وكأنه كان بالأمس. هذا ما تحدثت به أنفسنا لأنفسنا، بل هذا ما قلناه فعلاً جهارًا نهارًا! كان هذا في اليوم القريب الفائت يوم الأربعاء 3 أغسطس 2023م، عندما بدأنا نلملم مشاعرنا، ونحن نُنهي دورة «ناقد»، وقد مرت أيامها بل أسابيعها سريعة سريعة، وعندما يمر الوقت مهرولاً، فهذا يعني أن هناك أوقاتاً ثريةً ومزدحمةً بالفائدة والمتعة والتفاعل. ابتدأ البرنامج الذي أقامته الجمعية السعودية للأدب المقارن بدعمٍ من هيئة الأدب والنشر والترجمة؛ بترحيبٍ وحفاوةٍ يعكسان معنى أن يكون الأدب أسلوب حياة، خصوصًا عندما يتماس هذا الأسلوب مع الثقافة العربية السعودية التي تستحضر البيت الشهير: أُضاحك ضيفي قبل إِنزال رحله ويخصبُ عندي والمحلُّ جديبُ استقبال، حفاوة، ترحيب، وبعدها بدأت أولى حلقات التدريب في البرنامج المكثف للنقد، برفقةِ المثقف البارع الدكتور عبدالله العقيبي، ليأخذنا في رحلةٍ بين المعرفة والفلسفة والنقد، وليضع أمامنا أدوات الناقد، التي تعرفنا عليها عن قُرب، وحتى وإن كنا قد تعاملنا معها من قبل، فقد أضاف لها بأسلوبهِ الشيق الرشيق ما جعلنا نشعر وكأننا نعرف هذه الأدوات وتعرفنا للمرة الأولى. وبعد رحلةٍ معرفيةٍ حواريةٍ، جاء دور الأستاذ الدكتور محمد الشحات، فبدأ من حيث انتهى بنا المطاف مع الدكتور العقيبي، ولنستمع بإنصاتٍ للمعارف التي ترسم الخطوط والنقاط الحدودية بين الكتابة النقدية وغيرها من الأنواع، ولنستحضر ما سبق وأن عرفناه؛ لنُعيد ترتيبه وفحصه، ونحن نمر من خلال الثراء المعرفي والعلمي والأكاديمي الذي قدّمه لنا الدكتور الشحات. ودون أن يترك البرنامج لنا مجالاً للكسل أو الملل أو التراخي، جاءت الأستاذة بثينة محمد، وجمعت بين أيادينا وعلى مسامعنا الكثير من القوالب الإبداعية والجمالية والنقدية، ليتعرف كل منا على شخصيته النقدية بأسلوبٍ جميل وسلس. وجاء دور الدكتور علي النهابي، الذي يتوسع في الشرح ثم يجمع شتاتنا في نقاطٍ واضحةٍ ومحوريةٍ يستطيع المستمع والمطبق لها أن يتحسس جوانبها، ويلم بأبعادها. تخيل أن هذه الأسماء اجتمعت لتقديمِ برنامجٍ نقدي، ولكن لا تتخيل، فهذا ما حدث بالفعل في برنامج «ناقد»! أربعة أسماء لامعة في مجال الأدب والفكر والنقد، كان وجود أحدها في تقديم دورة تدريبية يعطي لهذه الدورة مكانةً وأهميةً، ولك أن تتخيل أنها قد اجتمعت، بل ولك أن تتخيل أن هناك أربعة أسماء أخرى شاركت في التدريب، إضافةً إلى أساتذةٍ كبار ومبدعين يشار إليهم بالبنان. برنامج حافل بكل ما تعنيه الكلمة.. تتابع العطاء المعرفي العام والمنهجي والأكاديمي، وتنوع البرنامج من خلال استضافة أساتذة ومبدعين، وهم: الأستاذة نوف السماري الفنانة التشكيلية الملهمة، الدكتور عدي الحربش الأديب والقاص الكبير، الدكتور صالح الغامدي القامة العلمية، الأستاذة ندى الهتاري المثقفة الفصيحة. وكانوا جميعًا وكنا معهم تحت المطر الأدبي، الذي أدار هطوله المحاور والمثقف المبدع الأستاذ حسين إسماعيل. وقبلهم وبعدهم، لم يتوقف التدريب والعطاء من خلال حضور أسماءٍ كبيرةٍ في سماء «الأدب والنقد»، فهذه الدكتورة رانية العرضاوي، التي طافت بنا في أرض الأدب والنقد، وحلّقت بنا في سماء الإبداع؛ فكر لا يُمل، وأساليب لا تُذبل، وأفق لا يُرى آخره، وثمار فكرٍ يانعة وهبتها لنا. وجاء بعدها الدكتور مصعب باجابر، ليكون المطر المعرفي والأدبي، وليُكمل بنا ومعنا محاور النقد ومفاصل الأدب، ثم جاء ختامها مسكاً مع الناقد الفذ والأستاذ المتدفق علمًا وروحًا الدكتور عادل الزهراني. وعليه انتهى البرنامج الذي تمنينا أنه لم ينتهِ، وانتهيت من كتابة ما كتبته، وعندما وضعت القلم، وجدتُ أنني أكتب على ورقة كُتب في أعلاها «الجمعية السعودية للأدب المقارن»!. وهنا تنبهت ونُبهت إلى أن الصورة الرمزية (السيميائية) في مكانها القصي قد دنت واستدعت: الدكتور إبراهيم عزيزي، الدكتور إبراهيم الفريح، الدكتورة سماهر الضامن، الدكتورة بدور الفصام، الأستاذ إبراهيم الثاني، الأستاذة نورة السبيعي، الأستاذ علي ندو. ما كنت أريد أن أقوله فقط: أنتم وجه مُشرق مُشرّف للوطن وللأدب وللثقافة. ما كنت أريد أن أقوله فقط: دكتورنا وأستاذنا ومفكرنا سعد البازعي، كان الافتتاح مع قامتك وقيمتك مسك البدء. ما كنت أريد أن أقوله فقط: شكرًا بعمق، وبصدق ل(وزارة الثقافة) ول(هيئة الأدب والنشر والترجمة) ول(الجمعية السعودية للأدب المقارن).