اشتُهر يرحمه الله بين أهالي بلدته بكونه نزِقاً ، سريع الغضب قابلا للإثارة لأدنى سبب . أو كما يقولون عنه باللهجة المحكيّة " شين نفس " . ومع هذا كله فهو بائع مواد تموينية في دكان صغير . بضاعته الهيل والسكر والشاي والقاز (الكيروسين) والزنجبيل والقرفة (الدارسين) ومع ذلك أموره تسير سيرا حسنا ، لعجب الناس كيف يُقبل زبائنه عليه . وكان يعرض معظم مالديه في سلات (زنابيل) يضعها بانتظام على عتبة دكانه . سألته امرأة ذات يوم : وش هو به الرز ؟ وقصدها بكم تبيع الكيلو أو الوزنة . فقال :بالزبيل . ثم صاغت المرأة السؤال بتعبير محلي آخر قائلة : أعني وش هو عليه (قصدها بكم) باللهجة المحلية . فقال :على العتبة ( بسكون العين وكسر التاء والباء ) وأخذت المرأة وقتا طويلا كي تُفهمهُ حاجتها ، مع أنه كان يعلمها من الوهلة الأولى ، ولكنه – سبحان الله - لا يستطيع أن يقاوم عناده وسرعة أو دوام غضبه.. وجاءه رجل بطلب سكر بريالين ، وشاي بريال واحد . ولما حاول البائع وضع السلعة في الميزان ، أو هو وضعها ، غيّر الرجل طلبه ، بريال ونصف سكر وريال ونصف شاي . ولما حاول البائع تلبية الطلب غيّر المشتري رأيه مرة ثانية . وما كان من البائع إلا أن أعاد السكر إلى مكانه على نحو غاضب قائلا : ماهو للبيع . ولا أدري هل كانت ندرة الدكاكين في ذلك هي التي تجعل الزبائن يتحملون هذا الضجر وتلك الكآبة الشاقة للطرفين ، أم أن قولة " الزبون دائما على حق لم تكن قد ظهرت وصارت قيد الاستعمال في أذهان الناس ، أم أن فن التسويق كان آنذاك مجرد حالة افتراضية .. ! غير مثبتة ؟! وقول " الزبون دائما على حق " بالمناسبة ، أراها لا تنطبق في زمننا الرديء الحالي على كل شيء . فهو على حق - كما يدعون - في الفنادق ، والمطاعم ، والمصارف . أما في المستشفيات فالمريض (وهو على فكرة ليس زبونا) ليس من نصيبه إلا يتلقى ما يُملى عليه!. حتى المصارف صارت تميّز بين الناس حسب الرصيد . فأرقام الانتظار لعامة الناس ، أما أهل (المال والبنوك) فلهم صالة انتظار يتلقون فيها الخدمات . حتى لو غيّر رأيه في جلسته ثلاث أو أربع مرات فلن يأتيه زجر مثل ما أتى مشتري الشاي . في دورات التدريب عند أصحاب الخدمات يعلّمون الدارس كيف يكون مبتسما في وجه العميل . وربما أنهم في البنوك يعلمونهم " كيف لا يبتسمون " أو كيف يميزون أصحاب الأرصدة من مشيتهم .. مثلاً..