في رحلة سفر بين جدة والرياض جمعتني بشخص عرفته صدفة على رغبة موظف المطار الذي وزع بطاقات الصعود علينا، وكنت أحمل كتاباَ بعنوان "الحب عبر العصور" - لا أذكر اسم مؤلفه!- ابتعته من مكتبة مطار جدة، وبعد تأكيد المضيفة للركاب من ربط الأحزمة ومنع التدخين وشروحات الأمن والسلامة في الطائرة باغتني رفيق الرحلة الذي لم أختره بقوله: "إنت ما جربت الحب مو؟"، تواطأت على الإشارة بذلك، وبعد أن التقط لهجتي قال بصوت حكيم: "النجدي لما يحب ينسى أهله عشانك بس الحجازي يحبِّب أهله فيك !"، وسلمته إذنيَّ توقف ليجرع عصيراً ثم قال: "بس لما تخون النجدي يعذبك بتدمير نفسه زي الطير!".. لم أعد أذكر ما تحدثنا به سوى إصراره على المضيفة أن تجد له حبة مسكن للصداع الذي ألم به، وربما غرقت في الكتاب أو شردت كعادتي.. أقول هذا الكلام تمهيداً لموضوع أغنية "مشتاق قالوا لي" من شريط نوال (2009) الذي صدر في شهر الشتاء نوفمبر الموافق ليوم ولادتها في برج العقرب..، هذا الموضوع حول الشعور بالانتقام للمجروح قدرياً كتبه كاتب أغنية ممتاز تركي ( النصف الأول للملحن طارق محمد) ولحنه العماني ماجد المخيني، وما بين الشكوى والتشفي وضع فكرته اللحنية، وبين فرحة رد كرامة الجرح وضع إيقاع رقصة الزمر الذي انتشر عبر أغنيات إماراتية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة بينما هو مشترك مع عمان. "دار الزمن بك دار واليوم جا دورك شبت في قلبك نار من قلب محبوبك" تستثير (لعبة التداعي) من موضوع الأغنية الكثير من تأكيد أن لكل نصيب من الجزاء ولو بعد حين .نعم، كيف يدور الزمن؟ كيف يكون الانتقام بين حبيبين عربيين؟ لم تغن نوال قبلها مثل ذلك.إنها متصالحة مع الحبيب والزمن والحال.. "مشتاق قالوا لي غرقت بدمع عينك مثل ما غرقت عيوني يا شكوتي لله العند مثل السيف يبدا بطعن من سلَّه! حس فيني ذوق ما ذقته عاني يا معنيني ذوق من ظلم ظلمته لي وناجيني بعدين راضيني" تجاوب الكورال على أشده منذ مقطع "حس فيني" ويلعب الملحن في درجات الغناء على مقامية نغمة الحجاز وفروعها المتصلة والمنفصلة، ولكن بحس بسيط وعميق في ذات الوقت . جملة "العند مثل السيف يبدا بطعن من سله!" من جمل الحكمة المركبة - وإن كانت عفوية -، وانتقل بها من العين والرمش أيام قول أبي الحسن المنورجي: "كل السيوف قواطع إن جردت وحسام لحظك قاطع في غمده!"، إلى شعور آخر بالعزة والكرامة حين قال ابن لعبون واغترب: "والا لراعي نجد لو كان عجَّاب تراه مثل السيف ما ينلعب به!". "جروحي ما أرحم جروحك ودموعي ما أمسح دموعك وخضوعي يوم أنا طوعك يوم أرجيك لا تخليني" مرافقة الكورال الدائمة "لا أصدك.." تشد من عزم نوال أداء وتطور فعالية الأغنية والرسالة المقصود إيصالها، وتختلف الأغنية عما سواها في المجموعة الغنائية بل إنها تشكل رداً مفاجئاً على الأغنية الأولى في الشريط التي تسبقها ترتيباً كأنما صدى أم كلثوم وعبد الوهاب محمد والسنباطي حاضراً بقوة وتأثير عارم: "حسيبك للزمن لا عتاب ولا شجن تقاسي من الندم وتعرف الألم تشكي مش ح اسأل عليك تبكي مش ح ارحم عينيك يا للي ما رحمتش عينه لما كان قلبي في ايديك دارت الأيام عليك" نوال تؤكد أنها العاشقة، ولكن لا تتنازل عن كرامتها. نوال مثل السيف!