أعجبني خبر شاهدته عن وضع كبائن في حديقة عامة بالرياض تشبه كبائن تلفون العملة التي ظهرت آنذاك قبل سنوات طويلة، تحتوي على شاشة فيها مجموعة كتب صوتية في مختلف العلوم وبإمكانك الاستماع إلى محتوى أي كتاب وذلك بالضغط عليه أو عبر وضع باركود على الكتاب المختار ومن ثم يتم تحميله في جوالك للاستماع والاطلاع عليه. وهذا بلا شك هو نشر للثقافة والمعرفة والاستفادة من الوقت لمطالعة كل جديد ومفيد للزوار. فالقراءة غذاء العقل والروح، ومهمة لتنمية المهارات العقلية وتطويرها، بالإضافة إلى صقل الشخصية. والكتاب هو الرفيق المخلص على الدوام، قال المتنبي: أَعَزُّ مَكانٍ في الدُنى سَرجُ سابِحٍ وَخَيرُ جَليسٍ في الزَمانِ كِتابُ ويكفي أن تعرف بأن أوّل كلمة نزلت من كتاب الله على نبيه محمد -عليه الصلاة والسلام- كانت كلمة اقرأ، وهذا يدلّ على أهمية القراءة بالنسبة للإنسان، فالقراءة حياة، وهي صانعة العقول وهي التي تنقلنا من الجهل إلى العلم، قال تعالى: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ». وما أجمل قول الشاعر: نِعْمَ الأَنِيسُ إذَا خَلَوْتَ كِتَابُ تَلْهُو بِهِ إنْ خَانَكَ الأَصْحَاب لاَ مُفْشِيًا سِرًّا إذَا اسْتَوْدَعْتَهُ وَتَنَالُ مِنْهُ حِكْمَةً وَصَوَاب وللعلماء في شدّة حرصهم على القراءة والكتب مواقف وقصص عجيبة لما عرفوا من فضلها ووجدوا من نفعها. يقول ابن الجوزي رحمه الله: (وإني أخبر عن حالي؛ ما أشبع من مطالعة الكتب، وإذا رأيت كتاباً لم أقرأه، فكأني وقعت على كنز). وقال: (ولو قلت: إني طالعت عشرين ألف مجلد كأن أكثر، وأنا بعدُ في الطلب). وهذا إمام الحديث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، يحكي الشيخ الشيباني عنه فيقول: «ولعل الاهتمام بالحديث أصبح شغله الشاغل، حيث كان يغلق محله، ويذهب إلى المكتبة الظاهرية، ويبقى فيها اثنتي عشرة ساعة، لا يفتر عن المطالعة والتحقيق، إلا أثناء فترات الصلاة». وكان عبد الله بن المبارك يستأنس بخلوته في البيت وحده ليشتغل بالقراءة فقيل له: ألا تستوحش؟ فقال: كيف أستوحش وأنا مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه. يعني بها كتب الحديث. وهذا الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله - كان يقرأ في كل يوم ساعات، فإذا أقلّ القراءة يوماً قرأ مائة صفحة حسب ما جاء في سيرته. ومن المهم التنويه عن التظاهرة الثقافية السنوية في بلادنا الغالية وهي المعرض الدولي للكتاب بالرياض الذي يعتبر من أهم المعارض في المنطقة من حيث عدد الزوار الضخم، والذي بلاشك يدل على مكانة الكتاب الورقي عندنا: ويدل أيضاً على أننا أمة تقرأ.