نحلم بالكمال والإيجابية، ونقضي الكثير من السنوات ونحن ننظر للآخرين ونتمنى أن نكون نشيطين ويقظين كما هم، ننظر لسلبياتنا وكأنها عيوب خَلقية لا يمكن تجاوزها، ونعجز عن احتوائها أو التعايش معها، نبذل الكثير من الجهد ونحن نركز بسلبياتنا، والكثير الكثير من الألم النفسي، ليس هناك ضير من معرفة سلبياتنا وعيوبنا، فالبعض يعتبر سلبياتنا هزيمة لنا، وبالتالي يسهل خداعنا ولا يمكننا اكتشاف إمكانياتنا وقدراتنا في خضم فوضاها، وهذا يدفعني إلى الإيمان "باستغلال سلبياتنا" هي ليست فكرة فارغة بلهاء، بل لها أبعاد نفسية اجتماعية، فقد تعودنا على تبرير إخفاقاتنا لأننا سلبيون أكثر من اللازم في حياتنا، ولكن بمجرد أن تستغل سلبياتك ستتحسن نظرتك للحياة وستكون عنصراً فاعلاً ونشطاً تخدم نفسك ومن حولك، فمشكلتنا أننا ننظر لأنفسنا من خلال معايير الآخرين "والآخرون هم الجحيم" كما يقول نيتشه. قرأت ذات مرة أن الفنان الإسباني "سلفادور دالي" كان يعمل لأيام دون نوم ثم ينام لأيام أو حتى أسابيع، كان أحياناً منتجاً، وأحيان أخرى كان يبيت بياتاً شتوياً فقط ولا يفعل شيئاً، ولو أخضعنا "دالي" إلى معايير المجتمع وطلبنا الحكم عليه من خلال سلوكه سيقول البعض إن طريقته في التعامل مع نفسه فاشلة، وسيتساءل كيف ينتج وهو لا يستغل وقته جيداً، ولكن الحقيقة أن دالي كان متفهماً لنفسه جيداً فعندما تدق لحظات الإبداع يبدأ بالعمل في الوقت الذي تشتهيه نفسه دون وضع أي اعتبارات، فهو يفهم نفسه، ويفهم متى يحتاج أن يعمل، ومتى يحتاج أن يرتاح، فلن تكون نفسك وأنت تستمع لنقد الآخرين وحكمهم عليك، الآخرون ليسوا أنت لذلك لن يتفهموا دوافعك النفسية، أيضاً هناك خلط بين مفهوم عدم استغلال قدراتنا الاستغلال الأمثل والفشل، فاستغلال قدراتنا تكون على حسب الأهمية لنا، وهذا موضوع آخر قد أتطرق له في مقالة لاحقة، ولكني أؤكد على أنه لا بد أن تفعل ما تستطيع فعله دون اهتمام بما يستطيع الآخرون عمله. كن مستقلاً وكن نفسك، وتجاوز سلبياتك باحتوائها وتأكد أنك لن تتذوق مرارة الفشل، وأؤمن أنه لا يوجد شيء اسمه فشل هناك شيء اسمه تجربة نتعلم منها كيف نصحح مساراتنا في الحياة، فعندما لا نقدم، لا نجرب، ونظل ندور في دائرتنا المغلقة دون استغلال لكل ما وهبه الله لنا من نعم، فالحياة أكبر من تخيلنا.