لم تستطع المرأة حتى بعد أن أثبتت بأنها قادرة على العطاء والبناء في الوطن، أن تتخطى المجتمع الذي يحيطها بالكثير من الخطوط العريضة الحمراء التي لا يريدها أن تتجاوزها، وعانت المرأة على مدى عقود من عوائقها الاجتماعية التي خلقت منها امرأة متعددة الأطر، فهي إما التابعة أو المستقلة، أو أنها "سقط متاع" لاحياة لها، فنشأت العوامل التي أسهمت في تبصيرها بوعيها و"قيمة نفسها" وبدورها الذي لابد أن يكون الأبرز في المجتمع، إلا أنها ومع جميع التحديات والظروف الاجتماعية لم تستطع أن تتخلص من قصور نظرة المجتمع لها والوعي بدورها كمثيلها الرجل، ابتداءً من حصرها في مجالات ضيقة في التعليم، وانتهاءً بمنعها من حقوقها الإنسانية الطبيعية، فبقيت في الصراع ذاته إما أن تتحجر بداخله أو يتحجر أمامها ليعيقها عن حراكها المأمول فيه.. في هذه الحلقة نتناول "الرؤية المجتمعية"، ونقف على أهم الظروف الاجتماعية التي أسهمت في تحجيم دور المرأة، والعوامل التي جاء منها قلة الوعي بأهميتها الاجتماعية والتي كرمها الإسلام بأن جعلها أولى دعائم المجتمع الصغير "الأسرة"، والتي منها يتشكل المجتمع الكبير، حتى دار الصراع بين من وجد بأنها مكينة "الخدمة والإنجاب"، وبين من آمن بقدراتها، فحاول الإسهام في انطلاقها لإثبات الذات في كافة المجالات، إلا أن المجتمع مازال يطلق عليها "المسميات" التي تعيدها إلى الخلف وتحد من انطلاقتها، فكيف لنا أن نقرأ تلك الضغوطات الاجتماعية؟، وماالذي حصل للمرأة من خلال تلك الضغوطات لتقف معظم الوقت في مكانها؟. ثقافة «المرأة مالها إلا بيتها» تعيد النقاش إلى «المربع الأول» مالها إلا بيتها! في البداية يقول أستاذ الاجتماع في جامعة الملك سعود "د.عبدالسلام الوايل" إننا أمام وضعية مجتمعية متوترة فيما يخص الدور المقبول للمرأة، وحالة جدل حول الأدوار التي يمكن للمرأة أن تلعبها في المجتمع، وهل هي أدوار داخل المنزل فقط أم يتوجب علينا القبول بأدوار أكبر للمرأة خارج البيت، أي في المجتمع الأكبر؟، وإن قبلنا الرأي الأخير، فسيثور نقاش محتدم جداً حول حدود تلك الأدوار، مشيراً إلى أن النقاش حول هذه المسألة يأخذ شكل الدائرة، فهو ما أن يخمد حتى يحتدم مرة أخرى دون أن نكون قادرين على حسمه والانتقال إلى مرحلة جديدة كلياً في التفكير. غازي الشمري القطيعة المجتمعية وأضاف أنه قبل سنوات قليلة كان المرء يظن أن الواقع الذي أفرزه القبول المجتمعي لخروج المرأة للدراسة والعمل -خاصة في مجال التدريس- قد أنجز القطيعة المجتمعية مع مقولة أن "المرأة مالها إلا بيتها"، ولكن المقولة عادت حاضرة بقوة في النقاشات، والسؤال:مالذي عاد بها؟، -وفي تحليلي الشخصي- أن هناك ظروف ونقاط مفصلية يمر بها المجتمع تعيد النقاش إلى المربع "رقم واحد"، فالمجتمع الذي استقر سنوات على قبول خروج المرأة للدراسة والعمل، بدأ فجأة يستحضر مقولة "أن المرأة مالها إلا بيتها"، وسبب هذا النكوص هو تطور خطير طرأ على بنية العمل النسوي في المجتمع، فالوظائف التعليمية غير المختلطة شحت، والبطالة بدت تتزايد بشكل متسارع بين النساء، ووصلت 78% بين الخريجات الجامعيات