادية واجتماعية. كنت أتساءل لو لم يكن هذا التصحيح الذي وجد الآن، ماذا يمكن أن يحل بنا أكثر من هذا السوء؟! وأتساءل من تستر عليهم ووفر لهم المأوى والعمل وتاجر بهم واستغل ذلك وخان الأمانة؟ مع الأسف، بعض الأفراد استفاد من هذا الوضع، يأخذ من هذا وذاك، سائق، عامل، خادمة، دون التحقق من الأوراق الثبوتية والرسمية والتصريح لهم بالعمل. هل كنا نغض النظر وننزوي جانب الطريق ونستفيد ونأخذ من هنا وهناك ولم يهمنا سوى مصالحنا الشخصية؟ أم وقفنا موقف المتفرج على المتسترين دون همس وكأن الموضوع لا يهمنا؟ لن ألقي كل اللوم على بعض الأفراد فقط، بل أسأل أين كانت الجهات المسؤولة عن ذلك طوال تلك السنوات عندما كانت تعج المدينة بعديد من العمالة السائبة من كل الجنسيات؟ كان يفترض أن يكون الحزم في التصدي لكل الجهات والأشخاص المخالفين منذ البداية، ووضع الحلول لها قبل أن تتحول إلى هذه الأعداد الكبيرة. حزينة وفرحة بعض الشيء، أبدأها بفرحة وتفاؤل وشكر لوزير العمل بالبدأ بخلخلة الفساد والغبار عن هذا الملف القديم وتنظيف البلد من كل شيء يؤذيها ويسيء لها سواء كان من العمالة السائبة أم من أبناء الوطن المتسترين والمخالفين في تشغيلهم واحتوائهم والمتواطئين معهم، كل ذلك الفساد يجب القضاء عليه، وحزينة لمشاهدة هذه الأعداد الكثيرة التي تحمل أبناءها الصغار وحقائبهم ودموعهم وجوعهم، لكنهم أيضا أخطأوا في الدخول دون تصريح وأوراق رسمية. عتبي على من تستر وتاجر بهم وهو راضٍ، وميسور الحال لم يكن مضطرا لذلك، غير أن الطمع ملأ عينيه، مع عدم إحساسه بمسؤولية أمن الوطن واستقراره، لكن حان وقت وقف هذه المهازل. مقالي ليس فقط عن العمالة السائبة، بل لتأمل حال بعضنا الذي تخلى عن مبادئه واستفاد من تلك العمالة بالتستر دون مبالاة لخطورة هذا الوضع، هل هذا بسبب الجهل؟ أم بسبب الطمع والجشع؟ وما يزعج حقا تناقل النكت والرسائل الفارغة عن تلك العمالة الإثيوبية دون مراعاة أوضاعهم الإنسانية، نحن نمارس النكت والضحك وغيرنا مبتلى بالفقر والجوع، ليتنا توقفنا قليلا لنتأمل تلك المآسي ونشكر الله على ما أعطانا من النعم، وما يزيد المرارة مراً عندما نجد هذه النكت تطال المجتمع نفسه، يعني مجتمع ينكت على نفسه، هل شاهدتم أحدا يضحك على نفسه؟! هل يعني ذلك أن نظرتنا لأنفسنا قاصرة؟! هل ننظر لأنفسنا نظرة دونية؟! هل فقدنا الطموح والهدف من الحياة وجلسنا فقط نضحك ونضحك على جهلنا وهشاشة عقولنا وفكرنا؟! حزينة لكل هذه العقول والأرواح التي تفقد يوما بعد يوم إنسانيتها وحضورها على الأرض ونست الرسالة العظيمة التي أودعها الله في قلوبنا: الرحمة، العمل، الصدق، العطاء. ليتنا نتأمل تلك المشاهد بعمق وإنسانية وأخذ العبر.