هل تشوش ذهنك بسبب النصائح الصحية التي يقدمها الخبراء ؟، لك كل العذر في ذلك إذ أن حتى الخبراء في مجال الصحافة العلمية والطبية يهرشون رؤوسهم عندما يناقض بحث دراسة أخرى أو يتضح أنه خاطئ. ففي أوائل عام 2008 أشارت توجيهات جديدة ذات صلة بعلاج طارئ للنوبات القلبية قد ينقذ الحياة بأنه لا داعي لإنعاش المريض بالطريقة المعروفة بالإنعاش القلبي الرئوي والأفضل الاستمرار في الضغط على الصدر فقط . وفي حين أن هذا التغيير يحظى بتأييد مجلس الإنعاش الأوروبي ،إلا أن منظمة الصليب الأحمر ما تزال تدرب الناس على طريقة الإنعاش من الفم إلى الفم. وفي هذا الصدد ينصح بول شويردت، الاختصاصي في إنعاش القلب، بعدم اللجوء إلى الإنعاش القلبي الرئوي واستبداله بجهاز الرجفان الخارجي الاتوماتيكي النقال، الذي يتوفر في العديد من الأماكن العامة . وفي حين أشارت دراسة إلى أن هذا الجهاز يزيد فرص حياة الذين يصابون بالنوبات القلبية خارج المستشفيات بنسبة 80 بالمئة، خلصت أخرى إلى أن هذه الأجهزة لا تزيد معدلات النجاة أكثر من طريقة الإنعاش القلبي الرئوي. وليس هناك ما يدهش في أن الأبحاث الصحية والطبية المتخصصة تثير الكثير من البلبلة. اثنتان من كل ثلاث خلاصات تنشر في الدوريات الطبية يتبين خطؤها فقد نقب الدكتور جون لونيديس، الاختصاصي في الأمراض المعدية والباحث الطبي التحليلي في العديد من الدراسات واكتشف أن اثنتين من كل ثلاث خلاصات تنشر في الدوريات الطبية يتبين خطؤها فيما بعد. وتتمثل المعضلة في أن هذه الخلاصات هي التي يقرؤها طبيبك عندما يقرر إذا كان من الأنسب وصف مضاد حيوي لعلاج التهاب الأذن لدى طفلك، أو ما إذا كانت الفوائد تفوق مخاطر قيام الرجال في أواسط العمر بتناول جرعة يومية صغيرة من الأسبرين. إذن، ماذا يحدث؟ إليك بعض الأسباب التي تجعل الخبراء يخطئون. • الباحثون يحددون نتائج الأبحاث: يحلو لقبيلة الباحثين القول بأن حالات الخداع الشهيرة التي نطالعها في وسائل الإعلام، مثل ادعاء الباحث الكوري وو سوك هوانغ بأنه تمكن من استنساخ خلايا جذعية بشرية في عام 2005 ،بأنها نادرة. ومن الحالات الشهيرة الأخرى حالة وليام سومرلين الباحث في مجال السرطان الذي حظي بإشادة عالمية عندما ادعى النجاح في زراعة جلد بين فأرين غير متطابقين جينيا. والواقع انه استخدم قلم ترقيم اسود (ماركر) في تسويد رقع جلدية قبل أن يطعم بها جلد فأر أبيض. ويبدو أن الغش في الأبحاث الطبية لا حد له. ففي مسح شمل 3 آلاف و200 باحث (لم يطلب منهم كتابة أسمائهم) ونشر في مجلة "الطبيعة" (نيتشر)، اعترف ثلثهم بأنهم ارتكبوا فعلا خداعا واحدا على الأقل أو تلاعبوا في نتائج الأبحاث. وفي بحث مماثل، أشار نصف مساعدي الباحثين إلى أنهم على علم بدراسات تضمنت خداعاً. ولكن ما الداعي إلى مثل عدم الأمانة هذه؟ الإجابة ببساطة هي أن الباحثين بحاجة إلى نشر نتائج بحثية مثيرة للإعجاب في المجلات العلمية بقصد إنعاش حياتهم المهنية، في حين أن بعضهم لا يستطيع الخروج بنتائج من خلال العمل النظيف. • إنهم يزيفون النتائج: يتخلص العلماء الذين يحظون باحترام كبير من المعلومات طيلة الوقت. ويبدو انه لابد لهم من ذلك. فمن الصعب تبرير احتفاظ العلماء بنتائج الأبحاث إذا اخفق جهاز رئيسي في البحث في عمله أو إذا تبين أن المرضى موضوع الدراسة لم يتقيدوا بحصص أو جدول الوجبات أو الأدوية. وتكمن المعضلة في أنه لا يتضح دائما أين يمكن رسم الخط الفاصل بين المعلومات الخاطئة وبين تلك التي لا يرغب فيها الباحث. وكان دوغلاس ألتمان مدير مراكز الأبحاث الطبية في اوكسفورد قد فحص أكثر من 100 دراسة ذات صلة بالأدوية وقارن بين المعلومات الخام (التي لم يتم تحليلها) وبين