كان أحد رجال العوازم مسافراً قرب حائل مع زوجته الشابة التي كانت حاملاً، وأثناء مرورهما في ممر بين الهضاب الصحراوية أتى المرأة المخاض وولدت ذكراً إلا انها توفيت إثر الولادة. بذل الزوج كل ما بوسعه لانقاذها ولكنه كان وحيداً فلم يفلح، فدفنها بوضع جثمانها في كهف صغير في الجوار، ثم ملأ مدخل الكهف بالحجارة. لم يرغب باصطحاب الوليد لأنه يعلم انه سيموت قريباً لحاجته للحليب فأسنده على ثدي أمه الأيسر ووضع فمه عليه ولف ذراع أمه اليسرى حوله ثم ركب راحلاً.. الخ. هكذا تنطلق القصص الغريبة والعجيبة في كتاب «شظايا الجزيرة العربية - تجارب وحكايات رحالة غربيين - دار المفردة للنشر - الرياض» للكاتب والشاعر علي العمري، الذي تتبع أكثر من عشرين كتاباً للرحالة، وانتقى بحدس المبدع أكثر اللقطات المكثفة المركزة على البعد المجتمعي وطرق العيش وكيفية التعامل مع الآخر ولمحات بخصائص ثقافية وأسطورية خاصة تطرح التساؤل عن الأمكنة والكائنات والحياة. سنرى هنا - حسب الكاتب العمري - السخرية والألم والفاقة والقدر والموت، سنرى الإنسان في قصوره وضعفه وشهامته وخبرته وتوحده مع الصحراء بحب لا واع ولا مفكر فيه، ونستشعر ذلك الخوف والتوجس من كل غريب ونحن نتلمس أثر صراع كان سائداً من أجل بقاء مهدد دوماً بالفناء، سنلتقط شظايا وفلذات من أكثر مناطق العالم خلاء وموتاً، ونصغي لأزقة يقطنها الغرباء والعميان والدراويش والمتسولون، ربما نلمس رطوبة حياة مندثرة كانت الناقة وقربة الماء الجلدية هي الساتر الوحيد من مخالب الموت حيث أسلاف عاشوا إما في رحيل أبدي صوب الغيث والكلأ أو ماكثين في حجرات قرى وكهوف مجهولة. احتوى الكتاب على انتقاء واع لعدد من كتب الرحالة البارزين مثل: وليم جيفور بالجريف، روبن بدول، هاري سانت جون فيلبي، فارتيما، شارل هوبير، جوزيف بتس، هاريسون، توماس إدوار لورنس، مارسيل كوربر شوك، ديكسون، شارل ديدييه، توركيل هانسن، وآخرون. كتاب «شظايا الجزيرة العربية» الذي يحمل شظايا حكايات ممتعة وبديعة تأسر القارئ بفتنتها، جاء في قرابة مائة وأثنتي عشرة صفحة من القطع المتوسط، وهو متوفر في المكتبات الكبرى بالمملكة.