الجدد -بحسب تصريح نائب وزير العمل خلال الأسابيع الماضية-، ورافق هذا الواقع الضاغط خطط لوزراة العمل بتوسيع مشاركة المرأة في المهن، كخطة الوزارة لتأنيث محلات بيع مستلزمات النساء، موضحاً أن تلك الخطط والدعاوى قرعت في الذهن المحافظ أجراس الخطر، ودعته لاستدعاء مقولات لاعلاقة لها بواقع المرأة، كمقولة "المرأة مالها إلا بيتها". واشار إلى أن نفس من يرددون تلك المقولة هم نتاج لواقع تخرج في نسائهم وبناتهم للعمل والدراسة، أي أنها موقف ذهني لمقاومة مشاركة أوسع للمرأة في الحياة المهنية، والسؤال:هل ستنجح مثل هذه المقولات في مقاومة ضغوط الوقائع المتنامية، كزيادة البطالة بين الشابات؟، والجواب: يبدو أنها لاتزال فاعلة برغم الثمن الباهظ لهذه الفاعلية، وبعض ذلك الثمن يتم على حساب مبادئ المحافظة نفسها، فنتيجة رفض تأنيث محلات المستلزمات النسائية هو إلزام المرأة بشراء حاجيتها الشديدة الخصوصية من رجال، بما يتضمنه ذلك من مفاوضات هي قطعاً تتناقض مع تصور أن "المرأة مالها إلا بيتها". د.ناصر العود تسلط الرجل وتتحدث رئيسة جمعية ود "نعيمة الزامل" عن أكثر القضايا الاجتماعية التي قد تقع ضحيتها المرأة، فالمجتمع ذكوري ويغلب عليه التسلط على النساء، خاصة في الأسر المتفشي فيها الفقر والتي تقابل فيها الفتاة تسلط الرجل سواء كان أب أو أخ أو زوج بالكثير من الظلم الذي يصل إلى حرمانها من حقوقها كمنعها من التعليم خاصة من أخيها الذي تقابل تسلطه الذي يوليه إياه الوالدين؛ لأنه "ذكر"، فيتدخل في أبسط أمورها كمنعها من زيارة صديقاتها أو البحث عن فرص وظيفية جيدة أو امتلاك أبسط الحقوق والتفاصيل البسيطة في الحياة، ومن يصفق للأخ هو "الأب"، كما تعاني بعض النساء من تسلط الأب الذي قد يصب جام غضبه على البنات بسبب علاقته السيئة بالأم، كقصة الفتاة التي تقدمت إلى الجمعية بشكوى تطلب إيجاد الحلول لها في مشكلة والدها الذي يمنعها من إكمال تعليمها رغم تفوقها دون أسباب فقط لمجرد القمع، مشيرة إلى بعض الحالات الأخرى للنساء اللواتي يعانين من العنف من الرجل، فتأتي المرأة وبجسدها كدمات اثر تعرضها لضرب أو تعرضها لإيذائي لفظي كإطلاق الشتائم والسباب عليها، خاصة حينما يكون الزوج مدمن مخدرات، كما يوجد هناك ضياع لحقوق الزوجة في المجتمع، فقد يسلب الزوج من المرأة أبناءها فتقف حائرة دون أن تستطيع استرداد أبنائها بسهولة، وقد يفعل الزوج ذلك نكاية في الزوجة على الرغم من وضع الزوج السيئ كأن يكون يشرب الخمر أو يتعاطى المخدرات فلا تستطيع أن تثبت ذلك، لأن الشهود يرفضون الإدلاء بالشهادة خشيت المشاكل، فالمحاكم لاتأخذ إلا بما يثبته الشهود دون النظر إلى شهادة الزوجة ذاتها، مما يتسبب ذلك في ضياع حقوقها وضياع حقوق الأبناء الذين يكون لهم نصيب من تلك الظروف، فإما أن يمنعوا من مواصلة التعليم أو يحرمون من رؤية "الأم"، مشيدة بدور الجمعيات والمحاكم التي أصبح لديها وعي بحقوق المرأة الاجتماعية. د.الوايل: مجتمعنا متناقض أحياناً..كيف يمنع بيع المرأة في المحال ويسمح لها بالشراء؟ الفتيات الأربع..