وسط أجواء الصخب والمعرفة؛ التي عادة ما يثيرها معرض الرياض الدولي للكتاب، كان الرسام السعودي وضاح طربزوني مستغرقًا في ممارسة هوايته "الفريدة" في المساحة المخصصة لجناح البوابة الوطنية للهوايات "هاوي" في المعرض. هذه الهواية "الفريدة" ليست سوى تقنية مستحدثة في الرسم أطلق عليها وضاح: "الرسم بخط واحد غير متقطع".. هذه التسمية الحصرية للرسام طربزوني لها ما يبررها، إذ يقول: "هذه التقنية قمت بابتكارها، تبدأ بخط واحد من دون خط متقاطع أو متقطع، وتحتوي كل رسمة على عبارات أو رموز تمثل أسرارًا وألغازًا على المتأمل للوحة اكتشافها، وهنا تكمن فرادة هذه التقنية، إذ إنها تحرض على التأمل والتفكير وحل المشكلات". لكن كان هناك ما يؤرق طربزوني، كيف سيعرّف الهواة ومحبي الرسم على هذا النوع من الرسم؟ يجيب: "بالفعل، قد يكون من الغريب أن يخرج شخص ليعلن ابتكار نمط فني جديد في هواية واسعة الانتشار مثل الرسم، وقد يكون استحالة تحقيق ذلك، حتى تعرفت على البوابة الوطنية للهوايات وطريقة عملها، فمشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، سأستفيد من الخدمات التي تقدمها هاوي لافتتاح أول ناد متخصص في الرسم بتقنية الخط الواحد غير المتقطع أو المتقاطع، هذا النادي سيعطي قدرًا كبيرًا من الزخم لهذه التقنية من خلال المأسسة المطلوبة لهكذا أعمال، ومن ثم يمكن لنا استهداف الأفراد وتعريف الناس أكثر على هذا النمط من الرسم بما يحقق له الذيوع والانتشار". تواصل وتفاعل تخلُص العديد من الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يمارسون هوايات معتادة، يكونون في الغالب أقل عرضة للتوتر والاكتئاب والمزاج السيئ ونحو ذلك، فكل نشاط تضطر معه للخروج من المنزل، على سبيل المثال، يمكن أن يشعرك بالسعادة والاسترخاء، كما يمكن للهوايات الجماعية كالرياضات الجماعية ونحوها من أن تحسّن مهاراتك في التواصل والعلاقات مع الآخرين. فعلى سبيل المثال، يضمّ نادي ألوان السينما أكثر من 256 عضوًا من الجنسين، يلتقون من خلاله في تجمُّع فني ثقافي للمتخصصين والهواة والمهتمين بالمجال السينمائي في كل فئاته من الإنتاج والإخراج والتمثيل والتصوير، يتشاركون خبراتهم وتجاربهم المتنوعة، كما يعملون على تأهيل وتدريب وتطوير الهواة في صناعة السينما؛ فنيًا وتقنيًا وثقافيًا وفكريًا. كان الهدف من تأسيس نادي ألوان السينما للهواة وإدراجه رسميًا في البوابة الوطنية للهوايات "هاوي" في عام 2021، تعزيز حب السينما وتقديم فرصة للهواة للتعبير عن أفكارهم وإبداعاتهم من خلال هذا الفن، وانتهى به الأمر بتنظيم ملتقيات دورية للأعضاء توفّر فرصة للنقاش والحوار حول الأعمال المعروضة أو التي يتم العمل على تجهيزها استعدادًا لعرضها لاحقًا، ولم يتوقف النادي عند هذا الحدّ، بل بدأ في تنظيم ورش عمل للهواة لتعلُّم فنون صناعة الأفلام وتقنيات الإخراج والسيناريو. أصبح للنادي مجموعة من المتخصصين الذين كانوا على استعداد لمشاركة معارفهم وخبراتهم مع الأعضاء المسجلين. أسهمت الخدمات التي تقدمها بوابة "هاوي" للهواة وأنديتهم في نمو نشاطات نادي ألوان السينما كغيره من أندية الهواة؛ التي منحتهم مكاسب عديدة كالاستفادة من إدارة أعضاء أندية الهواة ونشاطاتها من خلال