يروي تشارلز داوتي الرحالة الإنجليزي مشاهداته في كتابه "ترحال في صحراء الجزيرة العربية"، الصادر بالإنجليزية والمترجم إلى العربية، جانبا من روايات سعوديين عملوا في حفر قناة السويس، بعد أن عاش في صحراء الجزيرة العربية بدءا من سنة 1876م، وقال بعدما تعرف في بلدة عنيزة على شاب يدعى إبراهيم حينما وصل عنيزة عام 1878م بعد نحو تسع سنوات من إنجاز قناة السويس: كان إبراهيم واحدا من النجديين الشرقيين الكثيرين الذين ذهبوا قبل أعوام عدة للعمل نظير أجر في حفر قناة السويس، يعتقد إبراهيم أن 200 من رجال القصيم كانوا يمارسون هذا العمل في حفر القناة، ضمن الكثير من سكان جزيرة العرب و"من ضمن هؤلاء قبيلة غامد التي تثبت بعض الوثائق مشاركتهم" وقال إبراهيم أيضا "إنه سبق له أن شاهد في هذا المشروع فرنسيين وإيطاليين ويونانيين، وكان يظن أنهم يتكلمون لغة واحدة"، وفي توصيف لقسوة العمل في السويس، يضيف داوتي نقلا عن صديقه إبراهيم، "إنه شاهد بعض الطرود التي كانت ترسل من قناة السويس على عناوين الحانوتيين، كما تمعن في عمل المرأة الإفرنجية"، وتفكر أيضا - على حد قوله - "في المرأة - الرجل، التي تحمل مسدسا تعلقه في وسطها، وتقوم بدور الريس الذي يشرف على العمال أثناء أدائهم عملهم، حيث كان هناك جمع كبير من أمم مختلفة، خليط من الرجال المعسرين والمحتاجين، مسلمين ومسيحيين"، هذا القطيع من البشر المهاجرين كانوا يلبسون أثمالاً مهلهلة وكان من بينهم مسلمين ومسيحيين وبخاصة اليونانيين الشرقيين المتشددين - كل أولئك كانوا مختلطين بعضهم ببعض يضاف إلى ذلك أن المسالمين من هؤلاء البشر كانوا يخشون أن يضلوا طريقهم إلى رفاقهم أو يتيهون في هذا الزحام وكان إبراهيم يرى في مظاهر العداء الطبيعية هذه نوعا من حروب الأديان، وادعى إبراهيم أمام داوتي أن اليونانيين أو الروم هم الذين كانوا لديهم أكبر قدر من السلاح وأنهم هم الذين كانوا يتعاركون مع المسلمين وقال بلهجته - اليونانيين "معلونين" في تلك الأماكن حتى أنه سمع بين البدو السيناويين شخصا يسب خصمه مستخدما الكلمة الإفرنجية أنت أبشع من اليوناني!! إلا أن الجنود المصريين كانوا يقضون على هذه الاضطرابات على حد قول إبراهيم بالعدل والحيادية وعدم الانحياز. وحكى إبراهيم أيضا أن لديه الكثير من الحكايات الجميلة عن السويس كما حكى عن صداقاته مع النصارى وقال إن بعضا من جيرانهم النصارى عزموهم ذات يوم في الخيام وتناولوا معهم عشاء عامرا بالكرم والترحاب. وروى له إبراهيم أنهم في ليال كثيرة كانوا يسرقون عارضة خشبية كي يستعملونها وقودا في طهي الطعام وإعداد القهوة وكانوا يخفون تلك العارضة أثناء النهار، وعندما تعجب داوتي من هذا التصرف قال إبراهيم: الخشب لم يكن ملكا لأحد وإنما كان ملكاً للكبانية (الشركة)، ويختم إبراهيم بأنه عاد من تلك المهمة بعد اثني عشر شهرا. عاد مفتقرا للقلب الإنساني ولكنه جاء ثريا بمبلغ 200 ريال تقريبا وبالرغم من أنه لم يكن فقيرا أو محتاجا في بلده إلا أنه قطع مسافة سبع مئة ميل كي يعمل حفارا في قناة السويس، ولكن هذا هو حال فقر سكان الواحات في الجزيرة العربية، ويعلق داوتي أخيرا وهو يقول: إبراهيم كان من السلالة الأصيلة وكان زوج أخت علي ذلك الرحال العربي وجدت ذاكرتي هذين الرجلين متأثرين بقناة السويس، ثم يذكر داوتي حكاية طريفة عندما طرح عليه البعض من الناس سؤالا متعطشا: ألا يمكن عمل قناة مثل قناة السويس عبر صحراء نجد وكانوا يظنون أن مثل هذه القناة ستعود على مصلحة بلادهم. خريطة قناة السويس تشارلز داوتي ترحال في صحراء الجزيرة العربية سعود المطيري