نموذجاً واشارت إلى قصة "أربع فتيات طلقت أمهم وغادرت دون أن يعلموا مكانها، والأب مضطرب نفسياً ومدمن مخدرات، فأصبحت الفتيات يعانين كثيراً من مشكلة الوضع المزري الذي يعيشونه مع الأب، فهو يطرد البنات حتى يتسولن في الشارع للحصول على المال حتى ينفق على إدمانه، وتبقى "الجمعية" في دور الحيرة في توفير المكان المناسب لمثل هؤلاء الفتيات الأربع ومن يتولى مسئوليتهن، فليس هناك أقارب أو مسكن يأويهن غير بيت "الأب المدن" الذي يعرضهن للخطر، وللأسف لايوجد نظام يحمي الفتيات من ذلك الوضع الاجتماعي السيئ، كما لا يمكن اللجوء إلى دار الإيواء لبقاء الفتيات به فتلك مشكلة تدل بأن هناك الكثير من القصور في التعاطي مع المشاكل الخاصة بالمرأة والأسرة. نزاع في البيت والوظيفة! ويرى المتخصص في الخدمة الاجتماعية "د.ناصر العود" أن الظروف الاجتماعية التي تمر بها المرأة قد تحد من دورها، مع اختلاف ذلك من منطقة لأخرى، إلا أن المرأة السعودية بدأت تشق طريقها في الحصول على الكثير من حقوقها المسلوبة حتى استطاعت أن تخلق لها مكانة كبيرة في المجتمع واستطاعت أن تتميز. وقال إن المرأة إذا حظيت بالكثير من الاهتمام والاحترام من الرجل -باعتبار دورها الكبير في الأسرة- فان ذلك سيسهم كثيراً في تحسين الصورة الاجتماعية للمرأة والتي قد تعاني منها أحياناً، وربما يدلل ذلك على المكانة الكبيرة التي حظيت بها في الجانب التعليمي والصحة، فقد أثبتت نفسها وحققت نجاحاً يحسب لها كخولة الكريع وغادة المطيري وغيرها، وذلك يدل على أن المرأة قادرة لان تنافس الرجل وأن تتبوأ مكانة في المجتمع كبيرة، إلا أنه يلاحظ بأنه مازالت هناك الكثير من المجالات التي لم تفتح أمام المرأة ولم تحظ بنصيبها منها، وذلك لاعتبارات اجتماعية كثيرة ولعل أن يتغير ذلك سريعاً، فالمجتمع بحاجة إلى القبول بالمرأة والسماح لها أن تخترق جميع المجالات حتى تنجح، مشيراً إلى أن علاقة الرجل بالمرأة في المنظومة الاجتماعية غير جيدة، فالرجل لاشعورياً ينظر للمرأة على أنها الزوجة التي تقوم بدور الخدمة، والأم المربية للأطفال، فيتخذ موقف التخلي عنها حتى أصبحت المرأة تخوض نزاع في البيت ومع الوظيفة التي لاتعطى فيها المرأة جزالة في التقدير الوظيفي، وكذلك الضغوط الإجرائية والأنظمة للوصاية على المرأة والتي لاتستطيع من خلالها أن تخرج عن عباءة الرجل. المرأة تخشى المطالبات ويرى رئيس لجنة التكافل الأسري في إمارة المنطقة الشرقية "غازي الشمري" أن المرأة السعودية وصلت فيما يخص الحصول على حقوقها إلى مرحلة متقدمة عن غيرها من المجتمعات، إلا أنه يبقى هناك بعض الإشكاليات الاجتماعية المحيطة بها والتي قد تأخر من انطلاقها كما في الروتين الإداري في قضاياها، فالمرأة لابد أن تبادر في المطالبة بحقوقها سواء كان ذلك فيما يخص القضايا المتعلقة بالمحاكم أو الإمارة أو أي جهة حتى تحل مشكلتها، مع الأخذ بالاعتبار عامل الوقت الذي قد يطول بها، ولكنه لابد أن يكون في صالحها خاصة مع التغيرات التي رافقت شخصية المرأة والتي كانت في الماضي تفضل الصمت في مواجهتها لضغوط الاجتماعية في حين أصبحت الآن تؤثر الحديث عن مشكلاتها التي أصبحت تطفو فوق السطح.