أغمضت عيني في لحظة انتظار عند إشارة المرور وفتحتها على صوت طفل يدق نافذتي متسولاً ووراءه كان هنالك أطفال آخرون ونساء يجوبون المكان حوله لنفس الغرض! ماذا يفعل هؤلاء هنا في هذا التقاطع الرئيسي من المدينة وكيف يجوبون المكان بثقه والجهات الأمنية المعنية تتابع حملتها في القبض على الوافدين غير النظاميين؟ ليس في الأمر خدعة ولا هو بالحلم، فهاهم مرة أخرى بشحمهم ولحمهم يتصنعون الضعف ويتسولون وفي وضح النهار وبكل جرأة فما الذي يجري هنا؟ التسول والاتجار بالأطفال لطالما كان قضية ساخنة تطرح للنقاش والجدل، لأبعادها الإنسانية والأمنية والسؤال يتكرر دائماً من هؤلاء ومن الذي يديرهم وكيف أتوا؟! كنا نتوقع من الحملة الأمنية أن تقضي عليهم وعلى أماكن تواجدهم لكنهم ما زالوا هنا؟! اختبأوا قليلاً ربما، لكنهم عادوا للظهور بعد أن اطمأنوا أن ما من خطر، أو لعلهم ظنوا ذلك. تسول الأطفال هو من أبشع الجرائم التي يمكن أن توقع بالأطفال. لأنها تجبرهم على التواجد باستمرار خارج المنزل دون حماية تذكر، واستجداؤهم للناس يجعلهم عرضة للصد أو الاستدراج والإساءة أو التحرش الجنسي والإيذاء نفسياً وجسدياً. هؤلاء الأطفال لم يخرجوا من العدم بل هنالك من يؤويهم يخطط لهم وينشرهم في شوارع المدن ويتاجر بهم ليجلبوا له المال. عصابات تمتهن التسول في المدن المختلفة تعرف كيف تموه نفسها وتشغل الجهات الأمنية عنها فلا ُتعرف ولا ُتمسك مع أنها تتحدى كل من حولها وتتابع جدولها اليومي في التسول والمخالفة؟! أين كانوا عندما بدأت الحملة ولماذا لم يقبض عليهم وإلى أين انتهوا؟ أسئلة ملحة تبحث عن إجابة. نحن لا نتكلم عن رجال قادرين على الاختباء وإنما جماعات من الأطفال المتسولين والنساء؟ فهل تركز الحملة على الكبار وتنسى الأطفال أم ان في الأمر علة؟! وحتى ولو أن الحملة لم تكن موجودة ما هو دور الجهة المعنية بمكافحة التسول وإلى أي مدى وصلت في منع التسول وكبحه؟ ومن هم هؤلاء المتسولون؟ هل هم أطفال سعوديون الفقر دفعهم للتسول؟ أم أن السعودة قد طالت التسول بعد أن أصبح مهنة وتجارة؟! أم انهم مخالفوا الإقامة قد عادوا من جديد بعد أن أعادوا انتشارهم واطمأنوا إلى أن يداً لن تطالهم واعتبروا ما جرى سابقاً ليس سوى زوبعة صغيرة في فنجال وستمضي ويعود الحال لما كان عليه، ولربما آل به المطاف لحال أسوأ وكأنهم كانوا في سبات شتوي واستيقظوا بعد أن أتاهم الربيع يختال مستبشراً فاستبشروا وظهروا؟!