لا أدري من عرفت أولاً: «فايز أبا» الكاتب أم: «فايز أبا» الإنسان لأن صورتيهما ليست متداخلة في مخيلتي.. وإن تكن «الثقافة» هي المدخل. وباستثناء «قصمان» الطايف «الفوزان» و«الغنيم».. لم يك ل«انطوائي» و«خجلي» بد من الانفتاح على أهل الأدب والثقافة من أبناء جيلي.. وفي معرفة الكثير منهم كنت أقاوم «الخجل» بروح عدائية وكثير من «الوقاحة» و«الصلافة».. فقبلني البعض وأصبحنا أصدقاء مثل: «فهد الخليوي» و«عبدالله بامحرز»، وكرهني و«تحاشاني» البعض منهم ممن صنعوا خيراً لأنفسهم.. بعد أن تأكد لهم أن معرفتي لا تجلب سوى المشاكل.. لأن طول «لساني» يتجاوز «الثقافة» ويصل إلى «السياسة» بطريقة «همجية» يمكن أن «تودي في داهية».. وكان على كثير من ذلك «البعض» أن يتحاشى التواجد في الأماكن التي أكون فيها «ساهراً».. ولا أبالغ إذا قلت إن هناك من يتعوذ من «إبليس» سراً أو جهراً لمجرد أن يذكر اسمي في حضرته والعياذ بالله.. وهناك نوع «ثالث» بدا أن وجودي كان مفروضاً عليه ليس بدافع شخصي مني.. ولكن بحكم ارتباطي بأصدقاء مشتركين. كأن يكون الأمر هكذا: - على فين يا شباب..!! - والله مواعدين فايز أبا..!! - يعني حبكت تواعدوه اليوم..!! - ايش منته جاي معانا..؟! - مين عنده..!! - ما ندري.. تعرف فايز بيته يلم..!! وتسمع من يقول مشجعاً: - كل ما نشوفه يسأل عنك..!! ولأن بيته «عزبة» طالب دراسات عليا «مكي» بشوش وعازب.. فلا يوجد أي حرج من الذهاب إليه وإذا لم «يعجبك» الحال.. أتوكل على الله. لا بد أن تندهش من استقباله.. فهو يحييك بحرارة وود وروح كريمة.. ويستقبل من معك بنفس الروح والطريقة.. حتى لو كان من معك «قاتل أعز الناس لديه» لن تعرف.. وإذا انصرف لن يغتابه.. ولن يعاتبك على إحضار أي أحد حتى لو كان «باخشوين». وفي غياب زائر ما، يبدو سعيداً وهو يذكر محاسنه ومواقفه الطريفة. ولأن باخشوين حضر.. لا بد أن «يتكهرب» الجو.. فأخينا «أبو مشالي» سوف يجد في مجلس فاير أحد.. أو بعض أولئك الذين لا يريد رؤيتهم.. ولو كانوا يعرفون أنه سوف يأتي ما جاءوا حتى لو دفعت لهم «ملايين».. وسوف يصطادهم في أول نقاش وبوقاحته المعتادة سوف يعكر صفو مائهم ذاك والكثير من مساءاتهم التالية سيتذكرون فيها.. كل أو بعض ما قال. وفايز أبا يضحك.. من ورطة المضيف التي تدرك أنه اعتادها.. فهو لا يتدخل أو يميل لأي من أطراف ذلك الحوار والنقاش العجيب الغريب.. والمدهش حقاً أنه عندما يحتد «التفاعل الثقافي».. قد يتصنع النوم خلال جلوسه.. ليس دعوة للانصراف.. ولكن كمن يقول: «مالي صلاح.. كل واحد يعرف خلاصه». أحياناً كنت أذهب إليه منفرداً.. ودون هدف سوى الاستئناس بصحبته لبعض الوقت.. وكثيراً ما صدف أن وجدته وحيداً.. وللحق لم يكن في زيارتي له ما يسر.. لأنه إما جالساً في استراحة المحارب من زحمة ضجيج الزوار.. أو لأنني سأزعجه كأنني مرسل من عفاريت القايلة لمناكفته وازعاجه.. فهو من النوع الذي لا تعجبه شخصيتي وآرائي.. وأنا من النوع «المتسلط» الذي يعتقد أنه بعد ما يقول تأتي نهاية الكون. بعد زواجه من القاصة السيدة هناء حجازي.. التي للأسف لم تتح لي فرصة الاطلاع على عملها أو أعمالها المطبوعة.. بعد الزواج كثرت زياراتي له والسهر لديه بصحبة الأستاذ عابد خزندار والشاعر ياسر حجازي والفنان عبدالهادي الشهري ومحمود تراوري وعيد الخميسي. وهي مرحلة أشبه ب«شهر عسل».. فقامت السيدة زوجته بالاطلاع على كتاباتي «الجديدة» وطباعتها مشكورة لتشجيعي على «تنقيحها» ونشرها.. لكنه «شهر عسل» لم يدم طويلاً.. بفعل نزقي وتسلطي.. أو هل أقول ربما «غبائي» أو أنني كنت أشبه «أنيس زكي» بطل رواية «ثرثرة فوق النيل» للروائي المعلم نجيب محفوظ.. الذي قال له مدير عمله أنه لا يرى أي شيء مما حوله لأن له عينان تحدقان إلى الداخل ولا ترى شيئاً مما في الخارج.. وهي خاصية غريبة تنبه لها «المعلم» دون أن يفلسفها خارج أحداث الرواية. ورغم كل شيء فإن فايز أبا من الشخصيات الإنسانية التي لا تنسى.. وكم كنت أتمنى لو أنني امتلك قدرات روائي مثل عبده خال أو عبدالله التعزى.. لأكتب رواية عن ألوان حياته وتقلباتها خلال مرحلة العزوبية.. أما ككاتب فأتمنى أن تعود له صحته وحيويته ليعود للكتابة والترجمة.. وحينها قد نعود للنقاش الحاد والاختلاف حول كل «اللاشيء» الذي كنا نختلف عليه.