في بادرة هي الأولى من نوعها، افتتح يوم الجمعة الماضي الموافق 17 نوفمبر المعرض الاستعادي الأول للفنان الراحل محمد بن موسى السليم، والذي عرض عدد من اللوحات والصور النادرة والقصاصات الصحفية التي تعطي الزائر فكرة عن مراحل حياته المهنية وانتقاله من مدينته مرات التي ولد ونشأ فيها إلى مدينة الرياض وصولاً إلى وفاته في مدينة براتو الإيطالية -رحمه الله-. الفريد في هذا المعرض إن ما جعل هذا المعرض حدثاً مميزاً هو اختيار مدينة مرات كمكان لإقامة المعرض، كما أنها المرة الأولى منذ وفاته التي يقام له فيها معرض استعادي يسلط فيه الضوء على مسيرة حياته. لقد كان هذا المعرض لفتة احترام للسليم الذي حمل مرات في قلبه حتى نهاية حياته، وكانت براريها سبباً في ابتكاره لاحقاً لأسلوبه الفني الخاص المعروف بالآفاقية، حيث عمل في صغره برعي أغنام جدته وتأثر بمنظر خط الأفق الذي احتضن المدينة. من أين جاءت الفكرة؟ ومتى بدأت؟ جاءت الفكرة منذ ثماني سنوات حين تعاونت ابنته الكبرى نجلاء السليم مع قيّم المعرض إيمان الجبرين وفريق التحرير الخاص بمتحف الفنون الحديثة في نيويورك (موما) لإعداد الجزء الخاص بالمملكة في الإصدار الخاص الذي أصدره المتحف. حيث تم التخطيط بدقة لمعرض استعادي كبير يتم فيه تعريف النشء بأحد أعلام الفن في المملكة، وتم وضع مراحل العمل والتي كان من أهمها العمل على جمع كل ما يمكن جمعه من أرشيف يخص الفنان سواء كان لوحات فنية، أو صور، أو مقالات صحفية، أو مجسمات، أو ماكيتات، أو حتى أوراق للمؤسسة ورسوم تخطيطية عابرة. وبالفعل أسفر هذا التعاون عن مجموعة أرشيفية قيّمة ومميزة، كما تمّ العمل على إعادة تسجيل مؤسسة دار الفنون التي أغلقت سابقاً والتخطيط لعملها المستقبلي، ووضع لها رؤية مستقبلية وخطة عمل واضحة سهّلت الكثير من الإجراءات. وبعد التفكير الطويل في محطة الانطلاق، وقع الاختيار على مرات تزامناً مع تدشين الصالة التي خصصتها جمعية التنمية الأهلية بمحافظة مرات للفنون التشكيلية، والتي أطلقت عليها اسم محمد السليم بصفة دائمة باعتباره أحد رموز الفن البارزين من أبناء المحافظة. أهم المعروضات تضمّن المعرض 24 لوحة من بدايات السليم وحتى عام 1981م، وهو العام الذي توّج فيه الراحل فنان العام، وكان في قمّة تألقه الفني، وتراوحت موضوعاتها بين بيئة مرات والعائلة والبادية وبدايات الآفاقية واستخدام الخط العربي في اللوحة. كما تضمن أيضاً مقالات صحفية نادرة كتبها السليم منذ عام 1966م، أي قبل أن يقيم معرضه الأول، وأخرى كتبت عنه وتناولت تحركاته بالتفصيل، وهذه لا تكشف عن نشاطه الصحفي فحسب بل تعطي الزائر فكرة عن أهم الموضوعات الساخنة آنذاك وتعكس نضج الحراك الثقافي الفني وجرأة الصحافة السعودية كمنبر للشباب. ومن المعروضات النادرة أيضاً في هذا المعرض مجموعة من الصور النادرة، الرسمية والعائلية، والتي تعكس حبّ السليم لجمع الصور والتقاطها أيضاً، كما يتعرف الجمهور للمرة الأولى على عدد من اللوحات التي رسمت بناء على صور لأشخاص واقعيين من حياة الفنان. وقد عرضت أيضاً قصائد كتبها الفنان في لحظات حزنه الأخيرة قبل وفاته، خاطب فيها معلم مرات الشامخ، جبل كميت، معاتباً إياه كما يعاتب الصديق الوفيّ صديقه. تضمن العرض أيضاً، وثائق وصور لمعارضه الأخيرة في إيطاليا قبل وفاته، ومقابلته التلفزيونية الأخيرة، وعدداً من البطاقات والكتب التي طبعت على نفقة دار الفنون السعودية قبل أن يغلقها. أهم الضيوف كان من المهم أن تكون الدعوة للافتتاح عامة لإعطاء أكبر عدد من محبي السليم الفرصة للاستمتاع بأعماله، حيث دشّن سعادة محافظ مدينة مرات الأستاذ سند بن عمّاش آل حفيظ المعرض برفقة عدد من الأعيان، كما حضر الافتتاح نخبة من الأدباء والمثقفين والإعلاميين والفنانين الرواد والشباب. وقد سجّل الجميع إعجابهم بفكرة المعرض ومحتوياته. لحظات لا تنسى من اللحظات المميزة في هذا المعرض زيارة عدد من أصدقاء السليم الأوفياء أمثال الفنان القدير علي الرزيزاء والدكتور فواز أبو نيّان والفنان القدير عثمان الخزيم. كما حضر الافتتاح عدد من طلاّبه القدماء من أهالي مرات وأقاربه الذين كانت تغالبهم الدموع في كل مرة يشاهدون فيها أحد الصور أو يتذكرون فيها قصصه معهم. ماذا بعد مرات؟ تردد في يوم الافتتاح هذا السؤال كثيراً على لسان الحضور، ووجهت دعوات كريمة من عدد من الجهات لاستضافة المعرض في محطته القادمة، ووعد القائمين عليه أن تكون النسخة القادمة منه أكبر وأكثر تشويقاً بإذن الله. الراحل محمد السليم -رحمه الله- جولة محافظ مرات في المعرض جانب من المعرض، تصوير: عبدالمجيد الروضان