حرصت الدولة منذ أسسها الملك عبدالعزيز "طيب الله ثراه" على تعزيز خطوات التنمية بكل ما تملك، واستقطبت لتحقيق ذلك الكوادر التي على اكتافها بُني هذا الكيان الضخم والشامخ الذي أصبح من ضمن أقوى عشرين اقتصاداً في العالم. ذلك الحلم الذي تحقق ليس من فراغ، وإنما صُرف عليه تريليونات الريالات حتى يُؤمَّن لذلك المواطن البسيط الحياة الخدمية المتكاملة أياً كان موقعة على تلك الخريطة المترامية الأطراف؛ ولكي ينعم - ليس بالحد الأدنى منها بل - بالرفاهية التامة كما يطمح ملوك هذه البلاد لشعبهم سواء في جانب الصحة أو التعليم أو النقل أو غيرها من الخدمات العامة التي قلما تكمتل إلا لمواطني الدول المتقدمة. ضخت الدولة مئات المليارات على القطاعات الخدمية كالنقل والصحة والاتصالات والصناعة والتجارة والزراعة والنفط واضعة نصب عينيها تأمين تلك المقومات الأساسية للحياة بشكل آمن تماماً لا تؤثر فيه الاضطرابات السياسية أو الاقتصادية كما في باقي الدول. ولتحقيق هذا الحلم الصعب كان لابد لها من أذرع مساندة في ذلك، فحرصت على تشجيع المستثمرين من أبنائها، وتذليل العقبات أمامهم، حتى يكونوا خير عون لها؛ فقدمت لهم التسهيلات، ومنحتهم الأولية على غيرهم من المستثمرين غير السعوديين كإرساء لدعائم السعودة، بل وكافأتهم على كلِّ ما قدموا من واجبات تجاه وطنهم وكأن ذلك جميل منهم. ولكن تبلغ الدهشة والعَجَب منتهاهما حينما نجد بعضا من هؤلاء الممستثمرين لا يشاركونها حُلمها الواعد "برغم فضلها الكبير بعد الله في صناعة تلك الأسماء الإستثمارية"، وإنما يغلِّبون مصلحتهم الربحية الخاصة "ذات النظرة القاصرة" على ما تصبو إليه الدولة. فبنظرة مسحية واسعة نجد أن العقود المبرمة بين الدولة وبعض تلك الشركات "الخدمية منها خاصة" مجحفةٌ في حقِّ الدولة، حيث تُباع السلع العينية على الدولة بأرباح قد تكون مضاعفة للقيم الأصلية، مستغلِّين "حرص الدولة على دفع خطط التنمية سريعاً وتشجيعها لهم لكونهم مستثمرين سعوديين" وهذا ما يتنافى تماماً مع النزاهة الربحية والحس الوطني. والأدهى من ذلك والأمرّ عقود الصيانة، تلك اللقمة السائقة لهم وبأرقام مبالغ فيها لا تمت بصلة لحجم ونوع الخدمة المقدمة لمؤسسات الدولة؛ وحجتهم في ذلك أن مستحقاتهم من الدولة تتحصل بالآجل. مع العلم أن هؤلاء المستثمرين يتعاملون مع الأفراد بعكس ذلك تماماً، فتجد خدمة الصيانة أكثر جودة عند الفرد وأقلَّ تكلفة، بل وبِبَون شاسع في ذلك! مع العلم أن الدولة هي أكثر ضماناً من حيث تحصيل مستحقات ذلك المستثمر على العكس من ذلك المواطن الذي تجد دائماً عند المستثمرين نسبة ثابتة لمن يتهربون من الدفع "كإجراء ربحي احترازي". وكأن ذلك الحلم جعل من الدولة مطمعاً لبعض المستثمرين!، ولو حللنا وبشكل بسيط تعليلهم لارتفاع نسبة الفوائد في العقود مع الدولة أن الدولة تدفع لهم بالآجل، لوجدنا في عالم الاقتصاد أن أعلى نسبة فائدة تكون في القروض المالية السائلة "علماً أن نسبة تلك الفائدة تراوح بين واحد إلى خمسة في المئة تقريباً سنوياً" بل وتتنافس البنوك في خفض مستوى الفائدة على الأفراد حتى تكسب عملاء أكثر، وهذا ما يناقض موقفهم من الدولة بالضبط، فعقودها معهم على سلع عينية أو تنفيذ مشاريع أو صيانة، وليست قروض مالية سائلة، والدولة أيضاً لا يمكن أن تعتمد مشروعاً خدمياً أياً كان إلا وقد رصدت له من الميزانية العامة تكلفته تماماً وهذا ما يضمن للمستتثمر حقة أكثر من التعامل مع الفرد. وعلاوة على تلك الأرباح الخيالية تجد نسبة السعودة في بعض القطاعات الخدمية والتوظيف بشكل عام بعيدة جداً بالنسبة والتناسب مع أرباحهم؛ فأين الحس الوطني عند هؤلاء الذين ما ننفك نسمعهم يتشدقون بالوطنية صباح مساء. وكان حريا بهؤلاء المستثمرين "المواطنين أصلاً " أن يكونوا عوناً للدولة في تحقيق أحلامها التنموية، وأن يكتفوا بالأرباح المعقولة؛ وأن تصرف تلك الأموال على المشاريع المتعثرة وتُستَكمل بها البنية التحتية من طرق ومستشفيات ومدارس ومرافق عامة وغيرها، لأن تلك الصفقات الجائرة مع الدولة بمثابة خطوات واسعة جداً الى الوراء في طريق التنمية. وتظل الدولة الأم الحنون التي تصبر على أذى أبنائها حرصاً منها على المصلحة العامة، ولكي يصل الركب إلى أملها وحلمها الواعد وإن تباطأت الخطى وطالت المسافة. * كاتب وإعلامي