النتائج المنشورة وتوصل إلى أن المعلومات في معظم الأبحاث قد أهملت وإنها في معظم الأحوال لم تنسجم مع الخلاصات ويمكن أن تثير أسئلة غاية في الخطورة. وقد يتمثل اخطر أشكال التخلص من المعلومات في عدم نشرها لأن نتائج الدراسة خالفت المأمول. ومعظم هذه النتائج السلبية المفقودة هي لدراسات تمولها شركات الأدوية. فإذا كنت ترغب في طرح دواء في الأسواق فإنك بلا شك سوف تمتنع عن نشر أبحاث تجعل الدواء يبدو سيئا. وكشفت دراسة أجريت منذ عامين عن أن 23 من 74 تجربة ذات صلة بمضادات الاكتئاب لم تنشر. ووجدت جميع الدراسات عدا واحدة أن العقاقير لم تكن فعالة تماما كما هو الحال لدى الذين تناولوا أقراصا وهمية. وعلى النقيض، فقد تم نشر الدراسات التي أتت بنتائج ايجابية. • إنهم يجرون أبحاثهم على المرضى الخطأ: لعل السبب في أن الأبحاث قد تكون غير موثوقة وفاقدة للصدقية يعود إلى أن الباحثين يدرسون المرضى الخطأ. فقد تكون الدراسة صادقة في نتائجها عدا أنها قامت بتقييم اثر الدواء على أشخاص غير مناسبين، أي لا يمثلون المرضى الذين هم بحاجة إلى الدواء بحق. وفي بعض الأحيان يكون الأشخاص موضوع البحث الطبي يتمتعون بوعي صحي أو تمكن منهم المرض بشدة. كما أن هناك حقيقة أن العديد من الدراسات تدفع مبالغ للناس ليشاركوا فيها، الأمر الذي يسفر عن مشاركة نسبة عالية من الفقراء أو مدمني المسكرات والمخدرات والمشردين، مما يؤثر على صدقية النتائج. وكانت دراسة في تسعينيات القرن الماضي قد أشارت إلى أن العلاج بالهرمونات البديلة يقلل من مخاطر الإصابة بأمراض القلب بنسبة 50 بالمئة. ثم أتت دراسة في عام 2002 لتثبت أن هذا العلاج يزيد من مخاطر التعرض لأمراض القلب بنسبة 29 بالمئة. فما السبب في هذا التضارب؟ لقد اتضح أن المجموعتين اللتين أخضعتا للدراسة ضمتا أشخاصا من توازنات متباينة: فقد ضمت المجموعة الأولى نساء شابات نسبيا بينما ضمت الثانية نساء كبيرات في السن مما أدى بالبحثين إلى الخروج بنتائج مضللة. • إنهم يغيرون مضمون الدراسة تعني "الصدفة المحضة" في مجال الأبحاث الطبية والنفسية حدوث تحسن على مجموعة من الناس بمرور الزمن، مثل انخفاض طفيف في الوزن على سبيل المثال. وقد لا يكون لهذا التغير أي علاقة بموضوع البحث ولكن الباحث يستطيع عندئذ أن يدعي أنه حدث كنتيجة لما يجري بحثه من خلال إعادة صياغة البحث بطريقة توحي بأن هذا التغير كان هو ما سعت الدراسة إليه. ويشبه دوغلاس ألتمان هذا الوضع بقوله:"يبدو الأمر كقذف السهام على الجدار ثم القيام برسم لوحة الهدف حولها." وكان ألتمان قد عقد مقارنة بين مقترحات الأبحاث التي قدمها الباحثون وبين النتائج المنشورة ووجد أن " الهدف المعلن من الدراسة كان مختلفا في أكثر من نصف الحالات." وبعبارة أخرى ، كانت نصف النتائج مصادفات تم تحويلها إلى حقائق علمية مزعومة. • إنهم يدرسون الثدييات الخاطئة في حادثة خطيرة وقعت مستشفى نورثويك بارك في ميديلسكس منذ أربع سنوات، تم إعطاء دواء تجريبي لعلاج اللوكيميا (سرطان الدم) إلى ستة متطوعين، ليصاب الجميع بالمرض الشديد. وكانت قد تم اختبار سلامة الدواء قبل إجازته. غير أن اختبار السلامة اجري على الحيوانات حيث اثبت عدم تسبيبه لأي أعراض جانبية حتى بجرعات اعلى 500 مرة من تلك التي أعطيت للمتطوعين. لقد أصبح البحث الطبي يعتمد على الحيوانات. وتقوم الانفراجات العلاجية التي تطالعها في وسائل الإعلام على أبحاث أجريت على الفئران ولكن النتائج قد لا تنطبق قط على بني البشر. وتفشل ثلاثة أرباع الأدوية في التجارب على بني البشر لأنها تسبب أعراضاً جانبية خطيرة أو لأنها ببساطة تفشل كعلاج. وو سوك خدع العالم بنتائج أبحاثه حول الخلايا الجذعية