بهدف حماية أمن واستقلال وسيادة دول المجلس، والحفاظ على رفاهية شعوبها، تبلورت فكرة مجلس التعاون الخليجي. ومن أجل تعزيز مسيرة التكامل والترابط في جميع الميادين انبثقت الفكرة التي ظلت، وما تزال، عنواناً للعمل المشترك، ومنارة للتآلف. وراح المجلس يشد العزائم نحو تعميق مبدأ التنسيق والتعاون، بما يخدم الأهداف السامية للأمة العربية، واحترام ركائز الأمن العربي، فأضحت صيانة المصالح العربية العليا أمراً جوهرياً يصبّ في اهتمامات مجلس التعاون، وفي صلب أولوياته. وبالرغم من هذه الوقائع، لم تفتأ بعض الأصوات الإعلامية تحاول العبث عبر إبراز مشاركة بعض دول المنطقة مع أشقاء عرب في لقاءات لا تضم بعضاً آخر، لمحاولة المسّ بمكانة مجلس التعاون، والإمعان في خلط المفاهيم والمقاربات التي تؤثر في النطاقات الإقليمية للدول العربية. هذه الأصوات تغيّب الحقيقة وتزيفها، مثلها مثل نافخ الكير في ممارسة الإفساد ونفث النتانة. ومَن كانت هذه صفاته، فإنه بلا ريب سينسى أو يتناسى أنّ دول مجلس التعاون ذات سيادة، وأنّ قراراتها تنبع، باعتبارها دولاً حرة، من قناعاتها السياسية التي تروم بناء علاقات تخدم مصالحها الوطنية، وبالتالي فإنّ أي تشكيك وتلميح إلى تفرّد دولة بمشاركة في لقاء أو اجتماع، يتجاهل إحداثيات الواقع، ويقفز عن حقائقه الدامغة، فضلاً عن إغراقه في قراءة النوايا و»الفتح بالمندل»، وهي في مجملها أساليب تفكير بالية لا يُعتدّ بها. تتجاهل هذه القراءات الرغائبية موقع ودور وأهمية مجلس التعاون في ضوء التفاعلات والتطورات الإقليمية الجارية، وأنّ المجلس يبقى الضامن والعاصم الذي يحول دون دخول أو «تورّط» دول عربية في تحالفات جديدة ضد دول أخرى، لأنهم يعلمون أنّ مثل ذلك، لو حدث لن يكتب له الاستمرار، والتاريخ القريب يلهمنا بنماذج ساطعة على ذلك، منذ فكرة الهلال الخصيب 1921-1923 إلى مجلس التعاون العربي 1989، واتحاد المغرب العربي، وسواها. لقد أثبت هذا المجلس متانة العود، وفعالية الأداء، والقدرة الواضحة على تعزيز العمل الخليجي المشترك، واستطاع بذلك تجاوز المصائب التي مسّت أمن الخليج في الصميم. وفضلاً عن ذلك، فإنّ القواسم المشتركة الضاربة الجذور التي تجمع بين دوله واهتمامات مواطنيه شامخة وسامقة، وهي بكل تأكيد تصبّ في مصلحة الأشقاء العرب، وتسير في الاتجاه الصحيح الذي لا يخطئه القلب. يأتي ذلك بالرغم من التحديات التي ما زالت قائمة؛ كسعي إيران المسعور إلى تعزيز نفوذها الإقليمي في الدول العربية، وذلك من خلال التدخلات الإيرانية في شؤون الدول العربية والزعزعة «المنهجية» للأمن والاستقرار، علاوة على طموح بعض الدول الإقليمية الأخرى كتركيا التي تمارس الاحتلال والاستيلاء على الأراضي العربية، كما تفعل إسرائيل، تماماً، من حيث الاحتلال واغتصاب الأراضي والتنكيل بشعب أعزل أمام مرأى المجتمع الدولي. وبالرغم من فجاجة وغطرسة هذه الدول الإقليمية الثلاث، فقد سعت الدول العربية، فرادى ومجتمعة، إلى فتح صفحة جديدة في واقع العلاقات الدولية في الشرق الأوسط، عبر طرح مبادرات السلام، والتأكيد على مبادئ حُسن الحوار، والاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام سيادة واستقلال دول المنطقة، إلا أنّ ذلك كله لم يجد آذاناً مصغية، بل ذهبت هذه الدول المتغطرسة إلى استغلال فداحة ما أصاب بعض الدول العربية من هزات عنيفة، وحاولت التطاول والتكالب على الدول العربية والنيل من مقوماتها. إنّ مواقف هذه الدول غير المحبّة للعرب ستبقى تلفها ضبابية وتوجس؛ مما سيؤثر مستقبلاً على مجريات الأمور في هذه المنطقة الحيوية. في غمرة هذه العواصف التي لا تهدأ، أثبت مجلس التعاون، المرة تلو المرة، أنه إطار عمل عميق الجذور يستمد قوته من الإيمان بوحدة المصير والمستقبل الواحد، ومن حتمية التعاون والتكاتف الذي تخطى وسيتخطى كل التحديات والمتغيرات المستمرة برؤية شمولية، وبعد نظر. إنّ تلك القراءات الحمقى لا تتسق ومتانة النسيج الخليجي والتعاطي مع الأوضاع الإقليمية. أما محاولات الغمز واللمز والنيل من هذا المجلس ووحدته فلن يكتب لها النجاح مهما كانت دوافعها وأبعادها ومظاهرها. أضف إلى ذلك أنّ وقوف دول المجلس مع الأشقاء العرب يعد ترجمة فعلية لإيمانه بأنّ أمن أية دولة عربية يعد مسؤولية عربية مشتركة، وهو ما انعكس بوضوح إبّان أزمة الخليج التي أثبتت أنّ مجلس التعاون وقف سداً منيعاً في وجه التهديدات، وسيظل قلعة صلبة أمام الأطماع الخارجية والسياسات الإقليمية، ولن ينال أحد من وحدة أعضائه، ولا من قوة جسده الواحد. * كاتب ودبلوماسي سابق