صفحات للأندية، ورفع طلبات الدعم، وإيضاح اللوائح التي تنظم القطاع، إضافة إلى حجز المساحات والمرافق، وتمكين إقامة وحضور الدورات التدريبية والفعاليات المقامة في المملكة. خدمات استفاد منها نادي جديل للفنون البصرية، أحد أندية "هاوي" لإنشاء مساحة تجمع المهتمين والمهتمات بالفنون البصرية؛ كالتشكيل والنحت والتصميم وغيرها من الفنون، لإتاحة الفرصة لنوع من الحوار البنَّاء، يتم من خلاله تبادل الخبرات والأفكار، والعمل على التدريب والتطوير المستمر، بالإضافة إلى تأسيس نتاج نوعي ومتفرّد، على غرار المشاركة في العرض الأدائي؛ الذي حمل عنوان (ظلها) والذي شارك فيه عدد معتبر من الفنانات السعوديات، مستفيدًا من الدعم الذي تقدمه البوابة الوطنية للهوايات "هاوي"؛ دعم سمح لهذا النوع من التفاعل من أن ينضج وأن يظهر. وسيلة ناعمة أستاذ علم الاجتماع في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية الدكتور عبدالرحمن الشقير، يرى بأن أهمية الهوايات في المجتمعات تنبع من كونها وسيلة ناعمة لقراءة المجتمعات وتاريخها وتنوعها واهتماماتها التاريخية ودلالات ذلك الاهتمام وذلك التنوع، ويضيف: يطيب لي أن أشبه الهوايات بجهاز تخطيط القلب، فكلما كانت الهوايات أكثر تنوعًا، كان ذلك دليلًا على حياة المجتمعات وتنوعها، مثلها مثل الخط المتعرج لجهاز تخطيط القلب، الذي يدل على انتظام نبضات القلب وصحته، ومن هنا تأتي أهمية تتبع هوايات المجتمع ودراستها بوصفها تراثًا غير مادي يجب الحفاظ عليه، وأضرب مثالًا باليونسكو التي لا تسجل أية هواية، أو أي تراث غير مادي ما لم يكن مدعومًا بالبحث والدراسات العلمية والأنثربولوجية حوله، لذا بالدعم الحكومي لقطاع الهوايات، وتوحيد الإعلام لرؤيته تجاهها، يمكن خلق واقع يرتقي بالهوايات ويرفع من ذائقة المجتمع تجاهها. هدف واضح ومباشر من جهته، يرى مدير عام إدارة تنمية قطاع الهوايات في مركز برنامج جودة الحياة طارق بن عدنان الغرابي أن "هاوي" أُنشئت لغرض محدد ومباشر، قد يختصر الكثير لكل من يسأل عن طبيعة عملها، مشيرًا إلى أن الهدف الرئيسي الذي كان وراء إطلاق "هاوي" هو أن يكون لكل مواطن ومقيم في مملكتنا هواية يمارسها ويستمتع بها؛ لاعتبار الهواية أحد أهم العوامل السهلة والممتعة لانتهاج نمط حياة صحي وحيوي لما فيها من خصائص وآثار في تحسين الصحة النفسية والجسدية من خلال تحقيق السعادة والاستمتاع وتخفيف مستويات التوتر والضغوط وتحسين الكفاءة الذهنية واللياقة البدنية وتحفيز الإبداع والابتكار، مما ينعكس أثرها على المجتمع ككل في المشاركة المجتمعية والسلوك الاجتماعي وتحقيق الأمن والسلامة والتنوع المعرفي ويضيف: البوابة الوطنية للهوايات "هاوي" هي إحدى مبادرات برنامج جودة الحياة بمشاركة 12 جهة حكومية تعمل على تنظيم وتطوير وتفعيل قطاع الهوايات في المملكة من خلال احتضان الهواة وتأسيس أندية للهواة، ورفع طلبات الدعم، وإيضاح اللوائح التي تنظم القطاع، إضافة إلى حجز المساحات والمرافق، وتمكين إقامة وحضور الدورات التدريبية، وتفعيل الشراكات المجتمعية مع المؤسسات المحلية، نعتقد أننا من خلال هذا التنظيم نستطيع أن نساعد الهواة بمختلف اهتماماتهم وهواياتهم على ممارستها والاستمتاع بها في بيئة ممكنة ومحفزة.